ما يحدث في لبنان

تبادل دبلوماسي مؤقت

ساطع نور الدين
فات الاوان على تطبيع العلاقات اللبنانية السورية. اقيم حاجز جديد، يتخذ صفة الدبلوماسية، وهو ليس منها في شيء، الى جانب الكثير من الحواجز والعوائق السياسية والامنية القائمة على امتداد الحدود المضطربة بين البلدين، اللذين فرقتهما الاقدار… قبل ان يصبح الارهاب الاسلامي ذريعة مفتعلة للقاء جديد بينهما، لن يصمد طويلا.
الخطوة التي كانت منذ اللحظة الاولى لوضعها على جدول الاعمال اللبناني السوري مثارا للسخرية، تشكل الحد الادنى لما يمكن ان تقدمه سوريا في سياق الاعتراف باستقلال لبنان وسيادته وقراره الوطني الحر، والحد الادنى لما يمكن ان يقنع لبنان بان صفحة الماضي الاليم بين البلدين الذي لا يقتصر على السنوات الثلاث الماضية بل يمتد الى السنوات الثلاثين السابقة، قد طويت فعلا.
المفارقة ان الخطوة تأتي في الوقت الذي يدور فيها نقاش جدي في بيروت وفي غيرها من العواصم المعنية بالازمة اللبنانية عما اذا كان الانتشار العسكري السوري وراء الحدود الشمالية هو مقدمة للعودة الى لبنان، او للتوغل داخل اراضيه بين الحين والاخر، لمطاردة مطلوبين من شبكات وخلايا اسلامية يستحيل اقناعها بمعاهدة سايكس ـ بيكو، كما يصعب افهامها ان العبور في الاتجاهين الذي كان متاحا في الماضي القريب صار محل مراقبة ومتابعة دقيقة من قبل العالم كله.
ولعل الاعلان عن اقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان، يضيف عنصرا استفزازيا جديدا الى جدول اعمال هذه الخلايا التي يمكن ان تزعم من الان فصاعدا ان هدفها بات ازالة الحدود المصطنعة بين الشعبين الشقيقين، واقامة امارة اسلامية واحدة موحدة من البلدين اللذين انفصلا في مطلع القرن الماضي، في غفلة من الزمن… على ان ترسى دعائمها الاولى في الشمال اللبناني الذي يبدو انه صار المختبر الرئيسي لطبيعة العلاقات الثنائية، وسيصبح في المستقبل القريب المخرج العملي من مسارها الدبلوماسي الجديد.
ومن دون الحاجة الى هؤلاء الاشباح الاسلاميين الذين قد لا يكون التبادل الدبلوماسي اللبناني السوري على جدول اعمالهم ، يمكن الجزم في ان البلدين والشعبين لن يتأخرا طويلا في تحويل السفارتين المعلن عنهما الى محطتين عابرتين من التاريخ المشترك، ومبنيين فارغين لا يؤمهما احد من اللبنانيين والسوريين، الراغبين في عبور الحدود في الاتجاهين.
ما يخفف من وطأة هذه الخطوة البائسة هو ان النظام الحالي في سوريا ليس ابديا، كما ان الفريق اللبناني المناوئ لذلك النظام ليس ازليا. ولعل اقامة السفارات في كل من بيروت ودمشق تشكل صدمة نفسية لدى الشعبين تدفع في اتجاه تغيير ما في البنيان او في السلوك الرسمي، او تفرض على الاقل مراجعة جدية لحقبة سوداء من تاريخ البلدين… قبل ان يفرض الخارج مثل هذه المراجعة، كما فرض الان تبادلا دبلوماسيا مثيرا للهزء… والقلق في آن معا، لانه لن يدوم اكثر من بضعة اشهر، حسبما ما هو متوقع، حيث لن يجد البلدان صعوبة في العثور على سبب وجيه، لاستدعاء السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، وربما ايضا سحب الاعتراف.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى