مختارات للشاعر الايراني احمد رضا احمدي
أحمد رضا أحمدي هو شاعر کتب عن الحب والحیاة وعن الموت وما زال. تتخلل نصوصه طفولة یتحلی بها الشاعر نفسه. کتاباته الأخیرة مزجت بین الشعر والنثر وأبدعت نصاً شعریاً له حلاوة النثر واسترساله. احتوت نصوصه في السنوات الأخیرة علی مفهوم الموت وذلک لأن الشاعر عانی من المرض کثیراً في الستینات من عمره وتکاد تلک النصوص تقترب لنصوص محمود درویش وماحدث لها من احتواء الموت والحیاة معاً إذ بات نصه یتراوح بین الحیاة وأمورها البسیطة الباهرة والموت الذي لا مناص منه.
***
الخريف الكسول كان جالساً
ترجمة: محمد الأمين
الخريف الكسول كان جالساً
يطلي الوريقات باللون الأصفر
ولما اصفرّت الوريقات
ماتت العروس.
العريس يدرك الآن
لماذا تنمو الأعشاب تحت حوافر الفرس
وضعَ الوريقات في الخُرج
واتجه نحو الشتاء
مع بكائه وفرَسيهِ.
نزل الثلج
ليطلي لحيّة العريس بالأبيض.
هَرُم العريس
فيما طفولته كانت تناديه من بين أزهار اللبلاب:
ما زلتَ علي قيد الحياة،
لكن العريس لم يسمع نداء طفولته.
حينما جاء الربيع
اخضوضرت الوريقات الصُفر
تذكّر العريسُ العروسَ
أراد ان يذهب الى الخريف
ليأتِ بها من هناك لمشاهدة الربيع
لكن فَرَسَه ذهبت نحو الصيف
لتشتري الدفء للشتاء.
قصائد
ترجمتها عن الفارسية: مریم حیدري
(ايران)
الأقلام
أحضرت الأقلام کلّها
لأکتب وصیتي:
أزرق، أصفر، أرجواني، أخضر
أحمر، أسود، بنّي، بنفسجي
أبیض
ما الفرق في أن أکتب بالأزرق
أو بالأرجواني؟
ماذا تبقّی مني؟
کل ما تبقی
لکِ
أغاني العابرین في اللیل
لک: أکتب بالأزرق
وزهور البنفسج الجافة
التي ظلت في طیات دیوان حافظ
لک: أکتب بالأرجواني
أحلامي التي لم تکتمل بعد
ولم أستطع طوال حیاتي
أن أحققها
لک: أکتب بالأخضر
عناوین الرفاق الذین قضوا نحبهم في الصیف
لک: أکتب بالأسود
سلة الفواکه التي بقیت فوق الطاولة
منذ طفولتنا
لک: أکتب بالبنّي
هذه تذاکر القطار و الطائرة المبطلة
کان من المقرر أن تأخذنا
أنا وأنتِ
إلی زیارة عواصم العالم
لکِ: بالمناسبة، أین تلک التذاکر؟
لا أواصل الکتابة
وصیتي
تشحب تحت المطر
أنا وأنتِ
نسیر نحو الوصیة
تحت المطر
أنا أقف منتظراً إیاکِ
تحت المطر
وبیدي مظلة
أقدم المظلة لکِ
وحینئذٍ تمّحي سطور الوصیة
وأنتِ تسیرین وحیدة
بمظلة سوداء
بقرطاس أبیض
نحو البیت.
***
لماذا یداک؟
لماذا تتدلی یداک من السماء؟
لیس لي أن أتصبّر
ولا هي لي
تلک الشجرة التي تحترق في النار
ربما
کنت هائماً بالغمامة
إذ سألتک أن تسامحیني
فأنا عثرت علیک في سنة الجفاف
ابقي معي
ذات یوم
تثمر الشمس بفاکهة أرجوانیة
ابقي معي
وهذه الأیام المملّة
من المقرر أن یقدم عازف من مدینة صغیرة
ویدوزن السیتار
لا تسألیني عن حال تلک السکین
التي ضاعت في منعطف الزقاق
لم تکن غنیمة
وقد أصبحت ضعیفة تعبة: تلک السکین
لم تجرح فاکهة حتی
أیامُ شبابنا
کانت تأتي بتلک السکین
لضیوفنا الشیوخ الکرام
والآن
في هذه الساعة من الیوم
ضیوفنا الشیوخ الکرام
رقدوا تحت العریش
فماذا سیکون نصیبنا من هذه الحدیقة
الضیوف لا یقسمون الحدیقة بتلک السکین
ولا یعزّوننا بشيء
علینا أن نبقی في هذه الحدیقة حتی غروب الشمس
قد
یتفضل رب البیت علینا
ویقدم لنا جرعة ماء ووجبة باردة
في کؤوس من الصفر قدیمة
رقد الآخرون علی عجل في الحدیقة
لم یسألوا
إن کانت أشجار الحدیقة تثمر
وأن صاحب الحدیقة
کیف سیبیعها
في أیام الوهم؟
***
عنقود عنب
کان یؤمّلنا بعنقود عنب
فلماذا
وکیف ضاع
في موسم نضج الکرم
ذهب، ذهب
لماذا ذهب
لست أدري
کان له أن یصبح رماداً
عند نهایة هذا اللیل العتیق
ینقذ نفسه من الثیاب
یذهب
ویألف سلال البرتقال
لأقُل:
أنا کنت أراه أیام الخمیس
في الساعة العاشرة من الصبح
کان یحدّق بي
یحدّق وحسب.
***
لفرط عينيكِ
ترجمة: محمد الأمين
لفرط عينيك أستيقظ من النوم باكرا
ناكراً لغتي الأم.
إثرَ طيران الحمائم
تتدفأ الأغصان. . .
نحن ضيوف أغصان الصيف الدافئة.
للحقيقة فلأقل:
كنّا نتهامس تحت أغصان الأشجار
المرتجفة في الربيع. . .
الأشجار لا تسمعنا في الشتاء.
في حضورنا وحضور الأشجار العارية
كأنَّ ثمة غفلة تتوهج
على ضوئها كنّا نتدفأ، نتعرّى
ونحترق بعد هنيهة.
تحت الأغصان ذاتها
في ربيع مضى
كانت العروس بلا فكرة واضحة عن المستقبل
لذا انتشر نثار الورود الميتة تحت الأغصان.
في تلك الأعوام،
في خرائب اللاشيء الأخضر. .
صارت الورود دموعاً
وكانت السماء زرقاء.
قرب أغصان ورود البيلسان
كان الحريق هائلاً على نحوٍ
أننا نادينا على بعضنا الآخر ” أيها البستان! ”
وأدركنا أن مفردة ” ماء السنة ” تعني البستان
كان الحريق هائلاً على نحوٍ
أن الأساطير جرفتنا
وأن براعم التوت البرّي صارت ثماراً.
كنّا واقفين إلى جواره حين شبَّ الحريق صيفاً
نستطيع الموت وقوفاً
لكنا صبرنا كي نجيب على أسئلتكم حول العروس
التي تداعت في الربيع
فانسكب الزمن من أعيننا.
نظرنا، رأيناكم جميعاً في آخر الصيف
نعرفُ أنكم كائنات صاخبة، غير واقعية،
هرمينَ
وقورينَ
مغرورينً، كنتم.
أذكر ُامرأة مُسنِّةً
كانت تستفسرُ عن الحدّادين الذين رحلوا
مع ببغائها إلى البحر
ولم يخرجوا منه، قط
رأيتُ مشاعل النار.
موجزة كانت قامتي تحت أغصان الأشجار
جوار الحريق،
لكنها كافية كي أدرك أن الولهينَ يتبرعمون جوار الحرائق
أحببتهم حتى تبرعم الحريق بدوره.
كنّا نبحثً عن مبرّر لإدامة الحياة
قلتُ بإيجاز: سأعود ثانية، مرتدياً حذائي. .
أسترجعُ الجلابيب البيضاء من الخيّاط
أتأمل الولهين، مرة أخرى
أُؤمِّن الرؤيا لديهم
كي يدخروها في بيوتهم إلى فصلٍ آخر
هكذا دوّنتُ في مذكرتي يوم الحريق
الحريق الذي أضاء ملامح الإنسان الغارق
في البحر، وأيام العُطل،
وإذا صار الصمتُ بحراً محضاً
رأيتُ في تخومه جادة طاهرة
تبددتْ إثر تشظي الثمار في السلال
فذات يوم عطلةٍ
أضاع الجيران سلال الثمار
وكنتُ أعرف أن قلبي قد نأى كثيراً عن البيت.
كنا على دراية بهذا الوجع
دائماً يفد حديث الموت أثناء الليالي الناصعة
لذا كنا نغيبُ
لنهب الملابس البالية للبحر
ونقفُ منتظرين اللا أحد
وكأنّ الملابس ما زالت على أجسادنا.
لقد مرَّ قلبي المنفيُ بجوار حشدِ
يشيِّع التوابيت تحت مطر الربيع
وأنا المضمّخ بالورد والأسى
كنت أعرف لحظة الموت
أنا والموتُ ممتزجان بوجهكِ المطري. . .
أنتِ الجالسة تحت شمس. . .
