وللدواب حق الضحك أيضاً
عمر كوجري
في بلادنا أو “حين لابلاد” وهذه استهلالة رفع القبعة، ونثر البنفسج على قبر القاص الغالي “جميل حتمل ” في هاتيك البلاد ،من حق من يتنفس هواء هذه الأرض عربياً كان ، أو كردياً ، أو آشورياً ، أو أرمنيًا ؛ من حقه أن يضحك بجلجلة وصوت عال ،لتمتد هذه القهقهة من بساتين الصنمين في درعا إلى ضفاف دجلة الخير في عين ديوار ، ولأن الضحك – حسب الدكاترة – ينشط الجسم ويبعد السقم عن النفس والبدن أقول وأنا مرتاح البال والضمير :ابتسم فأنت سوري دون أن يرف جفن ضميري أنني سطوت على مبدع نجوم النهار في المرحومة “الناقد ” اللندنية الشاعر الفوضوي والجميل ” يحيى جابر ” .
وهل اللبنانيون أكثر حظوة منا حتى تبان للملأ ضواحكهم وقواطعهم دون أنيابهم !!؟؟ أما نحن : كل يعصر جبهته راكضاً إلى الصيدلية ليبتاع الأسبرين. ومن لا يملك طاقة الذهاب إلى هناك فعليه بنصيحة جدتي المرحومة “عزيمة” بشد القماش على أعصاب الرأس لعلها تصمت ، وتهمد قليلاً .
ومن غير مواربة ولا لف ولا دوران لماذا لا يضحك السوري ؟؟ أليس من حقه الضحك مثل باقي خلق الله ؟؟؟ طالما أن الضاحك لا يدفع ضرائب مقابل ما اقترفته أشداقه من جريرة . ولماذا لا يضحك إذا كانت حتى شوارع المدن السورية منذ فترة قريبة كانت مزدانة بصور العزيزة البقرة الهولندية وليست الدانمركية ” البقرة الضاحكة ”
لقد غزت هذه البقرة شوارعنا وشاشات التلفزة، وطاردت صورها الضخمة أحلامنا، وسببت لنا أرقاً مزمناً لكثرة اللوحات التي عرضتها حتى ظن بعضنا أنه في ربوع نيودلهي وليس في واحات نيو الشام الغناء.
فأصحاب شركات الإعلان أذكياء “وما أحلاهم إذا لم يكونوا كذلك ” فهم لا يعلنون عن منتجات المعلنين للوهلة الأولى، بل هناك تفنن في عرض الإعلان على سبيل “:من وراء كل امرأة عظيمة ؟؟ فنرد نحن البسطاء :إنه الرجل بالطبع ، أليس وراء كل رجل عظيم امرأة؟؟ غير أن حدسنا سرعان ما يغشنا ، فوراء المرأة العظيمة هو سائل الجلي العلتاني الذي يحقق للمرأة مجداً ما بعده مجد حسب الفلتة التالية من عرض الإعلان .
وعلى هذه الشاكلة أتحفتنا جماعة لافاش كيري ففي الوهلة الأولى كان الإعلان :صارت ضحكة البقرة تسمع بكل سوريا ، وفي الإعلان الثاني : أفضل انطلاقة لحياة أولادك جبنة البقرة الضاحكة .
لاحظوا تأثر إعلاناتنا بالسياسة والإيديولوجيا ، من أجرى إحصائية حتى عرف أن كل سوريا نعمت بضحكة البقرة ؟؟ وقديماً قال أحد الحكماء : التعميم لغة الحمقى .فليسمع الشعب بداية إلى ضحك أفراده ، وليؤلف نكاته وطرائفه على الأمنيات التالية من قبيل :إن السوريين لا يشكون من البطالة ، والرواتب ضخمة. فبراتب ثلاثة أشهر بإمكان أي مواطن أن يؤمن حياته فيفكر الشاب بالزواج والمسكن الصحي والحياة الآمنة المستقرة .ولماذا سنغار على أو من البقرة وضحكها الحنون طالما أن كل ما يعيق حرية المواطن قد وضع على رف التناسي ، فقانون الطوارئ الذي حَّد من حرية وحركة المجتمع لم يعد النظر فيه، بل ألغي من حياة السوريين تماماً .وهكذا تخلص السوريون من آثار وآثام ذلك القانون الذي استمر أكثر من أربعة عقود ،وصار بإمكان أي سوري أن يحتج ..أن يتظاهر ضد غلاء المعيشة وضد أي إجراء لا يتناسب مع تطوره ورقيه دون أن يخشى أنه سينام في مكان رطب ومظلم و…إلى ماشاءالله.
