الدعم في ذمة الفريق الاقتصادي السوري “الحاكم”
د. م. محمد غسِّان طيارة
قبل توضيح وجهة نظري في الطريقة التي تنوي الحكومة إتباعها لدعم المواطنين في سعر ليتر المازوت، لا بد من العودة إلى المادة السابعة من دستور الجمهورية العربية السورية المتضمنة القَسَم الدستور وفيها:
المادة السابعة: يكون القَسَم الدستوري على الشكل التالي:
أُقْْسِم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي وأن أحترم الدستور والقوانين وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن وأن أعمل وأناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.
والسؤال الذي نطرحه ويطرحه كل مواطن: هل يراعي الفريق الاقتصادي “الحاكم” الفقرة الأخيرة في هذا القَسَم المقدس، فهل يناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، وعلى وجه الخصوص هنا الاشتراكية؟!
وتأكيداً لهذا السؤال نُذَكِّر بنص المادة الثالثة عشر من الدستور التي تنص على ما يلي:
المادة الثالثة عشر 1ـ الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال.
وهذا يستتبع توجيه سؤالين لفريقنا الاقتصادي “الحاكم”:
1ـ هل السياسة الاقتصادية المتبعة من قبلكم تتطابق مع الاقتصاد الاشتراكي، أم أنها سياسة ليبرالية مستغلة لجهود العاملين في الحقول الاقتصادية والاجتماعية كافة؟
2ـ هل السياسة الأجرية المتبعة في سورية للقطاعين العام والخاص تهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال؟!
إن الإجابة على هذه الأسئلة تحدد المفهوم الحكومي لسياسة الدعم وسنوضح ذلك لاحقاً..
تُعدْد المادة الرابعة عشر من الدستور الملكية في سورية ولكن قبل الغوص فيما جاءت عليه تلك المادة، لا بد من توضيح مفهوم الدولة، فهي ليست السلطة التنفيذية، وليست السلطة التشريعية، وكذلك ليست السلطة القضائية، وهي ليست فقط هذه السلطات مجتمعة، فالركيزة الأساسية للدولة هي المواطنون ومن دونهم لا وجود للدولة وهم وحدهم يشكِّلون الدولة لأن منهم تتشكل كل السلطات، وعندما يتحدث الدستور عن الدولة فهو يقْصد في المرتبة الأولى المواطنين.
حددت المادة الرابعة عشر من الدستور أنواع الملكية وما يهمنا هنا البند الأول الذي حدد مفهوم ملكية الشعب وفق التالي:14/1ـ ملكية الشعب: وتشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها.
إن الشعب العربي السوري هو المالك الحقيقي لجميع الثروات الطبيعية، ومنها النفط ومشتقاته والدولة هي المسؤولة عن استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب.
وكما بينا فإن المواطنين هم الركيزة الأساسية للدولة ولهذا فهم مشاركون أساسيون في هذا الاستثمار وفي
إدارته، لأنهم يشكلون المرتبة الأولى والمهمة من مجموع الشعب، فهم مالكون للثروات الطبيعية وأي إدارة لا تقوم بواجبها لصالح مجموع الشعب غير شرعية بحكم الدستور، ولهذا يجب على الحكومة أن تسأل الشعب عن طريقة إدارة هذه الثروات، وتسأله عن السعر المناسب له والقادر على تحمله عند حاجته للاستفادة من هذه الثروات، كما أن جميع الشعب، بغض النظر عن فئاته، يملكون هذه الثروات الطبيعية بالتساوي، ولهذا تسقط دستورياً مقولة بيع مواطن المشتقات بسعر ومواطن آخر بسعر ثانٍ، وهذا ما مارسته واستمرت عليه الحكومات المتعاقبة في بيع المواد التموينية وبحسب عدد أفراد الأسرة (يجب التأكيد على عبارة “بحسب عدد أفراد الأسرة”) بسعر واحد لكل مادة، بينما يأتي الفريق الاقتصادي “الحاكم” ليُقسِّم المواطنون، بغض النظر عن عدد أفراد كل أسرة، إلى فئات مخالفاً بذلك الدستور، ويذكرني ذلك بالمثل الشعبي التالي: زيد يرث وزياد لا يرث وهما أخوان في الأب والأم، ومخالفاً للنص الواضح الوارد في البند /3/ من المادة الخامسة والعشرون التالي:
25/3ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وإذا أرادت الحكومة أن تعْدِل في تسْعير أية مادة من المشتقات النفطية، كان من الواجب عليها أن تطرح علي المواطنين طريقة تسعيرها لكل مشتق نفطي وتأخذ رأيه في كل مقترح باعتباره المالك الحقيقي لتلك المشتقات، أي الاستماع إلى ممثلي الشعب في مجلس الشعب وليس تجاهله كما حدث في يوم الاثنين 18 تشرين الأول الماضي، وليس من حقها فرض السعر التي تراه اقتصادياً وفق حسابات الفريق الاقتصادي “الحاكم”. ومن واجبي أن أوضح التالي:
ـ إن السياسة الأجرية غير عادلة في القطاعين العام والخاص، وقد تزايدت مطالبة المواطنين بأن تكون أجورهم متوافقة مع الدول المجاورة حتى تكون الأسعار متوافقة أيضاً مع ما هي عليه في تلك الدول.
ـ إن حساب سعر المشتقات النفطية بسعرها العالمي غير صحيح، فالمالك هنا هو المواطن وليس المستورد الأجنبي الذي يبعنا منتجاته بأعلى الأسعار.
