روزا ياسين حسن في حديث عن «ربما» وكتابة التجربة
في عينين مفتوحتين على «ربما» راحت روزا ياسين حسن الكاتبة والروائية السورية تبوح بتجربتها في الكتابة وكتابة التجربة وسط حضور عدد ليس بقليل من كتاب وروائيين ونقاد وإعلاميين ومهتمين تداعوا مساء الاثنين الفائت إلى المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى بدمشق تحت عنوان مفتوح غير مؤطر «حين يعيد النص خلق كاتبه»، وعليك مسبقاً أن تتوقع افتراضاً أكيداً ذا خصوصية أن ثمة رؤى وطروحات ستأخذ منحى «غير قطعي» وإن كان البوح أو الحديث «فردانياً» وذلك تبعاً للعنوان العريض ودلالاته: فـ«النص» كائن منفصل ومتجدد يمارس في كل مرة عملية «الخلق» لـ«الكاتب» الذي بدوره هو – إبداعياً- كائن متجدد، أما فعل «يعيد» هنا فيحمل في طياته ملامح متعددة لأشكال جديدة عدا كونه مرتبطاً بـ«حين» الظرفية في غواياتها وتنوع لبوسها…
يضاف إلى هذا وذاك نوعية حضور- في إصغاء وتلق- تجعل «القطعي» خارج السياق تبتلعه هذه الـ«ربما» في وجهها الإبداعي الذي يأخذ حيز «شبه القطعي» فتأتي من هنا خصوصية الحديث في أمسية تشرينية باردة ما لبثت أن ارتدت في قاعة المعهد فوضوية التوزع حرارة التجربة بصرف النظر عن الـ«مع» أو «الضد» ما دامت «الأنا» ليست فقط لا تلغي الآخر إنما تحتفي به على ما يعتري «الأنا» من إشكاليات.
في حديثها عن العلاقة التبادلية بين الكاتب والنص وأثر الكتابة على كاتبها ومدى قدرتها على كشف ذواته عبر الكلمات ترى ياسين حسن أن أهم ما يتعلمه الكاتب/ة هو «الفردانية» تلك يُزج إليها مجبراً مع الزمن وإلا غدت كتابته «مسخاً» عن كتابة الآخرين وعلى الكاتب وكفعل أساسي في الإبداع- تضيف ياسين حسن- أن يخلق قناعاته النصية الخاصة ويدافع عنها وعبر ذلك ستتغير خطوط كثيرة في مسيرة حياته التي تضيع فيها الحدود بين الواقعي والتخييلي وتتلاشى تلك المسافة القائمة بين الواقع الذي يعيشه والتخييل الذي يكتبه.. وتعتقد ياسين حسن أنه علينا التفكير جدياً باعتبار الكتابة قادرة على تغيير الكاتب/ة أولاً إن هو أخلص لها، وأن الأدب يجعل الكاتب يقتنع بأنه يقوم بكتابة التاريخ السري للإنسان بعيداً عن حكايات التاريخ الرسمي المكرسة.. من هنا يتكثف الإيمان ربما- تبعاً لصاحبة «نيغاتيف»- بأهمية الكتابة بلغة الهامش والإقناع بأن «الهجنة الثقافية» هي أهم محطة في تطور الكتابة فهي ترى أنه ليس شرطاً كي تغدو كاتباً حقيقياً أن تكتب للمتن وبلغته وتتلطى تحت مظلته الثقافية الحامية، مدللة على ذلك بقولها، العشب المبعثر الذي ينمو بين الصخور أجمل وأكثر تأثيراً من صلادتها، أما «الهجنة الإبداعية» فهي برأيها تلك التي تجعل كل الهوامش الإقليمية والإثنية العرقية والاجتماعية والجنسانية والمناطقية و.. تدوّن رؤاها بلسانها مقوّضة المركزية.
وتظن صاحبة «أبنوس» أن الكاتب الحقيقي هو الذي يكتب عن الأسود وهو مقتنع بجمال قتامته، وعن الأبيض تغزلاً بنصاعته دون أن ينسى الأشد سواداً يحمل الأبيض في داخله وكذلك يحمل الأبيض بذرة سواد في جوانياته وربما كان هذا – تضيف ياسين حسن- من أهم ما تعلمنا إياه الكتابة معترفة بتحولها من التنظير لقتل «الأب الكتابي» ومن المناداة بضرورة «القطيعة» بين الأجيال الإبداعية إلى الاقتناع بأن التطور الإبداعي والروائي خاصة لا يتأتى إلا من خلال التراكم، ذلك أن الكتابة علمتها أن أباها الإبداعي هو أي مبدع يمتعها بنص مغاير، معتبرة أن كل تخلفنا ينحصر في سيطرة «العقل الغيبي».
ومما تعلمته صاحبة «حراس الهواء» من الكتابة هو محاولتها التملص من المحاولات التي يقودها «دعاة الثبات» لإقناع الجميع بأن كاتب/ة (التابوهات) هو شخص يبتغي الشهرة وترى أنه سيكون الاتهام بشحنة جنسانية فائضة إذا كنا نتحدث عن كاتبة أنثى أنيط بها حفظ الشرف الثقافي كما حفظ الشرف الديني والاجتماعي، والمهم برأي ياسين حسن يتلخص بكيف تكتب لا عن ماذا تكتب، وكتابة «العفة الممجدة» التي تصاحب بالتصفيق و«الرضا السائد» قد تكون معوزة لأهم مفاصل الإبداع وهو الحرية، معقبة أن هذا لا يعني أن الكتابة عن «التابو» تجعل من النص جيداً ولكن كتابة «التابو» بعمق وإحساس وإخلاص إلى شياطين اللغة العصية يصنع من النص كتابة جيدة.
ومن هنا- تشدد ياسين حسن- بعد أن قضيت سنوات أتألم من إحالة تجارب الشخصيات الروائية إلى تجربة الكاتبة صرت أؤمن بأن شهادة «سوء السلوك» هي الخيار الوحيد للخروج عن «حسن السلوك» المكرس، ولن تقابل محاولات الخروج عن السرب بالترحيب والرضا.. وتقول كاتبة «سماء ملوثة بالضوء» إنها لا تحتفي بالتفاصيل إنما تحتفي بما هو خارج عن كل إيديولوجيا وأنها ترى أنه لا داعي لكتابة رواية على شاكلة الأفلام العربية التي تقتطع وتبتر «مشاهد الغرام» لتذهب الكاميرا إلى مكان آخر أو تغلق الأبواب فهي تريد للرواية أن تدخل إلى ما هو «خلف الأبواب».. وأن تقول ما تقتنع به..
وتختتم الكاتبة والروائية روزا ياسين حسن حديثها بإعلان انحيازها إلى الحد الأقصى لفن الرواية تبعاً لقدرته على التحرر من كل شيء، معتبرة الرواية من أكثر الأعمال الأدبية انتهازية، وأن «المنظومة النقدية» تحاول أن تشرنق الأدب وتجره إليها فلا تستطيع اللحاق به، وأن الكبت الديني والسياسي والاجتماعي يولد ردود فعل كتابية تكون حادة ما تلبث أن تتشذب بفعل الزمن مثلها في ذلك مثل أي ردود فعل.
علي الحسن
الوطن السورية