صفحات ثقافية

من مجاملات مهرجان السينما ودعايات وزارة الإعلام إلى صكوك أدونيا: تكريم على الطريقة السورية!

null
محمد منصور
أسهل شيء في سورية اليوم أن تقيم حفل تكريم لصناع الدراما السورية، أو أن تعلن في الصحافة والمواقع الإلكترونية أنك ستحتفي بأسرة مسلسل أو فيلم في بيت أو ناد أو مطعم أو حتى صالة أفراح!
فقد صار التكريم شغل من لا شغل له، ووسيلة ظهور لمن فاته الحظ في الظهور… ودعاية مجانية رخيصة لمن يحسبها جيداً، فيجد أن مردود حفل التكريم الإعلاني أرخص بكثير من أجر أي دقيقة إعلانية لمؤسسته أو ورشته حتى في تلفزيون اليمن أو السودان… وأن الصفة الأبوية التي تضفيها حفلات التكريم على من يتصدون لتنظيمها، تجعل الأمر مسلياً لدرجة يسيل لها لعاب الكثيرين من الباحثين عن (الأنزعة) المعنوية!
تكريم معمل العلكة… للعام الثاني على التوالي!

في العام الماضي كتبت في هذه الزاوية أن (التلفزيون يبيع دوره لصاحب معمل علكة) لأن التلفزيون السوري بحضور مدرائه ووزير الإعلام شخصياً، وزع جوائز برنامج (سباق المسلسلات) تحت رعاية معمل العلكة الذي دفع تكاليف إنتاج البرنامج المذكور… وقلنا إن التلفزيون السوري يدفع الكثير والقليل… ويمكن أن يعهد بالرعاية لبرامج كثيرة أخرى، لكن ليس من بينها بالتأكيد برنامج لتكريم صناع الدراما السورية… لأن هذا هو دور المؤسسات الإعلامية قبل أن يكون دور جهات لا علاقة لها بالفن والثقافة والإعلام… إلا من باب الإعلان عن منتجاتها وعلوكها (جمع علكة) على شاشة تلفزيون انفض عنه المعلنون وبات عليه أن يقدم عروضاً تشجيعية لهم وللمشاهدين معاً… ورغم أن أحد المسؤولين في المؤسسة العربية للإعلان التي تشرف على هكذا نوع من برامج الرعايات (أي المؤسسة المستفيدة وذات العلاقة) اتصل بي ليشكرني على جرأتي في قول هذا الرأي، وليوافقني بأن الأمر مخجل ومعيب حقاً… إلا أنه لا وزارة الإعلام، ولا التلفزيون السوري اكترثا بالأمر… وقد كررا هذا (التقليد المبتذل) في هذا العام أيضاً، لأنهم بالفعل باعوا دورهم الإعلامي… ولأنه ليس لجرح ‘بميت إيلام… ويا خرابة ما تهزك ريح!’
وخلال الشهر الحالي على سبيل المثال لا الحصر… تابعت على شاشة قناة (الدنيا) شبه الخاصة، أكثر من ثلاث تغطيات لحفلات تكريم لصناع الدراما السورية… فقد قامت لجنة صناعة السينما والتلفزيون بإعداد حفل تكريم لبعض المنتجين لا يختلف في كثير أو قليل عن تقاليد حفلات التكريم الأخرى وإن كان به جهد تلفزيوني متميز في إعداد التقارير التلفزيونية عن المكرمين… أما وزير الإعلام السوري محسن بلال فلم يكتف بحفل تكريم البرنامج المغشوش (سباق المسلسلات) برعاية صاحب معمل العلكة للعام الثاني على التوالي، بل قام مؤخراً برعاية حفل خاص وزعت فيه وزارة الإعلام جوائز وتكريمات مشفوعة بخطابات مطولة تكرر نفس الكلام الإنشائي المضجر الذي يمزج الفني بالسياسي في مناسبة تتحول إلى موسم للتزلف والاستعراض وبيع الوطنيات وشهادات الإبداع والتفوق التي لا تعرف أي قيمة لها… لأن من يوزعونها في الأساس لا يبحثون لا عن القيمة ولا عن المصداقية… وإنما يبحثون عن فرصة للظهور وإلقاء الخطابات وتسبيل العيون أمام الكاميرات… وتبادل أنخاب (نجاح) من المؤسف أنه لا يد لهم فيه!

