حكومة حسبي الله ونعم الوكيل !!
علي عبود
يمكن أن نصف حكومة المهندس محمد ناجي عطري دون أي تردد ( حكومة حسبي الله ونعم الوكيل ) !
وهذه التسمية ليست من ابتكارنا بل هي اختراع مسجل باسم المهندس عطري فهو الوحيد ربما في سورية الذي يكثر من تردادها كلما اتيحت له الفرصة وبخاصة في الإجتماعات العامة !
آخر مرة ردد فيها رئيس الحكومة هذه العبارة كانت في الإجتماع الأخير للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الخامس من الشهر الجاري حيث قال أمام المجتمعين : ( لدينا منشآت رابحة وذات طابع استراتيجي وأخرى تحتاج إلى دعم ومؤازرة لتنتقل إلى المجموعة الأولى وثالثة تصنف في إطار حسبنا الله ونعم الوكيل) !
ويعود استخدام عطري لهذه العبارة إلى عام 2004 على الأقل لكنه لم يكثر من استخدامها إلا في العامين الأخيرين إلى حد يمكن القول فيه انها تحولت إلى نظرية جديدة وغير مسبوقة استخدمها عطري في تصنيف شركات القطاع العام والإعلاميين إلى ثلاث فئات أدناها مرتبة فئة ( حسبي الله ونعم الوكيل ) !
ويمكن كما سنرى لاحقا تطبيق هذه النظرية الفذّة في مجالات أخرى بما فيها حكومة عطري !
ونبدأ من القطاع العام التي أصرّت الحكومة على مدى العقود الماضية على التأكيد ولو شكلا أنّه القطاع الرائد والقائد للإقتصاد الوطني .. إلى أن ابتدع المهندس عطري نظرية مخالفة تماما وضعت هذا القطاع موضع الريبة والشك إلى حد شجعت دعاة الليبرالية في سورية إلى العلن جهارا أن القطاع العام أصبح عبئا على الإقتصاد الوطني !
ولكي يبرّر عطري عدم قدرة الحكومة على تحمل خسائرالقطاع العام بعد اليوم فقد قسّمت نظريته الجديدة والخلاقة هذا القطاع إلى ثلاث فئات :
– الفئة الأولى شركات رابحة تقدم لها الحكومة الدعم والمؤازرة من خلال منحها صلاحيات البيع بأسعار السوق والتصرف بالمخازين وذلك بعد انتهاء العمل بالتسعير الإداري ..
( هذه الصلاحيات جزء من صلاحيات أوسع متوفرة أصلا في التشريعات والقوانين التي تحكم القطاع العام ولكن الحكومة عطّلت تنفيذها بقرارات وتعاميم وبلاغات ) .
– الفئة الثانية شركات تحتاج إلى عملية تصحيح وهذا ما يتم تنفيذه من خلال وزارة الصناعة ……
( من عرقل عملية إصلاح القطاع العام الصناعي التي يجب أن تشمل الشركات العامة الخاسرة والمتعثرة قبل الشركات الرابحة ؟ )
– الفئة الثالثة شركات ( حسبنا اللـه ونعم الوكيل ) !
( من المسؤول المباشر عن تدهور هذه الشركات .. أليس السياسات الحكومية المناهضة لكل ماهو عام ؟ )
وبالطبع لاتعطي نظرية عطري تفسيرات علمية أو حتى واقعية للأسباب التي جعلت من شركات بعينها رابحة وأخرى يمكن تصحيح أوضاعها وثالثة مشكلاتها مستعصية على العلاج !
ولكنها تبقى نظرية خطيرة لأنها تتيح للحكومة ( متى شاء لها الهوى ) أن تنهج سياسات إقتصادية تحوّل شركات الفئة الأولى الرابحة إلى شركات خاسرة تمهيدا لنقلها إلى الفئة الثانية أوتحول شركات الفئة الثانية إلى فئة ( حسبي الله ونعم الوكيل ) !
ويبدو أن المهندس عطري مقتنع تماما بنظريته بدليل أنه سرعان ماعممها على الإعلاميين السوريين فرأى أنهم ينقسمون إلى ثلاثة فئات :
– إعلاميون ملتزمون وأوفياء لقضايا الوطن ومصلحته .
( الوفاء يعني الإشادة العمياء بإنجازات وهمية للحكومة )
– إعلاميون غير ملتزمين إلا لمصلحتهم الشخصية ويتنقلون بين القطاع العام والخاص ويكتبون بطريقة متناقضة الأمر الذي يفرض ضرورة تخييرهم بين الانتماء إلى القطاع العام أو الخاص والانتهاء من حالة الانفصام التي يعيشونها .
( إنهاء حالة الإنفصام حسب نظرية عطري تعني إرغام الإعلاميين الرسميين على الإقتداء بزملائهم الوطنيين .. أي الإمتناع عن نقد الحكومة )
– إعلاميون معادون لا يوجد أي أمل منهم .. أي إعلاميون ( حسبي الله ونعم الوكيل ) !
