السوريون يزيدون (800) ألف نسمة سنوياً.. والموارد مهددة بالتراجع!
مروان دراج
اقرؤوا هذا الرقم جيداً.. واستشرفوا آفاق المستقبل
لم يتبادر إلى ذهني ولا لمرة واحدة، الكتابة حول الحد من النمو السكاني، وكل ما يتعلق بشؤون وشجون تنظيم الأسرة، لأنني كنت وباستمرار على قناعة راسخة، بأنَّ الموارد المتوفرة وفي أي مكان على مساحة المعمورة، تفوق وبأضعاف حاجات السكان من المأكل والمشرب..، لكن على ما يبدو أنَّ مثل هذه القناعة بدأت تتبدد ولأسباب يطول شرحها، غير أنّ السبب الأول والمباشر، هو أنني اجتمعت ومن باب المصادفة بعائلة مكونة من نصف دزينة، ما عدا الأب والأم، وهذه الأخيرة متفرغة كسيدة منزل أو (مربية)، والزوج ليس أكثر من موظف عادي ولا يزيد دخله الشهري عن عشرة آلاف ليرة، أو ربما أكثر من ذلك بقليل في حال حساب الإضافي والحوافز، ما يعني أن هذه العائلة، وفيما لو تمكنت من تأمين فقط ما يلزم من الخبز، إلى جانب الزيتون واللبنة وبعض أصناف الخضار الزهيدة الثمن، فهي بهذه الحالة، سوف تعجز عن تأمين ما يلزمها من لحوم أو مصاريف الطبابة والتعليم وحاجات أساسية أخرى استهلاكية أخرى، وبالمناسبة فهذه العائلة هي بمثابة عينة عشوائية، وتمثل النموذج الأمثل للعائلة السورية من حيث عدد الأفراد، ذلك أنّ بعض الإحصائيات والأرقام الرسمية، تؤكد، بأن متوسط العدد الذي يتكون منه الأسرة السورية، يتراوح ما بين (6- 8 ) أشخاص. بينما في بعض الأحياء والمناطق الريفية البعيدة عن المدن الكبرى، قد يزيد الرقم عن عشرة أشخاص بالحد الأدنى.
وقد يسأل البعض.. ولكن ما هي الغاية من الإتيان على مثل هذه الأرقام والتفاصيل.. وما هو المطلوب.. وهل ثمة مشكلة يستوجب العمل على حلها؟
الأمر وببساطة، هو أن عدد سكان سورية يسير باتجاه التزايد السريع وبأرقام تفوق حدود التوقعات، فالأرقام الرسمية التي بين أيدينا تؤكد، بأنّ عدد سكان سورية يزيد بنحو (800) ألف نسمة سنوياً،.. وهنا قد يقول البعض، بأنّ المشكلة ليست في الازدياد السكاني، وإنما في انعدام توزيع الثروة بشكل عادل، وفي عدم القدرة على استثمار الموارد بطرق أو غيرها من بلدان العالم الغنية بالثروات، لكن ما نعنيه في كلامنا هو حرارة استشراف آفاق المستقبل في ضوء ما يتوفر من ثروات وازدياد أعداد السكان إلى جانب ارتفاع أعداد المحسوبين على خط الفقر والذين يعتقد البعض بأنّ نسبتهم مرتفعة جداً وقد تزيد على (30) بالمئة من إجمالي عدد السكان، وأيضاً هناك اعتبارات أخرى يفترض أخذها في الحسبان في المستقبل، وهي تتعلق في القدرة على الاستمرار في تأمين المنتجات الزراعية وزحف التصحر وتراجع الهطل المطري وانخفاض كميات المياه العذبة، ولا ننسى في هذا السياق الإشارة، إلى أن بعض المهتمين والمسؤولين على المستوى الرسمي، كانوا قد أشاروا قبل أسابيع، إلى إمكان مواجهة مشكلة غذائية لجهة الإنتاج الزراعي في السنوات المقبلة، وهذا الكلام الذي يفترض أنّه على درجة عالية من الأهمية، كان يفترض مناقشته وبجدية في المنابر الإعلامية، لكنه وللأسف كان قد مرّ مرور الكرام، دون أن يستحوذ على اهتمام حتى الرأي العام، وكل ذلك، يأتي في وقت، تشهد فيه سورية معاناة حقيقية لجهة ندرة مياه الشرب، كما أنّ بعض المناطق الزراعية يهجرها أصحابها، نتيجة تراجع معدلات الهطل المطري، وخاصة في محافظات مثل الرقة – دير الزور – الحسكة،.. لهذه الأسباب وسواها، لابدّ من المبادرة من أجل صوغ سياسات جديدة قادرة على استشراف المستقبل لجهة، إحداث التوازن بين النمو السكاني والموارد.