مهرجان دمشق السينمائي: تسفيه معايير التكريم!

ومن المؤسف أنه حتى الأشخاص الذين يفترض فيهم أنهم يعرفون المعايير الفنية للتكريم وأهمية تكريسها بمصداقية، كالناقد محمد الأحمد مدير مهرجان دمشق السينمائي ضربوا بها عرض الحائط… فقد كرم المهرجان العام الماضي الممثلة فاديا خطاب، التي لم تشارك سوى بدور ثانوي في فيلم سينمائي واحد في بداية حياتها الفنية… كما كرم الممثلة سوزان نجم الدين التي لم تشارك في أي فيلم سينمائي… ولأن الصحافة السورية صحافة مجاملات وتملق فإن أحداً لم ينتقد هذه المزاجية في التكريم التي تمثل إهانة حقيقية للمهرجان وقواعده… وهذا ما دفع مديره ليضع الأسماء التي تحلو له هذا العام… فيكرم المخرج التلفزيوني نجدت أنزور… وهو لم ينجز سوى فيلم سينمائي واحد في مطلع حياته الفنية في الأردن كان اسمه (حكاية شرقية) وهو فيلم متوسط القيمة إذا أردنا مجاملته على قاعدة التعاطف مع محاولة السينما الأردنية للانطلاق بهذا الفيلم… وقد حاول وزير الثقافة تبرير هذا التكريم الخاطئ لمخرج تلفزيوني في مهرجان متخصص بالسينما فأشار في حفل افتتاح المهرجان إلى فصل من فيلم سينمائي لم يكتمل أنجزه أنزور مؤخراً لصالح ليبيا قبل أن يتوقف المشروع، وطالب الحضور بمشاهدة هذا الفصل… فكان هذا التبرير (عذر أقبح من ذنب) فالتكريم لا يمكن أن يكون لأشخاص يحاولون دخول السينما حتى لو كانت محاولتهم هذه (دقائق من فيلم هارب من هوليوود) كما وصفها بعضهم على سبيل البلاهة… بل هو لأشخاص أثروا السينما ولهم تاريخ فيها… ولهذا وجدت شخصياً أن تكريم مهرجان دمشق السينمائي هذا العام للفنانة أمل عرفة التي ليس في رصيدها سوى ثلاثة أفلام سينمائية… يمكن أن يكون شبه منطقي إذا ما قيس بتكريم آخرين وصفهم الفنان بسام كوسا محقاً بأن (علاقتهم بالسينما كعلاقة المشاهد بها) ولو أننا حين نطبق أبسط معايير التكريم الحقيقية فإنها ستكون بعيدة عما أنجز في مسيرة أمل عرفة السينمائية حتى الآن!
طبعاً هذه الطريقة في التكريم تجعل أي مهرجان يفقد قيمته الحقيقية ويتحول إلى حفلة مجاملات وعلاقات عامة… وإذا كان ثمة من يهلل ويصفق وينافق الآن… فإن تاريخ الفن سيقول كلمته فيمن يخلطون الأوراق، ويدوسون القيم والمعايير الفنية بأرجل ثقيلة مملوءة بوحول التطنيش وتسويق الزائف بدل الحقيقي!
جائزة أدونيا: شيك بلا رصيد!..

