رزان زيتونةصفحات الناس

لا نقابة من دون محامين!

null
رزان زيتونة
كان الذهول هو ردة الفعل الأولى تجاه قرار شطب المحامي والناشط الحقوقي مهند الحسني من جدول المحامين السوريين. هذا مع أن لنقابة المحامين سوابق عديدة في معاقبة أعضائها نتيجة اشتغالهم بالشأن العام، وحقوق الانسان منه بخاصة. والحديث عن عدم استقلالية النقابات وقصورها في الدفاع عن مصالح أعضائها، هو من بديهيات القول ولا يحتاج إلى تفصيل.
ومع ذلك، فالذهول كان مبررا نوعا ما؛ فالقرار أقسى من حكم قضائي بالسجن لخمس أو عشر سنوات بتهمة “وهن نفسية الأمة”، ليس فقط لأنه يدمر المستقبل المهني لمن صدر بحقه، بجرة قلم ظلما وتعسفا، بل لأنه أيضا يأتي من قبل “زملاء” المهنة، الذين أقسموا اليمين بأن يمارسوا مهنتهم بـ “أمانة وشرف” وأن يحترموا القوانين، وذلك قبل وقت طويل من أن يصبحوا في مراكزهم التي تخولهم إدارة شؤون النقابة والتحكم بمصير أعضائها.
ولأنه مهما “تفهم” المرء حرج موقفهم بين قسَمهم وضميرهم من جهة، ومقتضيات مراكزهم من جهة أخرى! يصعب عليه تقبل أن يذهب بهم الأمر إلى أقصاه، بسلب محام لقبه في تهم، حتى القضاء لم يقل كلمته فيها بعد.
لكن ومن ناحية أخرى، لا يمكن إغفال، أنه أثناء سير المحاكمة “المسلكية” بحق المحامي الحسني ومن ثم ردود الفعل على القرار الصادر بحقه، وقبل ذلك قرارات مشابهة بحق محامين آخرين، كان معظم الحراك المناهض لتلك الإجراءات مصدره المنظمات الحقوقية الدولية، تلك المعنية منها باستقلال القضاء والمحاماة بشكل خاص.
أما اتحاد المحامين العرب فهو اتحاد المحامين العرب! وبالتالي كان ما كان من صمته وتجاهله لقضايا مماثلة؛ بينما النقابات العربية التي تحظى باستقلال نسبي، فلم تبادر بدورها إلى اتخاذ أي موقف تضامني، ولا ندري إن كان ذلك لضعف في التشبيك والتواصل معها أم لأسباب أخرى!
أما الأكثر إثارة للانتباه، فكان موقف المحامين السوريين، الذين باستثناء عدد قليل جدا منهم، نأوا بأنفسهم عن أي موقف تضامني أو رافض لتلك المحاكمات “المسلكية” ذات البعد العقابي المضاعف ـ بالإضافة إلى السجن والمحاكمات القضائية – بحق زملائهم.
مفهوم أن تلك المحاكمات، تستهدف بالإضافة إلى المحامين الذين أخضعوا لها، ردع زملائهم وإيصال رسالة بليغة حول المصير المحتمل لمن يفكر منهم بسلوك طريق مشابه. لكن أيضا، فإن كثيرا من المحامين لم يسمعوا بقضية الحسني أو غيره، ولم تكن هناك أية محاولات لشرح ما يحصل وإيصاله ضمن أوساط المحامين، على الأقل للحصول على التضامن المعنوي الذي من الممكن أن ينقلب يوما إلى تضامن بأشكال مختلفة.
أما أحزاب المعارضة، فلم تحاول طيلة السنوات الماضية أن تخرج من قوقعة اجتماعاتها المغلقة وبياناتها العامة إلى ساحة الفعل في الهوامش الضيقة جدا لكن المتاحة هنا وهناك، ومن بينها العمل النقابي. ومن الجدير بالذكر، أن المحاكمة “المسلكية” إياها، بدأت أثناء انتخابات نقابة المحامين، في ظل غياب مطلق لأي موقف أو مشاركة فعالة من قبل تلك الأحزاب، والتي كان من شأنها على الأقل أن تشكل مناسبة للتعريف بقضية الحسني وزملائه ضمن أوساط المحامين.
كما أن قرار الشطب صدر بالأكثرية، حيث خالف ثلاثة من أعضاء مجلس الفرع القرار المذكور، وهو ما يمكن أن يشكل مدخلا لإثارة القضية من جديد بين المحامين وكسب تضامنهم مع ضحايا الإجراءات التعسفية تلك. فبالتأكيد لم يتخذ الأعضاء المذكورون قرارهم بالرفض من منطلق محبتهم للمحامي الحسني أو عضويتهم في منظمات حقوقية، بل، وكما جاء في رسالة الحسني من سجنه بعيد صدور القرار، فقد كان موقفهم “انتصارا للحق ولأخلاق مهنة المحاماة وللقيم النقابية الأصيلة المستمدة من عراقة الكبار من أعلامها”. تلك الأخلاق والقيم، ما يجب الانطلاق منه في خطاب المحامين المستقلين والناشطين في الشأن العام من أجل جمع كلمة ما أمكن من المحامين حول مواقف العدالة والحق. لأنه لا نقابة من دون محامين، ولا محامين حقيقيين من دون الالتزام بتلك الأخلاق والقيم.
وأقتبس مرة أخرى من رسالة الحسني حيث يقول: “من جهتي لا اعتقد أننا أمام أزمة مسدودة الأفق بدون حل، وبرأيي فان الوقت لم يفت ليتحلى الجميع بالشجاعة اللازمة لإعادة النظر بمواقفهم على أرضية المحبة والمواقف الإنسانية،  التي لا يمكن من دونها إقامة مواقف سياسية أو حتى تبريرها من أي سلطة وطنية وفي إطار وطني “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى