من سرق التنمية في سورية؟؟ ومن يقودها؟
كلنا شركاء
السؤال المطروح : هل هناك اختراق للقرار الاقتصادي من قبل قوى متنفذة في الدولة؟
الجواب نعرفه جميعاً، نعم نعرفه عندما نعلم أن الرأسمالية التي نشأت في سورية خلال سنوات التوجه نحو الاشتراكية ليست زراعية وليست صناعية بل رأسمالية تجارية توسعت أفقياً في ميدان الخدمات وطغت بشكل منحرف وعقيم من أشكال الاستثمار.
ولم تأت هذه الظاهرة عفوياً وإنما كانت نتيجة أخطاء في البناء الاقتصادي لاتزال آثارها قائمة وتنعكس انعكاسات خطيرة على الميدانين الزراعي والصناعي وأبرز هذه الأخطاء الإصلاح الزراعي الذي أعلن على أساس مغلوط حيث تم تعميم الملكيات الفردية وإنشاء مزارع الدولة وبعض التعاونيات وقد فشلت مزارع الدولة وفشلت التعاونيات وفتت الأرض مع عدم القدرة على التمويل وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي وكانت النتيجة :
انخفض الإنتاج، ولحق ضرر كبير بالسياسة الزراعية وهجر الفلاحون الأرض وهاجموا المدن وبدأت الأزمات كذلك في القطاع الصناعي أنشئ القطاع العام من الشركات المؤممة والمحدثة واستطاع أن يقدم خطوات وتوقف نعم توقف دون أن نعمل على خلق بيئة تشريعية وعملية لجذب رؤوس الأموال الفردية وتثبيتها في صناعات حتى لو كانت مشتركة بين القطاعين العام والخاص ودون تطوير للقطاع العام.
وفي هذه المعمعة برزت فئة من إداريين في القطاع العام ومن سماسرة في السوق عملت كوسيط بين شركات القطاع العام والبيوتات الأجنبية كوسيط وسمسار، استطاعت أن تقيم تحالفاً مكشوفاً ومستتراً مارس هذا التحالف تخريباً للقطاع العام أدى إلى استنزافه بالكامل وفرض هذا التحالف علاقات اجتماعية وإنتاجية متخلفة وقد قاد هذا التحالف عمليات البناء والتخريب والسرقة خلال سنوات طويلة .؟
الرأسمالية الزراعية والصناعية لا تشكل خطراً اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً لأنها رأسمالية وطنية ومصالحها ترتبط بالوطن والتنمية وإقامة المشاريع التنموية ولكن الأمر مختلف تماماً مع الرأسمالية التي امتهنت السمسرة والوساطة وأشكالها وقد نمت هذه الرأسمالية وأصبحت قوة وهي تعمل بشكل أو بآخر لدفع مواقعها إلى الأمام على حساب القطاع العام والقطاع الخاص المنتج وعلى حساب الوطن والدولة وهي التي سرقت الدخل القومي وأضعفت الاستثمارات في القطاعين الصناعي والزراعي.
لاشك ساهم القطاع العام مساهمة كبيرة في توفير فرص العمل لمئات الألوف من العمال والمهندسين مما قلل من حجم ظاهرة البطالة الظاهرة وإن كان دوره في هذا المجال قد تحقق في الغالب على حساب فعالية القطاع العام وربحية المشروع الحكومي وذلك بسبب سياسة التشغيل الاجتماعية، كان محط الرجاء والأمل وهو القطاع الذي استجاب لكل الإجراءات والضوابط التي وضعتها الدولة لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمجتمع وكون القطاع الاقتصادي الأقدر على الاستجابة للاحتياجات الأساسية للمواطنين وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن المدخل الأساسي لمعالجة الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني هو في الوقت نفسه المدخل الأساسي لمعالجة الصعوبات التي يعاني منها القطاع العام .
ولكن لم يتخذ قرار معالجة صعوبات القطاع العام ورغم ما طرح من مشاريع إصلاحية لم تنفذ ولم تقر وبالتالي اتخذت قرارات لمعالجة واقع الاقتصاد الوطني .