قد يسأل البعض، ولكن من أين نبدأ بحملات التوعية، الأمر وببساطة بحاجة إلى جهود مجتمعية تبدأ من الهيئة العامة لتنظيم الأسرة والتي تبدو كما لو أنها غير موجودة، ولا تنتهي عند حدود جمعيات تنظيم الأسرة والاتحادات النسائية والمنابر الإعلامية، إلى جانب تنظيم ثروات ومحاضرات دائمة وغير موسمية، من خلال استقبال مختصين في القنوات التلفزيونية على وجه التحديد، بهدف ترسيخ بعض المفاهيم والأفكار الجديدة المناقضة لكثير من القناعات الموروثة والخاطئة.
وبداهة الأمر لا يتوقف فقط على أنشطة تندرج في إطار التوعية تقوم بها المنظمات والنقابات والجمعيات، وإنما يتعين أيضاً، السعي من جانب مؤسسات ومرجعيات رسمية، لصوغ الخطط التي من شأنها البدء برحلة معالجة المشكلة الديمغرافية التي تعيشها بعض المحافظات، وذلك بهدف ردم الهوة بين التوزع المائي والتنوع الديمغرافي، والمقصود بهذا التعبير، أن بعض المدن مثل دمشق وحلب، باتت تواجه تزايداً كبيراً في عدد السكان، مقابل انخفاض ملحوظ في كميات المياه المتوفرة، وذات المعادلة يمكن رؤيتها أو النظر لها بصورة معكوسة في بعض المدن الأخرى، فعلى سبيل المثال، هناك ما نسبته (80) بالمئة من إجمالي المياه الصالحة في سورية، تتوضع في نهر الفرات، والأمر الطبيعي بهذه الحالة، أنّ المدن والقرى المحيطة أو القريبة من سرير النهر، من غير المتوقع أن تشهد ضائقة مائية على المدى المنظور، ذلك أن مياه الفرات، وحسب التقارير الرسمية، صالحة للشرب والري في آن، وهذا الأمر قد لا يضيف جديداً للمواطن العادي، لكن الجديد الذي نعنيه، ينحصر في معادلة التنوع الديمغرافي والتوزع المائي، فالأرقام تقول: أنّ الكثافة السكانية في المدن والقرى القريبة من النهر تكاد لا تذكر، قياساً مع كثافتها في مدن كبرى مثل دمشق وحلب، فالمقولة الشهيرة والقديمة منذ فجر التاريخ، تؤكد، أنّه وأينما وجد الكلأ والماء وجد الإنسان، لكن هذه المعادلة لا تنسحب تماماً على الجغرافيا السورية، ففي مدينة دمشق على سبيل المثال، تصل الكثافة السكانية إلى حدود (16) ألف نسمة في كل كيلو متر مربع، وفي بعض المناطق المحيطة بالعاصمة، قد تزيد النسبة على (20) ألف نسمة، ولا يتضح المعنى من المثال، إلاَّ في حال علمنا، أن المدن القريبة من نهر الفرات مثل دير الزور والرقة والحسكة، لا تصل الكثافة السكانية إلى أكثر من (20) نسمة في كل كيلو متر مربع، وبداهة لا يعني هذا الكلام ضرورة التشجيع على هجرة عشوائية بين المدن، وإنما المقصود هو أن تلتفت الحكومة إلى هذه الحقيقة، وبداهة أن الالتفات لا يكون إلاّ من خلال نهر الفرات، ذلك أن إقامة هذه المشاريع، سوف يؤدي مع مرور الزمن إلى استقطاب وجذب الأيدي العاملة التي ستضطر مع مرور الزمن إلى الاستقرار والعيش في هذه المناطق. لأن الأمر الذي بات من البديهيات، أنّه من المتعذر تحقيق تنمية شاملة دون إحداث تكافؤ بين ازدياد عدد السكان والموارد، وهذه الحقيقة إذا كانت تبدو في الوقت الحاضر غير منطقية أو غير مقنعة، فإنّ العقود المقبلة ستجعلها واقعاً مشخصاً يتلمس حضورها (الجاهل والمتعلم) وهي مسألة وقت لا أكثر.
سيرياستيبس – 17/11/2009