وآخر حفلات التكريم التي حظي بها صناع الدراما، هي جائزة (أدونيا) وهي جائزة سنوية تقيمها شركة إعلامية تصدر مطبوعات إعلانية وتجارية متواضعة السوية… مطبوعات تكرس وجهاً قبيحاً في الصحافة السورية الخاصة الفارغة المحتوى، والتي لو طبقنا عليها أبسط معايير المهنة لما قيض لها أن تكون سلماً خارجياً في بلاط صاحبة الجلالة!
وجائزة (أدونيا) التي يبذخ عليها منظموها عبر إقامة حفل توزيع جوائزها في فندق (الفور سيزن) وبيع الحفل حصرياً لإحدى المحطات الفضائية… لا تختلف في كثير أو قليل عن تقاليد النفاق وخلط الأوراق وبيع القيم الزائفة… وقد علمت أن عدد أعضاء لجنة التحكيم هذا العام بلغ (29) عضواً… وأنا أستغرب ما هذه الجائزة التي يبلغ عدد أعضاء لجنة تحكيمها الواحدة، في مسابقتها الواحدة، كل هذا العدد… وما هذه الجائزة التي لا يلتقي أعضاء لجنة تحكيمها (يقول منظموها إنهم لا يريدون لأعضاء لجان التحكيم أن يلتقوا كي لا يؤثروا على بعضهم بعضاً… فهل أعضاء لجنة التحكيم من الخبراء والمحترفين أم من المراهقين الذين يتأثرون بآراء بعضهم بعضا) وما هذه الجائزة التي تضم في لجنة تحكيمها أسماء لا علاقة لها بفن الدراما التلفزيونية لا تمثيلا ولا تأليفا ولا إخراجاً ولا نقداً ولم تكتب حرفاً واحداً عنها؟!
أسئلة كثيرة تجعل من جائزة أدونيا مجرد (حفل استقبال باذخ) أكثر منها جائزة لها قيمة حقيقية… صحيح أن الجوائز التي أعلنت هذا العام، تبدو في مجملها منطقية وموضوعية إلى حد كبير… لكن المشكلة ليست في جوائز عام أو آخر… بل في مسار جائزة لم تستطع أن تخلق تقليداً ثقافياً محترماً، ولا أن تصبح حالة ذات شرعية، خارج بهرجة الفوز الآني، وتصريحات الفنانين التي تؤكد أهمية الجائزة وتهوّل وتعظّم بلا حساب… مادام كل شيء يتم بلا حساب!
من يكرم من؟!
من المؤسف أخيراً… أن شاشات المحطات السورية التي تبدو اليوم مثقلة بحفلات التكريم… وبالنقل التلفزيوني لحفلات التكريم… والإعلاني التجاري المبتذل عن حفلات التكريم… تجعل كل هذا التكريم بلا قيمة حقيقية… وهي أشبه بحفلات للاستهلاك المحلي لا أكثر… وللدعاية السياسية لهذا المسؤول أو ذاك لا أكثر!
ومن المؤسف أن معظم الفنانين كما نردد دائماً (حسناوات يغرهن الثناء) لا أحد يسأل نفسه: من هذه الجهة حتى يكون لها حق إصدار صكوك البراءة والغفران وبطاقات تقدير’مرحات’ الإبداع والتفوق… وما هو الرصيد الذي تصرف منه حتى يصبح لشهاداتها أي قيمة واعتراف؟!
ومن المؤسف أنه أصبحت لنا منذ سنوات، طريقة خاصة في التكريم يصح أن تحصل على براءة اختراع اسمها (تكريم على الطريقة السورية) حيث لا يطلب من جهة التكريم أي تاريخ مهني يستحق الاحترام… وحيث لا يكترث المكرم بأي انتقادات على الشكل والأسلوب والمصداقية، مادام أن له (حصة في المولد) ومادام أن بعض الفنانين يروق لهم أن يتصرفوا بطريقة (يا فيها يا اخفيها)!!
وفي المحصلة فمعظم مظاهر وحفلات التكريم التي تتوالى على الفنانين من كل حدب وصوب، ومن جهات مسؤولة وغير مسوؤلة، ما هي إلا صورة عن فوضى المعايير في بلد ليس فيه رأي عام، ولا مؤسسات مستقلة لاستطلاع الرأي، ولا صحافة حقيقية، ولا ما يحزنون!
ناقد فني من سورية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى