الصحافي يحب الشفافية والمسؤول يكرهها
زين الشامي
منذ زمن طويل وأنا أسعى لفهم العلاقة الملتبسة بين الصحافي والمسؤول السياسي، أو دعونا نقل المسؤول بشكل عام مهما كان موقعة ومكانته، في الوقت ذاته لا يمكن نفي أن هذه العلاقة ضرورية لكليهما، ومن دونها يخسر كلاهما الكثير من وظيفته وفعاليته. هل هي علاقة قائمة على الرباط الإجباري؟ ربما.
الصحافي على سبيل المثال لا يمكنه أن يعيش ويكتب الأخبار، وربما المانشيتات العريضة، لولا معلومة مهمة حصل عليها من هذا المسؤول أو ذاك، صحيح أن ذلك بات يتطلب اليوم علاقة خاصة وثقة متبادلة بين الصحافي والمسؤول، لكن يجب أن نعترف أن هناك الكثير من اللقاءات والمقابلات الصحافية فيما «السبق الصحافي» قليل جداً، إذ غالباً ما يسعى المسؤول للتكتم الشديد على المعلومة، أو يسعى للاستفادة من الصحافي ووسيلته الإعلامية من أجل أن يصنع دعاية لنفسه، أو حزبه، أو حكومته، أو وزارته التي يعمل فيها، في الوقت نفسه الذي يسعى الصحافي للتنقيب بين كلمات المسؤول على معلومة مهمة وجديدة تهم القراء، أو المشاهدين، أو المستمعين عله يخرج بمادة صحافية مميزة يتفاخر بها أمام رئيسه المباشر وزملائه، وربما أمام زوجته، أو صديقته.
الصحافي يدرك أن المسؤول وهو في موقع المسؤولية، هو شخص بعيد كل البعد عن الشفافية، وهو ربما يكره هذه الكلمة، ويأتي ذلك من باب حرصه على موقعه، أو خوفاً من السؤال والتحقيق من المسؤول الأعلى، لذلك ليس غريباً أن يشعر الصحافي بالملل الشديد حين يستعرض المسؤول انجازات الحكومة، أو الوزارة، ويتحدث بإسهاب وبتزلف ونفاق عن «عبقرية القائد» وإبداعه، و«صواب السياسة الخارجية حيث اعترف العدو قبل الصديق بدقة ومصداقية مواقفنا».
نقول ربما يشعر الصحافي بالملل الشديد، أو ربما يتثاءب أو يضحك في نفسه لأنه يعرف تماماً المآسي التي يعيشها المواطن العادي، ويعرف حجم الفقر والبطالة وكم من الشباب الذين يقفون كل يوم على أبواب السفارات بحثاً عن فرصة للعمل في الخارج بعدما ضاقت بهم السبل في بلدانهم وسدت كل الأبواب في وجوههم.
أقول كل ذلك بمناسبة لقاء جمعني بمسؤول أخيراً، حيث راح يحدثني كيف أن «العالم جميعه اعترف بحكمة القائد وبصوابية مواقفنا في السياسة الخارجية، وكيف أن دولاً أوروبية وغربية، وحتى الولايات المتحدة قد غيرت من مواقفها وسياستها السابقة القائمة على الإملاء والعنجهية لتحل محلها سياسة جديدة وندية قائمة على الاعتراف بمكانتنا ودورنا العربي والإقليمي والدولي.»
قلت لهذا المسؤول ان تقريراً صدر منذ أيام عن منظمة «الشفافية الدولية»، وهو تقريرها السنوي للعام 2009 وقد حلت فيه دولتنا في المرتبة 126 من أصل 180 دولة، ما يعني أن هناك الكثير من الفساد وانعدام الشفافية وصعوبة الحصول على المعلومة وغيرها من المشاكل. فما كان من المسؤول إلا أن سب وشتم على التقرير والمنظمة التي وضعته، وعلى كلمة الشفافية نفسها، واعتبر ذلك جزءا من مؤامرة «صهيونية غربية» تستهدف «وحدتنا الداخلية ومواقفنا القومية».
أنا لا أعتقد أن المسؤول يعي تماماً معنى كلمة الشفافية، لأنه وخلال الحديث شتم على الديموقراطية أيضاً معتبراً أنها «كلمة حق يراد بها باطل، وهي كمن يدس السم في الدسم»… هذا المسؤول أذكر أنه سب وشتم كثيراً على «المجتمع المدني» قبل أعوام عدة لمجرد أن هناك بعض الناشطين الذين دعوا إلى إحياء دور المجتمع وإخراجه من سلبيته ليشارك في الشأن العام ويخفف قليلاً عن كاهل الحكومة. وقتها السلطة والحزب الحاكم اعتبرا أن «جماعة المجتمع المدني» مجرد أدوات عملية للغرب، وقتها كان يعتقد ذلك المسؤول أن «المجتمع المدني هو حزب سياسي معارض»؟!
لكن أود هنا أن أذكّر ذلك المسؤول بما ورد في ذلك التقرير الذي صدر عن منظمة «الشفافية الدولية» لأني لم أستطع أن أكمل أسئلتي حيث منعني سبابه المتواصل ورذاذ البصاق الذي كان يخرج من فمه خلال شتمه «للشفافية» من أن أكمل ما رحت من أجله.
جاء في التقرير أن سورية حلت في المرتبة 126 من أصل 180 دولة، وهي مرتبة متأخرة جداً تدل على حجم انتشار الفساد وضعف البنى المؤسساتية، أو عطبها. المنظمة قالت ان هناك حاجة إلى اعتماد الشفافية في صرف الميزانيات العامة وتوفر فضاء مستقل للإعلام لكي يؤدي دوره، وأن انتشار الفساد يؤدي أيضاً إلى انحسار ثقة أفراد الشعب في مؤسسات الدولة والحكومات الناشئة التي يُفترض أنها تحمي استمرار الدولة واستقرارها.
الفرق بين هذا التقرير وكلام المسؤول، أن التقرير يقدم أرقاماً ويفيدنا في كشف مواقع الخلل والتقصير، ويكشف حقيقة تقدمنا وموقعنا على الخارطة العالمية والإقليمية والعربية، وهل نحن فعلاً دولة قوية وسياستها «حكيمة» أم لا. أما كلام المسؤول، فهو مجرد صوت عال ممزوج برذاذ البصاق، بسببه ومع استمراره ربما نصل يوماً إلى المرتبة 180… وإن غداً لناظره قريب.
كاتب سوري
الراي