ولكن ما هي هذه القرارات ؟؟
أقر المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الذي عقد في حزيران عام 2005 التحول إلى نهج اقتصاد السوق الاجتماعي وقد جاء هذا التحول ليس بسبب المتغيرات الدولية والعولمة وإنما بسبب واقع القطاع العام وإخفاقه في التنمية والخسائر التي يحققها القطاع العام وعدم توفر إيرادات كافية للدولة وبروز فئة أو فئات أصبح القطاع العام عبئا عليها بعد أن سرقته وتراكمت أموالها من القطاع العام لذلك عليها أن تتابع نهب المجتمع من خلال الانفتاح والاستثمارات بعد تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي.
كان من الممكن أن يواجه هذا الطرح برفض قاطع من قواعد الحزب الحاكم والأحزاب اليسارية الأخرى في الجبهة الوطنية لذلك فقد احتاط الطاقم الحكومي الاقتصادي وأجرى حواراً بين بعض التيارات والفعاليات ووضع بعض البنود الوعود:
– الانتقال التدريجي وفق خطة زمنية محددة بعيداً عن الصدمات
– استمرار دور الدولة في الحياة الاقتصادية بأسلوب أكثر حداثة وتطوراً والانتقال التدريجي إلى لعب أدوار غير مباشرة في الحياة الاقتصادية
– إعادة تأهيل القطاع العام الاقتصادي في القطاعات الإستراتيجية وذلك وفق خطة زمنية محددة وتوفير كافة الإمكانيات لذلك.
– تخلي الدولة والقطاع العام تدريجياً عن بعض الأنشطة بعد إجراء دراسة اقتصادية لكل مشروع أو استنفاذ البدائل المتاحة للاستثمار أو المشاركة في الإدارة مع المحافظة على حقوق العاملين.
– إلغاء كافة أشكال التقييد والحصر والحماية توفيقاً مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها سورية مع بعض الدول واتفاقية منظمة التجارة الحرة العربية والشراكة مع أوربا والتي لم توقع حتى الآن .
– تعزيز نهج التعددية الاقتصادية وتقديم الدعم والتشجيع لجميع القطاعات.
فهمت النقابات العمالية وأحزاب اليسار ومنها حزب البعث أن اقتصاد السوق الاجتماعي نظام ذو بعدين اقتصادي مجتمعي يقوم على الموازنة بين نظام السوق ونظام الرفاه الاجتماعي المحصلة بعد أربع سنوات .
تراجع الإنفاق الاستثماري عاماً بعد عام ويعني هذا تراجع الدور التنموي للدولة وقد أدى ذلك إلى عدم إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام في حين بقي القطاع الخاص عاجزاً عن ردم الفجوة الاستثمارية وقد أدى ذلك إلى ملايين العاطلين عن العمل.
تحرير التجارة خلق تحديات وصعوبات للقطاع العام وللقطاع الخاص المنتج بسبب المنافسة والتي كانت حاسمة في العديد من القطاعات وقد أدى ذلك إلى إغلاق مؤسسات إنتاجية عديدة الأمر الذي فاقم من البطالة وهذا ما تريده الفئات الطفيلية التي اغتنت خلال 40 عاماً من القطاع العام لذلك فقد تضاعفت ثرواتها مئات المرات من خلال السمسرة – مكاتب الاستيراد والتصدير والوساطة والدعارة والاستثمار العقاري- تراجع الإنفاق على التعليم والصحة تحرير أسعار السلع الأساسية كالمشتقات النفطية وحوامل الطاقة الأخرى.
التهرب الضريبي من قبل السماسرة وتجار العقارات مما شجع هذه الفئات على نهب المجتمع وقد انعكس ذلك سلباً على مجمل الاقتصاد الوطني وقلص من غمكانية الدولة الحصول على الموارد الكافية واللازمة لتمويل إنفاقها الاجتماعي وهذا ما يؤكد الاتجاه نحو عدم العدالة في توزيع الدخل وعدم قدرة الدولة على إنصاف ذوي الدخل المحدود يصل الإنفاق العام في الدول المتقدمة إلى 50% وفي سورية في سنوات سابقة لم تتجاوز 8% من الناتج المحلي الإجمالي
ضرب القطاع الزراعي في الصميم وهاجر أكثر من 700 ألف مواطن من المناطق الشرقية إلى دمشق ويعملون في مهن دونية
وهناك تفصيلات أخرى ولكن نرجع إلى السؤال :
هل هناك اختراق للقرار الاقتصادي من قبل قوى متنفذة في الدولة ؟
نعم هناك اختراق من قبل من يقود التنمية ويمنح منجزات التنمية لمن نهب القطاع العام والاقتصاد الوطني عبر سنوات طويلة!!