( هؤلاء أعداء ألداء لأنهم يمارسون مهنة الكشف عن الحقيقة أي يمارسون فعلا لاقولا مهنة البحث عن المتاعب خدمة للوطن لاخدمة للحكومة ) !
والأساس الذي يقوم عليه تقسيم رئيس الحكومة للإعلاميين واضح جدا جدا فأقلام الفئة الأولى هي وطنية لأنها حسب نظرية المهندس عطري ( تسعى لدفع عملية التنمية الشاملة بعيدا عن إشاعة مشاعر الإحباط ) التي تحاول بعض أقلام الفئة الثانية إشاعتها بين الناس حول هذه العملية !
أما الفئة الثالثة فهي معادية برأي رئيس الحكومة لأنها ( تنشر مقالات وتحقيقات تسعى إلى ترسيخ الإحباط والتشاؤم لدى الشعب.. ) !
وهكذا نكتشف أن نظرية عطري غير معقدة فالإعلامي السوري بإمكانه أن ينتسب إلى الفئة الوطنية بإشادته بإنجازات الحكومة .. أو إلى فئة الإعلاميين غير الملتزمين الذين يشيدون بالحكومة في الصحف الرسمية وينتقدونها في الصحف الخاصة .. أو يختارون الإنتساب إلى الفئة المعادية للوطن ( أي للحكومة ) التي تنشر الإحباط والتشاؤم لأنها تنتقد بصورة دائمة أداء الحكومة ..!
وكما قلنا في البداية يمكن تطبيق نظرية رئيس الحكومة على الصحف الخاصة أيضا من خلال تقسيمها إلى ثلاث فئات :
– صحف وطنية مناصرة للحكومة .
– صحف بين بين حسب مصالحها الخاصة .
صحف معادية لاأمل منها وتندرج تحت عبارة ( حسبي الله ونعم الوكيل ) ..!
وإذا كانت الحكومة لاتتردد بدعم شركات القطاع العام الرابحة وبتصحيح أوضاع الشركات القابلة للإصلاح وبإغلاق الشركات الخاسرة .. فهي أعلنت أيضا وعلى لسان رئيسها المهندس عطري بدعم جميع الإعلاميين ( الوطنيين ) والعمل على إنهاء حالة الإنفصام التي يعاني منها الإعلاميون الذين يعملون لمصلحتهم الشخصية من خلال تخييرهم بين الانتماء إلى القطاع العام أو الخاص .. ولكن الحكومة لم تعلن حتى الآن ماذا ستتصرف مع الإعلاميين المعادين في الصحف الرسمية الذين ينشرون الإحباط والتشاؤم في صفوف الشعب .!
بالنسبة للصحافة الخاصة فإن الحكومة حسمت أمرها منذ صدور قانون المطبوعات وصنّفت هذه الصحف إلى ثلاث فئات :
– صحف مستثناة من قانون المطبوعات وهناك نوعان من هذه الصحف المستثناة من القانون : صحف لاتخضع لسلطة رئيس الحكومة وصحف تخضع برغبة أصحابها لسلطة رئيس الحكومة .
– صحف بين بين أي المستثناة والخاضعة فإذا كانت المخالفات تخدم الحكومة يغض النظر عنها ، وفي حال كانت المخالفات تزعج رئيس الحكومة فيتم معاقبتها من خلال منع نشر الأعداد ( المزعجة ) دون أن يصل الأمر إلى حد إلغاء تراخيصها .
– صحف معادية وهي لاتستمر بالصدور طويلا إذ سرعان مايقوم رئيس الحكومة بإغلاقها حتى لو تقيّدت حرفيا بقانون المطبوعات .
والسؤال الآن : ماذا سنكتشف إذا أردنا تطبيق نظرية عطري الخلّاقة على الحكومة ؟
لن نقوم بتصنيف الحكومات السورية على مدى العقود الثلاثة الماضية إلى ثلاث فئات مثلما فعل المهندس عطري بتصنيفه لشركات القطاع العام وللإعلاميين الرسميين .. ولكن من حقنا كمواطنين أن نعرف من تمثّل حكومة عطري :
– هل حكومة عطري هي حكومة لأكثر من 22 مليون سوري .. ؟
– أم هي حكومة تمثّل نسبة 1% من السوريين فقط أي هي حكومة الذين يملكون المال والجاه والنفوذ .. ؟
– أم أن حكومة عطري هي حكومة ( حسبي الله ونعم الوكيل ) ؟ !!
وبما أن عطري أعلن امام اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي انه ( لم يعد مقبولا اليوم تحمل شركات خاسرة ) فإن السوريين أيضا يرون ايضا أنه ( لم يعد مقبولا اليوم تحمل حكومة حسبي الله ونعم الوكيل ) لأنه في ظل هذه الحكومة تراجعت الزراعة والصناعة والخدمات وارتفعت معدلات التضخم والبطالة والأسعار وتدهورت الأحوال المعيشية للمواطنين وازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا وارتفت نسبة أصحاب المداخيل القليلة إلى أكثر من 80 % من سكان سورية !
كلنا شركاء