بيان وزاري ديمقراطي من طبقة دكتاتورية
سعد محيو
أي مراقب خارجي قرأ نصوص البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، سيبدي فوراً إعجابه بمدى “نضج” الديمقراطية اللبنانية بما هي وسيلة لحل الصراعات بالطرق السلمية .
فالبيان الوزاري حَفَلَ بكل أنواع التسويات والحلول الوسط لقضايا بدت للجميع قبل فترة أنها عصيّة على أي اتفاق .
فمفهوم الدولة حصل على حقه كاملاً حين قال البيان إن الحكومة “تُشدّد على وحدة الدولة وسلطتها ومرجعيتها الحصرية في كل القضايا المتصلة بالسياسة العامة للبلاد، بما يضمن الحفاظ على لبنان وحمايته وصون سيادته الوطنية” .
ومفهوم المقاومة خرج أيضاً راضياً مرضياً: “انطلاقاً من مسؤوليتها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، تؤكد الحكومة حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه، وذلك بالوسائل المشروعة والمتاحة كافة” .
وعلى الرغم من أن القرارات الدولية، وفي مقدمها القرار ،1701 يدعو إلى تجريد كل القوى المسلحة غير الشرعية (أي المقاومة) من أسلحتها، إلا أنه احتّل مكانة مرموقة في البيان: “تُجدّد الحكومة احترامها للقرارات الدولية، وتؤكد التزام قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 بمندرجاته كلها” .
ولكي لا يكون هناك أي لبس بأن هذه الحكومة من الشعب وإلى الشعب وبواسطة الشعب، كما ينص على ذلك النظام الديمقراطي الجمهوري، ضمّنت الحكومة بيانها فقرات مطوّلة حول “أولويات المواطنين”: “تأكيد هيبة الدولة واحترام القانون، تحديث الإدارة ومكافحة الفساد، تأمين الحق بالكهرباء، حماية البيئة، والحد من الفقر وإصلاح الضمان الاجتماعي” .
صيغة وصياغة عبقريان؟
هي كذلك لصاحبنا المراقب الخارجي، خاصة إذا ما كان محروماً في بلده من الممارسات الديمقراطية . لكنها ليست على هذا النحو بالنسبة إلى المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون، من دون أن يدرون، في نظام دكتاتوري حقيقي . نظام تتربع على عرشه طبقة أوليغارشية (قلة حاكمة) تختلف في ما بينها حول كل شيء إلا على أمرين اثنين: تقاسم الجبنة والغنائم الاقتصادية (وفق تعبير الرئيس فؤاد شهاب)، وتأبيد النظام الطائفي .
الأمر الأول موثّق منذ الاستقلال قبل 66 عاماً في سلسلة الفضائح اليومية التي حوّلت الفساد والمحسوبية والرشوة إلى مؤسسة حقيقية قائمة بذاتها ولذاتها . وكان التتويج العملي لهذا النظام اللصوصي ترنّح لبنان الصغير تحت وطأة جبل ديون كبير يناهز الخمسين مليار دولار، نصيب كل مواطن لبناني منه نحو 2000 دولار في السنة .
أما الطائفية، التي نصّ الدستور العام 1943 على إلغائها بصفتها ظاهرة مؤقتة ومرفوضة، فهي الصنم الأكبر الذي لا يعبد السياسيون اللبنانيون سواه . وهذا تجلى بأبهى صوره مؤخراً حين اقترح أحد الزعماء (نبيه بري)، تشكيل اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية، فإذا به يُواجَه بعاصفة رفض من ميشال عون وسعد الحريري وأمين الجميل وبقية السرب الطائفي .
بري بالطبع كان يناور لأغراضه الخاصة . لكن شركاءه الطائفيين لا يتحملون مثل هذا “المزاح الثقيل”، لذا تم طي صفحة اللجنة الوطنية بهدوء كي لا يتعكر صفو اللجان الأوليغارشية الطائفية الحاكمة .
هل تعني كل هذه المعطيات أن البيان الوزاري اللبناني لا يتضمن أية إيجابيات؟
بلى بالتأكيد . لكن فقط لصاحبنا المراقب الخارجي! وكل عام وأنتم بخير .
الخليج