الجدل حول انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي: لنفتح الأبواب ولنتجاوز التحيّزات
ميشيل روكار، جاك ديلور، لوك فيري، إدغار موران وآلان تورين
ترجمة : محمد صدّام
وأخيرا انطلق الموسم الثقافي التركي بفرنسا، وسيتواصل إلى غاية مارس/آذار 2010،بعد فترة من التردّد بسبب الحملة المناهضة لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي والتي تفاقمت في المدة الأخيرة. وقد غذّت السياسة الجديدة التي ما فتئت تنتهجها الحكومة التركية في منطقة الشرق الأوسط وحيال العالم العربي والإسلامي – بالتزامن مع مواصلة ترشّحها للالتحاق بالمجموعة الأوروبية- جدلا واسعا في أوروبا وكثير من البلدان العربية.
وبهذه المناسبة أصدرت مجموعة من النخب الفرنسية ( مسؤولون سياسيون سابقون وعلماء اجتماع ) نداءً يعارضون فيه هذه الحملة ويدعون فيه إلى إقامة نمط جديد من العلاقات الحضارية والقطع مع كل أشكال التحيّز، وتجاوز وَهْم حدود الهوية، ورفع تحدّي قبول الآخر وإفساح المجال لتواجده أوروبيا. موقف هذه المجموعة ما زال أقلّيا في أوروبا، وما زال الرأي العام في هذه القارة يتوجّس خيفة كبرى من عالم إسلاميّ لا وجود لمؤشرات تنبئ بقرب دخوله عصر المواطنة وعصر سيادة القانون العادل والدولة المحايدة… رغم أنّ النموذج التركيّ بدأ يثير الكثير من الاهتمام ونوعا من الأمل لدى بعض النخب الأوروبية مثل موقّعي النداء المذكور.
وفي ما يلي ترجمة لنصّ هذا النداء. (المترجم)
* * *
هل سيسمح موسم تركيا في فرنسا، في النهاية، بإعطاء الفرصة للفرنسيين لاكتشاف الوجه الحقيقي لتركيا، من خلال عشرات التظاهرات الثقافية؟ لا تركيا الشواطئ، وقِبلة السيّاح، ولا تركيا توهّمية، طليعة إسلام مُنـْبَرٍ يغزو أوروبا؟
هل سنتمكّن في نهاية المطاف، ونحن نتطلّع إلى هذا البلد العظيم، من القطع مع الأكليشيهات وأشكال التحيّز والاحتقار، وفي أحسن الأحوال مع الجهل وكلّ ما يلوّث النقاش حول انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي؟ نحن نأمل ذلك بكلّ قوانا. نعلم أنّ تركيا لا تستجيب، إلى حدّ الآن، لجميع معايير الانتماء للاتحاد الأوروبي، ونعلم جيّدا أنّ وتيرة الإصلاحات فيها قد تباطأت؛ ورغم أنّ الحكومة تعطي من جديد مؤشّرات للإصلاح تتماشى وتطلّعات المجتمع التركي، فإنّه مع ذلك لا يزال هناك الكثير ممّا يتعيّن علينا القيام به.
ولكن، أيستطيع الفرنسيون – وهم قابعون في تردّدهم المشبوه – مساعدة أولئك الذين – في تركيا – يعملون من أجل التقدّم السياسي والاقتصادي لهذا البلد ويواجهون صفحات سوداء من تاريخهم الوطني ويقاومون إغراء الانكفاء عن الذات؟ وهو إغراء يفضّله أولائك الذين – في فرنسا – يصرفون النظر عن أيّ احتمال لانضمام تركيا للمجموعة الأوروبية الكبرى التي هي بصدد التشييد؟ وفي الحقيقة، لا يضاهي التحدّي المطروح على تركيا، لتغيّر من نفسها لتلبّي معايير العضوية الأوروبية، سوى التحدّي الذي ألقته أوروبا الغربية على نفسها بقبولها ترشّح بلد هو في نفس الوقت قريب جدّا منها وبعيد جدّا عنها.
يتطلّب هذا الرهان الإستراتيجي والسياسي من كِلا الجانبين مثابرة وكثيرا من اللباقة، وقدرا وافرا من الخيال، وأكثر من ذلك ربما، رؤية طويلة المدى، وثابتة. فإذا ما كان التوسّع نحو الشرق مقاما على دمج أوروبا الأخرى، فإنّ التوسّع نحو تركيا سوف يقوم على دمج الآخر الأوروبيّ.
يمثل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي رهانا يتجاوز غياب الجدل الحالي حول هذه القضية. فالعالم الإسلامي، ومعه العالم النامي، يتابع عن كثب خطوات هذا اللقاء. فهل أوروبا قادرة على إشاعة رسالة تضامن كونية؟ وقادرة على تثمين التقدّم المحرز في المجتمع التركي، والذي أبرزه بنزاهة تقرير أوروبي حديث قدمته اللّجنة المستقلة حول تركيا؟
حظيرة بناء شاقّ، لكنه رائع
هل تملك أوروبا طموح إثبات نفسها على الصعيد العالمي بضمّها حليفا نشيطا مثابرا ورصينا في البحث عن السلام؟ هل هي قادرة على تجاوز وهْم حدود الهوية، حتى ولو كان ذلك فحسب، لكي لا نفسح المجال لدُعاة صِدام الهمجيات من كل صوب وحدب؟ يبقى الاندماج بين أوروبا وتركيا حظيرة بناء شاقّ ولكنه رائع. كل شيء يؤهل فرنسا أن تكون في طليعة المرافقين لتركيا في ملحمتها الأوروبية. نأمل أخيرا أن تسمح فعاليات موسم تركيا بفرنسا للفرنسيين بأن يفهموا هذا البلد الذي هو في أوج التحوّل.
إنّنا ندعو جميع المواطنين في فرنسا كما في تركيا، إلى الانضمام إلينا وإلى التعبئة في كلا البلدين، لتحرير الحوار من الحجج العاطفية التي تعتمد الغرائز الأكثر بدائية. لقد حان الوقت كي نعود إلى تفكير هادئ، مؤسّس على أرضية عقلانية.
ميشيل روكار Michel Rocard وزير أوّل سابق، جاك ديلور Jacques Delors و لوك فيريLuc Ferry، وزيران سابقان، إدغار موران وآلان تورين، عالما اجتماع.
نشر المقال بصحيفة “لومند” بتاريخ 14 أكتوبر 2009
موقع الآوان