علبة الملايين.. قبل مغادرته ترك ضواحي دمشق بلوك فوق بلوك فصار الانسان (بلوكة).. احزروا من هو؟
نبيل الملحم
البناء في منطقة الـ (86) المنطقة الأكثر حضورا من منطقة العشوائيات، والارتفاع ثمان طبقات وبحدود (16) شقة سكنية، ومتوسط العائلة الواحد (5) أفراد، والبناء يتأرجح اليوم بين الانهيار والانهيار، وان حدث فلنتصور مايمكن أن يحدثه الانهيار على محيط البناء، وهو أيضا مماثل للبناء المهدد بالانهيار.. البلدية شمعته اليوم بالأحمر، فهل ستشمع البلديات الذاكرة؟ .. كان علينا استدراج الذاكرة للأساس.
محافظ واحد وصل الى ريف دمشق ذات يوم.. ما الذي فعله السيد المحافظ ؟
شارك العقاريين، وبين ليلة وضحاها (وبالمناسبة فالتعبير خاطئ لأن ماحدث كان بين الليل والليل)، تحولت غابات الجوز المحيطة بالعاصمة الى :
-معامل بلوك، ومن ثم بلوك، وفوق البلوك ركب بلوك، والنتيجة غابة من البلوك، وقد بات البلوك فولكلورا أحاط بالعاصمة، حتى أوشك العابر لحزام العاصمة أن يتحول نفسه الى بلوك، وذلك من :
جرمانا / كشكول / الـ 86 / عش الورور / المخيمات الفلسطينية، وعشرات المناطق وقد شكلت مايزيد عن أضعاف سكان العاصمة، من بشر ضلوا طريقهم فوصلوا الى العاصمة باحثين عن :
وظيفة حكومية، أو عمل على تاكسي اجرة أو (جراسين)، في مطاعم العاصمة، او محتالين أو على الرصيف بعد أن اغلقت في وجوههم أبواب الله التي لاتغلق.
السيد المحافظ اياه، وبات من حكايا الأمس المنسية، خرج من وراء مقعده مليونيرا، وعلى هوامشه مليونيريين آخرين، والآخرين تناسلوا على هيئة عقاريين جدد، وعلى أيديهم استكمل البلوك، فأطاحوا بما وبمن تبقى من جوار العاصمة وضواحيها، وتمددوا الى العاصمة أيضا، فنهضت أحياء العشوائيات بحيث باتت حياة العاصمة برمتها عشوائية :
عشوائية في خدماتها.
عشوائية في ثقافتها.
عشوائية في التوزع السكاني، وبتنا اذا ما رغبنا في قطع حي من هذه الأحياء، بتنا على علم أنه سيكون الحي المعرض لكل الاحتمالات:
-احتمال أن تنهار البيوت علينا، وحدث هذا اول أمس فانهارت بناية شاهقة في الـ 86 لأن أساسها ملتبس، ولكنها لم تنهر علينا .
-احتمال أن تنشل او تسرق أو تدخل في لفة جانبية تدخلك الى بيت جانبي يبيع الجنس والوعد.
-احتمال أن تسقط في بالوعة مفتوحة لأن البلدية التي كسب موظفوها الملايين من وراء الرشاوى، لن يكونوا جاهزين لاغلاق فوهة بالوعة.
القصة امتدت، وباتت اكثر من تشويه النسيج المعماري للمدينة، القصة صارت قصة مدينة حائرة بهويتها، وحائرة بثقافتها، وحائرة بأمنها واستقرارها، واكثر من ذلك باتت قصة مدينة مهددة بالانهيارات أقله في بعض الأحياء القائمة على جروف صخرية، يكفيها زالزال من الدرجة العاشرة حتى يصبح عاليها واطيها، بل يكفيها زخة مطر حتى تؤول الى ذلك، عداك عن المصائب المستقبلية التي تنتظر العاصمة:
مصائب تتعلق بمياه الشرب، في مدينة تجاوز سكانها السبعة ملايين نسمة وهي المصممة لنصف مليون أي 14 ضعف ماتحمل من سكان.
مصائب تتعلق بالخدمات من مياه وهواتف ومواصلات ونقل.
مصائب تتعلق بتفريغ الريف من سكانه ليتصحر الريف وتتريف االعاصمة.
مصائب تتعلق بثقافة بلد، باتت فيه البقرة مجرد (علبة) مرتديلا، وبات فيه الفلاح يستورد طحينه، وكله انطلق على يد رجل واحد .. اسمه محافظ ريف دمشق.. محافظ بات اسمه اليوم منسيا تبعا لتقاعده واحالته الى الله.
كله حدث كي يخرج السيد المحافظ بعلبة فيها ملايين..
ملايين نعم.
لنتصور لو أن الدولة ، الحكومة ، المجتمع الاهلي ، الأحزاب، النقابات ، الجمعيات الخيرية ، فرق كرة القدم وأبطال الملاكمة، النوادي الليلية وأندية القمار السرية، دور الأيتام والعجزة وأصحاب الاحتياجات الخاصة، لنتصور لو ان كل هؤلاء اجتمعوا، وجمعوا له الملايين وقالوا له:
خذها ياسيادة المحافظ هدية وارحل بها عن العاصمة، ألم يكن ذلك أرحم من :
ملايينه وخراب العاصمة معا؟
خراب أدخل العاصمة في الصيغة المستحيلة.
من بوسعه اليوم ازالة ما أحدثه أمس السيد المحافظ من استحالات؟
شوكوماكو