ومن المفروض أن يتم تحديد أسعار المشتقات النفطية مع الأخذ بعين الاعتبار أن المواطنين هم المالكون لها وأن أجورهم محدودة، ويمكن توضيح ذلك على سعر ليتر المازوت وفق المعادلات التالية:
ـ تحتاج سورية إلى كمية /س/ ليتر من المازوت.
ـ ننتج في المصافي كمية /ع/ ليتر من المازوت.
ـ نستورد الكمية الباقية /س ـ ع/ ليتر من المازوت بالسعر العالمي.
ـ على الحكومة أن تحْسب سعر ليتر المازوت المنتج محلياً على أساس التكلفة مضافاً إليها الربح النظامي وبحدود 10% أو أقل أو أكثر، وخاصة أن قيمة 15% من الكميات المنتجة تورد إلى الخزينة العامة للدولة كأتاوة للحكومة من الثروات الطبيعية.
ـ يُحْسب السعر الطبيعي لليتر المازوت وفي ما يلي:
{الكمية /ع/ × سعر التكلفة مضافاً إليها الربح النظامي +(س ـ ع)× بالسعر العالمي س = السعر الحقيقي لليتر المازوت الذي يجب أن يحدده الفريق الاقتصادي “الحاكم.”
ـ يجب أن يتعامل الفريق الاقتصادي “الحاكم” مع هذا السعر ومكافأته لوسطي الأجر المعتمد من قِبَل
الحكومة للقطاعين العام والخاص ومدى عدالته، فإذا كان عادلاً فتقرره وإذا كان غير عادلٍ فعلى الفريق الاقتصادي “الحاكم” أن يجري تعديلاً على الأجور أو يعود ليدرس تكاليف إنتاج المشتقات النفطية والعمل على تخفيضها من خلال تخفيف الهدر وإتباع تكنولوجيا أكثر حداثة ومتطورة …إلى آخره.
ـ على الفريق الاقتصادي “الحاكم” أن يتذكر ما أقْسَم عليه بأن الاقتصاد في سورية ما زال اشتراكياً.
ـ وإذا كان الفريق الاقتصادي حاكماً بالفعل ويمارس السياسة الليبرالية في الاقتصاد، فعليه تعديل دستور الجمهورية العربية السورية، وتعْديل القَسَم، فهل يستطيع ذلك؟!.
ـ إذا لم يحاسب الشعب الحكومة اليوم فهل سيرحمها التاريخ؟!
لقد اعترض الكثيرون على طريقة دفع مبلغ لبعض المواطنين وحرمان الأكثرية منه، وقد اقترح المعترضون تحديد سعر ليتر المازوت ما بين /12/ ل.س و/15/ل.س، بهدف تحقيق التساوي بين المواطنين، وقد تقدمت بمعادلة لتحديد سعر ليتر المازوت موضحة أعلاه.
ونود التنويه بأن معظم من عارض أسلوب الحكومة في منح مبالغ محددة، كدعم، لبعض المواطنين وحرمان البعض الآخر، أوْرَدَ بعض النصوص الدستورية التي تخالفها الحكومة بطريقتها التي تسربت للإعلام، واستكمالا لما قرأته أبين التالي:
ـ إن تقسيم المبلغ على دفعتين يعني أن الحكومة تعارض مبدئياً استخدام التدفئة المركزية، فأصغر خزان يُستخدم هو بسعة ألف ليتر ولن يقوم المواطن الذي قبض الدفعة الأول بتعبئة نصف خزانة وبعد عدة أشهر يعود لتعبئة ثانية لما تبقى مما صرفه من المازوت، وإن الذي سيكتفي بالتعبئة على دفعات خلال فصل الشتاء هو من يستخدم المدفأة، ولهذا أدعو نقابة المهندسين والشركات الحكومة الدارسة والمنفذة لإلغاء دراسات التدفئة المركزية والعودة إلى تصميم مدخنة لكل غرفة من غرف البيت لتركيب مدفأة في كل منها، ونعود لتصوير هذا المداخن بما ينبعث منها من دخانٍ كثيفٍ في يوم شتاء بارد وقارص في أقدم عاصمة مأهولة، ونسجل عاصمتنا بمداخنها وانبعاثاتها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ـ إن تحديد سعر مناسب للمازوت ( حتى ولو تضمَّن بعض الخسارة) سيؤدي حتماً إلى تخفيض أسعار جميع المنتجات الصناعية والزراعية الإستراتيجية وغير الإستراتيجية (بحسب التقسيم الحكومي) والخدمات بأشكالها المختلفة، وفي مقدمتها نقل المواطنين والبضائع والمنتجات كافة، وبالتالي سيقدم دعماً متزايداً لكل مواطن وسيساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتراجعة للنهوض بها، وبالتالي سيزداد الإنتاج في كل المجالات الاقتصادية والخدمات، وعلى أقل تقْدير، سيؤدي إلى تنخفض تكاليفها مما سيساعد على زيادة حجم الصادرات فتدور العجلة الاقتصادية، ومنها سترتفع حصيلة خزينة الدولة من الضرائب والرسوم، ويتحسَّن الميزان التجاري وينخفض العجز في الميزانية العامة للدولة، وستتمكن الحكومة من زيادة الاعتمادات الاستثمارية، وترتفع وتيرة النشاطات الاقتصادية، فبتخفيض سعر مادة مؤثرة في الاقتصاد كالمازوت /على سبيل المثال/ ستندفع عجلة التنمية إلى الأمام.
إن هذه الفكرة تعارض التوجه الليبرالي لفريقنا الاقتصادي “الحاكم”، ولكنها تنسجم مع الفكر الاشتراكي الذي حدده دستورنا في بعض مواده وأكد عليه القَسَم الدستوري، فهل من مجيب؟!.
كلنا شركاء