في الطريق إلى قمة دمشق
جمال باروت
يعاني النظام العربي من مفارقة خاصة، تتسم بأن جميع أطرافه لا تعول عليه شيئاً بقدر ما تبدي الحرص عليه. فكافة أطرافه ليس لها أدنى وهم حول “تبخر” بيان القمة بمجرد الانتهاء من إلقائه، بينما تدخل في صراعات وتسويات حادة حول هذا “البيان” المتبخر مسبقاً!
وقد يعود ذلك إلى بنية النظام العربي نفسه الذي يتسم بين سائر النظم العالمية بأنه من أشد النظم المتشددة بالاعتبارات “السيادية” التقليدية من النمط “الوستفالي” (Westphalia) القديم لكل دولة عضو، والتي تضع قرارات القمة تحت رحمتها. مما يعني أن الجامعة العربية ليست أكثر من “أداة” لكل عضو من أعضائها يستخدمها وفق مصالحه. ويتمثل هنا مربط الفرس في نوعية نظرة أطراف هذه الجامعة إليها، وأقل ما يمكن القول فيها إنها تنظر إليها كمجرد “أداة” لمصالحها القطرية أو لمصالحها كدول “مستقلة”، وليس كنظام يتطلب التزاماً جماعياً تكاملياً بمقررات قممه.
والواقع أن كلمة “الوظيفة” تؤدي معنى أقوى وأوضح وأكثر مطابقةً مع واقع الحال من كلمة “الأداة”. وبهذه البنية اجتمع العرب وتفرقوا في آنٍِ واحدٍ. لكنهم تمكنوا، في ضوء مبادرة مصرية، من إقرار مبدأ الاجتماع الدوري السنوي للقمة.
وهكذا، من المفترض أن تنعقد القمة العربية القادمة في دمشق وفق هذا المبدأ. وفي حال عدم انعقاد هذه القمة، فإن هذا لا يضيف إلى الأمر جديداً، إذ سبق للقمة العربية أن تعطلت مراراً، وما حدث في الماضي يمكن أن يحدث في المستقبل، قياساً على سيناريو استمرار الاتجاهات في بناء السيناريوهات المستقبلية، لكنه سيكون في حال حدوثه المرة الأولى التي يتعطل فيها مبدأ الانعقاد الدوري للقمة، وهو أقل “الإيمان” في توافقات النظام العربي.
هل يمكن أن تتعرض قمة دمشق المقررة إلى ذلك؟ إن كلمة السر في ذلك هي توافق المحور السوري-المصري-السعودي، وقد لا تشير الأجواء العربية الراهنة، والتي تتسم بانكشاف مشكلات هذا المحور، إلى أن القمة ستنعقد، إذ يمثل تعقد المسألة اللبنانية أحد نتائج ذلك التصدع حول الوجهة الجيو-بوليتيكية للإقليم. لكن وظيفة القمة في حسابات أطرافها تشير من جهةٍ أخرى إلى أن القمة ستنعقد، ولو وضع الفاعلون الأساسيون فيها على “أنوفهم بصلة”، أو أنها قد تنعقد بنصاب منخفض عن مستوى تمثيل “الملوك والرؤساء”، كتعبير عن ضيق قادة النظام العربي بسياسات دمشق المستفزة للمنغمسين في “السرير الأميركي” المعد للمنطقة. ويعود ذلك إلى الحاجة الوظيفية الأداتية القطرية لمؤسسة القمة العربية بالنسبة إلى أطرافها، ولكنه يتعلق هذه المرة بعامل جديد وهو الحاجة الأميركية لانعقاد هذه القمة في سياق انطلاق عملية أنابوليس وتعقيدات إطارها الجيو–بوليتيكي.
ويبدو أن دمشق تهيئ لاستقبال القمة وكأنها ستنعقد في موعدها المقرر بكافة “المراسم”، في الوقت نفسه الذي ليس لديها أي تمسك بها على حساب ما تعتبره “مصالحه”، وبالتالي فإنها قد لا تستبعد عدم انعقادها أو لن تفاجأ بانعقادها بمستوى منخفض. وتحتل المسألة اللبنانية هنا موقعاً أساسياً في الظاهر، ليس لأهمية لبنان في النظام العربي، بل لمكانته في الاستراتيجية الأميركية الموجهة إلى المنطقة. ومن الواضح أن دمشق لن تقدم “أضاحي” في المجال اللبناني كي تمهد لانعقاد القمة، وإن كانت ستبدي مرونةً “كبيرةً”، فهي تدرك أن هذا المجال هو الساحة الخلفية “المختارة” بعناية لاحتوائها و “إزعاجه”. وهي ليست مستعجلةً لانتخاب رئيس لبناني (توافقي) على حساب مكانة حلفائها وإبرام سلة “التوافق”، وبالتالي لا ينفع معها التهديد بتخفيض مستوى القمة أو “الوعيد” بعدم انعقادها أو استباقها بقمة استثنائية تجعل منها دورةً “باهتةً”، فالكل يلعبون أوراقهم بقوة تحت مظلة المبادرات، وفي هذه اللعبة “الضارية” فإن الحلقة الأضعف هي مؤسسة الجامعة العربية نفسها التي تحولت إلى “شماعة” الإخفاق العربي.