أنتِ المحتجبة مع هطول المطر
بحثاً عنكِ، بلا مبالاة، قضينا النهار كله تحت المطر
كنّا نجتاز الجسر
طلبتُ منكِ أن تستضيفيني بمحبةٍ ولطف
فالجادةُ ممتدة،
وقد أضعت درب العودة
ومازال المطر يهطل في ذاكرتي.
حشد كبير مرَّ بجوار الحريق
حشد يكرر سؤاله الأبدي:
متى ستخمد نيران الحريق؟
متى ستعود سلّة البحر إلى بيتنا؟
وإذا كنّا نكرّر السؤال ذاته
كانوا يجيبوننا بآهة مقتضبة: كم فسيح هو الليل!
وكنّا نرّد:
جافة هي الأرض
ولا مطر!
على قارعة الطريق
رأينا الحريق يشّبُ في مطلع كل فصل. . .
كُنّا وما نزال.
أحبّكِ تحت هطول المطر
ترجمة: محمد الأمين
جرح
أحمد رضا احمديرأيت جرحي ضئيلا وضائعا
ليس له سوى قطرة دم
سفكها في الشارع
اشتريت صحيفة
رأيت فيها اسمي
قلتُ:
لقد مات أخي
هذا ما قلته في الصحيفة.
***
نهاية
لا نهاية لهذا المنزل الذي بدأت فيه الخريف
أنظر،
كيف يذوب في فصل الماء منزلي!
أنت قادر على تحرير المنزل من الريح
من الولادة
من النجمة
من لغة الأم.
أنت يا من تدرك أن النهار كله ليل
لقد شاهدتهم وهم يجلبونني إلى البيت
كان الأطفال يطيعونني
المطر، المطر في المطر
كان العشق، العشق العشق
كنتُ أبديا في المنزل
كنتُ بريئا في الزقاق
أنت تنظر إلى المنزل وتنساني
أنا أسكن المنزل
وأنت تشيد الليل.
كنتُ على وشك الذهول
كنت تصل اليّ
تقدم لي المفاتيح
يوم أعطيتني المفاتيح
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء
خرجنا معا من البيت
ضغطنا على أجراس البيوت
لم يفتح أحد باب بيته
لقد مات أصحاب البيوت في طفولتنا
في زقاق السلوك
أصابتنا العجالة
بسذاجة خرجنا من البيت
والآن في جمعة الضجر هذه
بيدين ممتلئتين بالحزن والحوادث
نحاول العثور على بيت يقع في تمام الساعة السادسة مساء.
لم نجد طريقنا إلى البيت
لكن أيادينا
مملوءة بمفاتيح البيوت.
في ما مضى
كنتُ أشبع بكسرة رغيف
وكنت أسير نحو البيت مبتسما
كنتُ أعشق الباصات المملوءة بالمسافرين
ولم أكن أرغب أن يخلي لي أحد ما مقعدا في حديقة في يوم مشمس
فقد كنتُ بانتظار وردة حمراء.
الحقيقة هي أني أحبكِ تحت هطول المطر
تمنيتُ أن تكوني جالسة على مصطبة في نهاية الشارع
كي أمر من جوارك
ملقيا التحية عليك
كنتُ آمل أن أحظى بمنظر بسمتك وهي تشرق تحت المطر
أن ألقي من أجلك جميع اللغات التي أجيدها في البحر
أن أولد ثانية
أن أرى العالم
متجاهلا لون الصنوبرات
أن أنسى اسمي
أن أنظر للمرة الأولى في المرآة
أن لا أعرف إن كنت أمتلك قميصا أو معطفا
أن لا أكرر مفردات الأمس
أن أهيئ لك بيتا
وأن أبتاع لك حقيبة
أن تسأليني عن معنى السفر
كي أصطاد مفردات بكر من البحر
وان أموت وأموت وأموت إلى أن أحيا.
***
ما ليس جديدا
ما ليس جديدا
هو ترنيمة الساعة الجدارية لمولودها:
كل الطرق تلتحق في خاتمة المطاف ببحر الحزن
والصمت غير قابل للتبرير
الصمت ليس خطا لكنه باهت
الصمت والشك يمضيان إلى تخوم الرؤيا
الصمت المعتم والشك الذي يوسع المتاهة
سقف كل ملجأ مسلّح ضد السماء
ليست السماء زرقاء
السماء محشوة بالعتمة
حينما فتحت النافذة،
كان الليل يفوح برائحة الأسى
حينما حصدتُ النجوم، تلاشت في يد الغجري
البراعم متعبة ثم ماتت في ثلوج الليل
الساعة الجدارية صامتة
وحزن الحديقة أذاب زهور الثلج
أما هذه المتاهة فإنها تفضي فقط إلى الشوق.