كذلك صار بإمكان ذلك المواطن أن يفكر بتأسيس حزب سواء على أساس ديني أو أثني أو أي أساس آخر، فلا مانع يمنعه ولا كابح يفرمل طموحه أو قل : جموحه السياسي ، وكل هذا في ظل قانون الأحزاب .
نعم فالسوريون يضحكون دون الحاجة إلى سماع ضحك البقرة ، فحزب البعث لم يعد بحاجة لا إلى المادة الثامنة ولا إلى المادة العاشرة، وسيخوض الانتخابات مثله مثل باقي الطيف السياسي السوري،ومجلس الشعب يتشكل من كل الشعب وليست هناك قوائم الظل ، ولا قوائم الجبهة الجاهزة التي إن شئت أو لم تشأ ستنجح وبمئات الآلاف من الأصوات .
ولماذا لا أكون سعيداً وأنا الأجنبي بل المواطن وجذور ي ممتدة بل عميقة في هذه الأرض. وهي أرض آبائي وأجدادي ،وهم اختاروا ترابها وطنا كما يقول الشاعر السوداني “محمد الفيتو ري” وفي الجانب القانوني ما زالت عائلتي تحتفظ بوثيقة تثبت أننا هنا رغم الأذى والجحود ومواكب تمضي وأخرى تعود منذ كانت هذه البلاد تابعة بكليتها للسلطنة العثمانية ؛ ولماذا لا أكون فرحاً وجنسيتي ردت إلي مع ورقة اعتذار عن كل ما لحق بي من غبن وتظلم جراء ذلك الإحصاء العنصري والجائر ، صحيح أن زملائي الذين تخرجوا معي أو بعدي الآن العديد منهم مدراء ثانويات وموجهوا التربية، والذي سافر عاد وجيوبه ملآى، واللهم لا حسد، لكنني سأنسى كل هذه المنغصات وكأن شيئاً ما كان .فلماذا لا أكون حبوراً ولماذا لا يضحك السوريون وسجون البلاد أصبحت بيضاء مثل الثلج ولا تحوي غير المجرمين العتاة الذين يسلبون منا حتى الهواء الذي تنفسه ، أما أصحاب الرأي الآخر فليقولوا مايشاؤوا طالما أن الوطن حاضنهم ،وسقف حب الوطن هو مآلهم .ولا يستطيع أحد المزاودة عليهم وعلى عمق حبهم لهذه الأرض ، والتضحية من أجل هذه الأرض ونصرتها ، وتعزيز لحمتها الوطنية ، ومن الطرافة أن المسائيل أو المسؤولين بمناسبة أو بدونها يحتفلون بالوحدة الوطنية وينادون بها ويعلم زيد قبل عبيد أن الوحدة الوطنية يجب أن تصان بالأفعال لا بالشعارات والحكي الذي مل منه الجميع ، وهذه الوحدة إذا كانت حقيقية ستتكفل بحل كل المعضلات ،وعلى هذا الأساس ينبغي إعادة الروح وضخ الأوكسجين في رئة البلد التي تهتكت،وتكهفت بفعل الكربون .
فيا أيتها البقرة الضاحكة المدللة من حقك أن تضحكي ملء شفاتيرك، ومن حقنا أيضاً أن نضحك حتى نغشي على ظهورنا وما حدا أحسن من حدا .
على حدود علمي أن الأبقار تخور. أما أن تضحك فهذه إحدى أعاجيب السماء كما يقول الشاعر اللبناني “فوزي المعلوف”
وليس المهم أن يضحك أحدنا مرة بل المهم أن يتعلم أصول وقواعد هذا الفن حتى لاتكون الضحكة وبالاً عليه
خاص – صفحات سورية –