أفاضل إعلان دمشق وتوهين نفسية الأمة
بدرالدين حسن قربي
كان نجاح المجلس الوطني لائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المعارض في سورية بعقد دورته الأولى في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي حدثاً نوعياً في التاريخ السوري المعاصر ضمن ظروف منع الاجتماعات المعارضة والمستقلة وإغلاق جميع فرص التعبير عن الرأي الآخر التي تعتمدها السلطات الأمنية السورية في ظل أحكام قوانين الطوارئ.
تبع هذا الحدث الربيعي اعتقالات واسعة شملت العشرات من أعضاء المجلس دونما سببٍ معروف من السلطة غير ماورد على لسان العديد من محلليها السياسيين ومقربيها وناطقيها غير الرسميين ( فريق الموالاة ) بأن السلطة الأمنية لفي ريبٍ وشك من أمر هالمعارضين أن يكونوا مجلساً أو أفراداً على صلة أو ارتباط مع أعداء الوطن والأمة من الأمريكيين تحديداً في تحركهم، ليُظهّروا لنا فعل النظام الأمني وكأنه ليس اعتراضاً على التحرك أو التعبير عن الرأي لاسمح الله بل على ماهو أخطر والعياذ بالله مما لايجب السكوت عنه، وأن الأمر لايعدو أكثر من تثبت وتأكد وليس فيه نوايا عاطلة.
وما بين تخوين النظام السوري للمعارضة الخارجية واتهامها بالتآمر، وملاحقة الداخلية منها بتهم الارتباط والصلة بأعداء الأمة يبرر النظام الأمني لنفسه ضرب المعارضة تحت الحزام بالاعتقالات الواسعة والمستمرة. ردُّ أحدِ أعمدة إعلان دمشق المعارض الثمانيني الأبرز رياض الترك على أن مايقال ومايشاع ليس أقل من تحريض رخيص وخطِر مع تأكيده في الوقت نفسه على وطنية إعلان دمشق واستقلاليته وديمقراطيته في مواجهة نظام فاسد ومستبد، أثار حفيظة كتبة الموالاة واستفزهم وهيجهم لينضحوا مافي صدورهم ويخرجوا مافي قلوبهم، وكانت حملة لم تبق شيئاً من الاتهامات والتشويه والقذف والإفك إلا لصقته في إعلان دمشق ورجالاته بمن فيهم (الترك) القامة الوطنية المشهود لها إيذاناً باستئناف الضرب على طبال التآمر والارتباطات والصلات والخيانات مع أمريكا وحلفائها.
ولكن للحق والأمانة نشهد أن سلطات النظام التي اعتقلت أفاضل الناس وابنة أكرمهم سجّلت وبشهادات رسمية واضحة وقاطعة أن من تكلم وصرّح وحلّل وكتب متطوعاً أو مرتزقاً، أصالةً عن نفسه ونيابة عنها لاصحة لكلامه، وأنه ماكان إلا نوعاً من التخرص أو كذباً اعتادوه وتملقاً وتزلفاً أدمنوه. ولكن كيف بان ذلك وتأكد؟
إن مثول المعتقلين في صباح 28 كانون الثاني/ يناير الحالي أمام قاضي التحقيق المحالين إليه من قبل المحامي العام الذي تسلم ملف اتهامهم صباح اليوم نفسه من قبل إدارة أمن الدولة ومواجهتهم بالتهم المنسوبة إليهم يؤكد أن الأجهزة الأمنية بسمعتها المعروفة لم تقل عن المعتقلين ماقاله أهل الأفك بهتاناً وإثماً مبيناً، بل قالت فيهم واتهمتهم بالنيل من هيبة الدولة وتكوين جمعية بقصد قلب كيانها، وتوهين نفسية الأمة بنشر أخبار كاذبة.
ولكن إذا كان معلوماً للجميع أن المعتقلين أعلنوا إعلانهم الدمشقي في تشرين الأول/ اكتوبر 2006 تحت الضوء يكون الباقي تهماً جاهزة ومجهّزة لمن لاتهم له، وهي تهم مردودة أيضاً على مفبركيها ممن أوصلوا البلاد والعباد إلى حالةٍ من العقم، أوهنت منها العزم، وأضعفت منها النفسية وأشاعت فيها التشبيح واللصوصية. وللتوضيح، فقد بلغ تعداد منتسبي الحزب العتيد حسب ماتردده مصادره البعثية بين الحين والآخر أكثر من مليون ونصف، ومع ذلك وجد النظام نفسه مع أجهزته الأمنية ذات العلاقة في حيص بيص عقب وفاة الرئيس السوري السابق عام 2000 أي بعد ثلاثين عاماً من حكم الأسـد نفسه وهم يلهثون بحثاً عمّن يعقب الرئيس الراحل في الآلاف المؤلفة من المليون والنصف رفيقاً بعثياً كفؤاً مؤهلاً مناسباً أتمّ الأربعين من العمر وما فوقها يستطيع أن يملأ ولو جزئياً فراغاً تركه رئيس بحجم الفقيد، مما يؤكد بالحجة البالغة بعد عشرات السنين حكماً وسيطرةً آثار مافعله النظام الحاكم بالجملة والمفرّق إفقاراً وإضعافاً وتوهيناً وسرقةً ونهباً أصاب البلد فأوهنها بما فيها الحزب القائد الذي أكّد أنه لايملك في كل تجمعاته ومنظماته وهيئاته وكوادره السياسية والأمنية والعسكرية شخصيةً ما مؤهلةً تستطيع أن تتولى منصب الرئاسة من خلال مقاسات دستورية مفصّلة ومرتبة ومعدّة لنوعيةٍ معينة من الناس ذوي الدماء الزرقاء مما اضطرهم إلى التعديل ليتوافق مع المواصفة العمرية للشخص البديل.
هنالك لاشك مسؤولية كبيرة عن هذا الدمار والخراب وضعف الأهلية السياسية داخل الحزب القائد للدولة والمجتمع بنَص الدستور أشرنا إليه من خلال نتائج القمع والاستبداد وحصاد التشبيح والفساد الواضحة للعيان. فمن هو المسؤول عن هذه الحال بعد خمسةٍ وأربعين عاماً من حكم شمولي استبدادي قمعي..!!؟ أما السؤال الأهم، إذا لم يكن ماسبق توهيناً للأمة وإضعافاً لعزيمتها ونيلاً من هيبتها، فكيف إذاً يكون التوهين وكيف يكون الإضعاف وكيف يكون النيل من الهيبة..!!؟ وهي – بالمناسبة – التهم نفسها التي يوجهها نظام احتكاري بيده السلطة والثروة والجيش والمخابرات ليلصقها بمعارضين لايملكون مما يملك شيئاً غير لسانٍ يكشفون زيفه، وإرادة رافضة لقمعه وفساده ويزجَ بهم في سجونه معلناً أن مُعارضَنا فسادُه ثابت وتآمره مُثبت وخيانته أثبت وإن كان من الصالحين، وتلفيقاتنا له جاهزة ومجهزة وإن كان من الغائبين. نُرتّب له التهمة التي نريد، ونوجهها إلى المحكمة والقاضي الذي نريد، وكلهم أساساً منا وفينا وبدهم خدمة لنا تستاهل وتنفعنا وتُفيد، ولاسيما لمن أعرض ونأى من هالمعارضين العنيدين وقال: لا..!! لن نؤثركم على ماعندنا من البيّنات على فسادكم واستبدادكم والذي فطرنا، ومضى في طريقٍ رشيد.
النظام السوري يؤكد في كل مناسبة وبدون مناسبة أن ليس لديه معارضة ولاسجناء رأي، ومايشنّه من حملة اعتقالات في صفوف المعارضة فلها في جيبه أسباب وأسباب يُمضي فيها وقتاً فإذا ماانكشف زيفها أخرج تهماً، ثم لئن قلت لهم: معتقلوكم من جماعة إعلان دمشق وهم معارضون..؟ قالوا: هؤلاء متهمون وليسوا معارضين.
فمن لطائف النظام السوري المستعصية والمستحكمة أنه ليس فيه معارض واحد في بلدٍ فيه عشرون مليون مواطن آراؤهم محترمة آخر احترام. ولهذا السبب، فعندما عبّر وزير خارجية هولندا فيرهاغن في مؤتمره الصحفي في دمشق بتاريخ 25 يناير/ كانون الثاني 2008 عن مخاوف بلاده من استقبال دمشق للمؤتمر الوطني الفلسطيني، لأنّ بعض فصائله المشاركة تنتهج الإرهاب، ردّ عليه الوزير السوري المعلم بأن استضافة سوريا لهذا المؤتمر ليست أكثر من احترام لحرية التعبير لنصف مليون فلسطيني مقيمين في سورية التي تحترم حرية التعبير مثل هولندا.
أفاضلَ إعلانِ دمشق ومن معكم من السابقين الكرام آلافاً مؤلفة، من قضى منهم في غيابات سجون القمع والفساد ومن ينتظر.!! لكثرة احترامهم لحرياتكم آخر احترام في التعبير عن مواطنتكم الشريفة والمخلصة لفّقوا لكم التهم ووضعوكم في سجونهم. ولو أنطق ربي تراب قيعان السجون لشهدت، ومآذن المساجد لتشهّدت، ومنارات الكنائس لدَقّت، وحرائر الشام لتنهّدت وأحرارها لتأوهّت، ولقال لكم الجميع: لأنكم الكرام ولأنكم الأحرار تدافعون عن حقكم وحق أبناء وطنكم في حياةٍ حرةٍ كريمةٍ ترفض فواحش الاستبداد والقرصنة لعتاولة القهر وحيتان الشفط وهوامير النهب، لأنكم كل ذلك، تنادَوا عليكم مُصبِحين أن أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.
خاص – صفحات سورية –