أساطير أفغانيّة
فيكتور دايفيس هانسن*
فيما يحاول الرئيس باراك أوباما اتّخاذ قرار بشأن إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، يجب أن نتذكر أنّ أكثر الأفكار التقليدية تشاؤماً بشأن أفغانستان لا تحمل إلا نصف الحقيقة.
أتذكرون القول المأثور إنّ المنطقة هي «مقبرة الإمبراطوريات»، حيث قابل الموت كلّاً من الإسكندر الكبير، البريطانيين في القرن التاسع عشر، والسوفيات منذ ثلاثة عقود فقط؟
في الواقع، لقد اجتاح الإسكندر معظم منطقة باكتريا وجوارها (التي تضم أفغانستان اليوم). بعد وفاته، أصبحت المنطقة التي تعرف اليوم بأفغانستان جزءاً من الإمبراطورية السلوقية.
بعد قرون، تعرض في البداية المدنيون والفرق العسكرية التي قادها البريطانيون إلى كمائن، وعانوا من إصابات عدّة في الحرب الأفغانية الأولى. لكن البريطانيين لم يُهزموا في حربيهما الأفغانيتين اللاحقتين بين 1878 و1919.
أمّا السوفيات، فقد تخلّوا في 1989 عن جهودهم التي استمرت تسع سنوات لخلق دولة شيوعية في أفغانستان، لكن فقط لأنّ العالم العربي، الولايات المتحدة، باكستان، والصين تعاونت في ما بينها لتمنح مجاهدي المقاومة الأفغانية مساعدات بمليارات الدولارات، ناهيك عن الأسلحة المضادة للطيران والدبابات المتطورة جداً.
رغم أنّ الأفغان هم تقليدياً محاربون ومقاومون شرسون جعلوا أي احتلال لأراضيهم صعباً، إلا أنّهم لم يهزموا أي احتلال منذ فترة طويلة، ولم يفعلوا ذلك بدون مساعدة خارجية قط.
لكنّ الأساطير تكثر حول أفغانستان.
هل البلاد عصيّة على الحكم؟ ليس أكثر من باقي دول المنطقة. فبعد تأسيس الدولة الحديثة في 1919، تمتّعت أفغانستان بخلافة ملكية دستورية مستقرة حتى 1973. كانت الدولة تعتبر في الماضي آمنة، متسامحة، ومضيافة مع الغرباء.
هل فعلاً أشحنا بنظرنا عن الحرب «الجيدة» في أفغانستان لمصلحة حرب أخرى اختيارية سيئة في العراق؟ ليس تماماً. فبعد حملتنا الباهرة للتخلص من الطالبان في 2001، لم تعانِ حكومة قرضاي المستقرة نسبياً سوى القليل من العنف حتى 2007. بين 2001 و2006 لم يقتل أكثر من 100 جندي أميركي سنوياً.
في الحقيقة، تزايدت الإصابات الأميركية بعدما أصبح العراق هادئاً، لأنّ الإسلاميين الذين هُزموا في محافظة الأنبار العراقية أعادوا تركيز قواهم على المسرح الأفغاني.
هل أفغانستان هي حرب فيتنام الجديدة؟ من المستبعد أن تكون كذلك. في السنوات الثلاث الدامية، من 2007 حتى 2009، كان للولايات المتحدة 553 ضحية، وهذا أمر مأساوي، لكنّ الرقم يساوي أقل من 1 في المئة من الـ58159 أميركياً الذين قُتلوا في
رغم أنّ الأفغان هم تقليدياً محاربون شرسون، إلا أنّهم لم يهزموا أي احتلال منذ فترة طويلة
فيتنام. المدهش هي قدرة الجيش الأميركي على إلحاق الضرر بالعدو، وحماية الحكومة الدستورية والحفاظ على خسائرنا في أدنى مستوى لها.
جيشنا هو الأكثر خبرة في القضايا الحربية، وتحديداً مكافحة الإرهاب والتمرد في العالم. البطل الذي أنقذ العراق، الجنرال دايفيد بترايوس، يترأس الآن مهمات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ضابطه الذي يتمتع بخبرة واسعة، الجنرال ستانلي ماكريستال، عسكري مخضرم استطاع تحقيق النجاح في أصعب المعارك في العراق وأفغانستان.
على عكس تدخّلاتنا الخارجية السابقة، ليس هدفنا، الذي وافقت عليه الأمم المتحدة، خلق دولة ــــ دمية، بل حكومة توافقية تستطيع حماية نفسها ضد طالبان والقاعدة، في الوقت نفسه الذي تحول فيه دون حصول أي هجمات إضافية ضد الولايات المتحدة.
مع الاستقرار النسبي في العراق، ليس أمام الجهاديين إلا تضافر جهودهم لتلافي خسارة ثانية، وخصوصاً أنّ باكستان انقضّت أخيراً على معاقل الإرهابيين.
وبخلاف وضع بوش وقراره غير الجماهيري بإرسال الجيش إلى العراق، لا يواجه الرئيس أوباما معارضة عدائية في أميركا. العديد من الأميركيين حائرون، لكنهم ليسوا ضد إكمال الحرب. سيساند الجمهوريون في الكونغرس جهود الإدارة لحماية البلاد. ليس هناك نظراء محافظون لمايكل مور وسيندي شيهان. حتى أعتى الديموقراطيين المناهضين للحرب صمتوا بعد انتخاب باراك أوباما. قادة الناتو الأوروبيون يريدون من الولايات المتحدة قيادتهم إلى النصر.
ماذا يمنع إذاً الرئيس أوباما من إرسال المزيد من الجنود لحماية البلاد؟
في الغالب، تردد رئاسي وحيرة. كان خطاب المرشح أوباما يقول إنّ أفغانستان هي الحرب الضرورية والعراق الاختيارية. لكنّه اعتقد أنّ الجبهة الهادئة في أفغانستان ستبقى كذلك، في الوقت الذي ينسحب فيه الأميركيون مما اعتبره جهداً من غير طائل في العراق.
العكس هو ما حصل. الخطة نجحت، لكن الوضع في أفغانستان اشتعل. تحاصر خطابات الحملة الانتخابية الرئيس على نحو متزايد. على الورق، هو ملتزم كلياً بهزيمة الطالبان وربح هذه الحرب «الضرورية». لكنّ الرئيس هو الآن أيضاً حائز جائزة نوبل للسلام، ولا يريد على ما يبدو لهذا الصراع مع الإسلاميين أن يحسب عليه.
لدينا جنود وقيادة عسكرية ذات خبرة، ولدينا قضية عادلة ووحدة غربية. بكلمات أخرى، لدينا كل ما يلزم لهزيمة الطالبان، باستثناء قائد للقوات المسلحة واثق من المعركة ومن الربح، كثقته نفسها يومَ كان مرشحاً.
* (عن «ناشيونال ريفيو»:
مجلة نصف شهرية أميركية، تعرض وجهات النظر الجمهورية والمحافظة ــــ ترجمة ديما شريف)
الاخبار