ومرت إحدى عشر عاما ولازلنا محكومون بالأمل
فرحان الخليل
( في ذكرى رحيل المبدع سعد الله ونوس )
في الخامس عشر من شهر أيار يصادف رحيل الكاتب المسرحي سعد الله ونوس , بعد أن صارع سرطان القهر وآفة الجحود . رحل سعدا ولا زالت صدى كلماته حين قال ” إن المسرح في الواقع هو أكثر من فن , إنه ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وقبحا وفقرا لو أضاعها وافتقر إليها ” وصية تركها لنا يوم كلف بكتابة وقراءة كلمة يوم المسرح العالمي في 27 آذار عام 1997 .. عام الرحيل .
كل عام في أيار يعود إلينا سعد الله بلا مسافة , كامتداد لا يستدير , كلغة توغل فينا وتلح بالسؤال : كيف حال المسرح ؟ .
ماذا سنقول ؟ أنقول أنه بخير وإن تجرأنا وقلنا أنه بخير يتراءى لنا همام حوت وأمثاله ممن يكرسون بؤس الثقافة والمسرح بإسفافهم وتفاهتهم بعد أن جمعوا كل حيثيات المسرح بشخصهم , فأصبحوا كتابا ومخرجين وممثلين وموسيقيين بأن واحد , وما يؤلم يا سعد أن الطرق مفروشة بالياسمين أمام هذا الرخص للوصول إلى خشبات المسارح والسطو عليها .
وإن قلنا أن المسرح يموت , نكون أقد أجحفنا بحق غسان مسعود وماهر صليبي وجهاد سعد وأمثالهم ممن تغلق الأبواب في وجوههم وهم يسعون ليكرسوا مقولتك ” إن ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ ” ولكنهم صامدون رغم هذي الهجمة المنظمة على الثقافة والتي تقودها عولمة مخيفة تفرغ الكائن من كل محتوياته الحضارية وإرثه التاريخي .
وها هو المعهد الذي ساهمت في حضوره ليكون منارة للمسرح وقبلة للمسرحيين والذي كنت معهم مؤسسا , وكنت فيه مدرسا , فقد أصبح الآن يخرج طلابا يهرولون من باب المعهد إلى أمام الكاميرا التلفزيونية وينسون المسرح , فماذا نقول ؟ وقد أكل عيوننا التلفزيون الذي أصبح فرجة سهلة وعلى متناول الكائن البشري , هذا التلفزيون الذي لا يمر على الثقافة بمعناها الفعلي والعملي حتى مرورا … لا بل يهمشها ويساهم بنزع الإنسان من جذوره عبر محطاته الفضائية والتي يقودها زعماء النفط والبلاهة وهم يبثون لنا الرخيص من الأغنيات والتافه من الدراما والتي أصبحنا نرفع رأسنا بها ابتداء من المسلسلات البدوية التي تشجع على التخلف والجهل وانتهاء بتهويمات نجدت أنزور باختراعاته الفنتازية والتي تساهم في التضليل المتعمد والمبرمج للقضاء على الثقافة والمثقفين .
فماذا نقول ؟ أنقول أننا خجلون من طقوس الصدق والكشف التي تركتها لنا؟, أم نكون صادقين ونعلن أننا لا زلنا نبحث في الغفلة عن يقظتنا ؟ أم نصرح أننا مهزومون منذ حفلة السمر التي رقصنا بها معا حتى أصبحت أيامنا كلها مخمورة بعد أن زوجنا فيل الملك وامتلأت الدنيا أفيالا تدمر تاريخنا وتخرب عقولنا , وأصبح لهذه الأفيال منظرين كابن خلدون في منمنماتك التاريخية ولم تعد تتسع هذه الرقعة لحب حقيقي نحمله سرا في قلوبنا خوفا من اغتياله …. فماذا نقول يا سعد … ماذا نقول ؟ .
لكن وبكوننا محكومون بالأمل لا بد أن تصهل فرسك أمام المسارح وتنحني كل أفراسك لتلثم مقبض بابها حين تفتحها لنا لندخل ونأخذ مكاننا أمام الخشبة ننتظر فتح ستارتها .
فرحان الخليل – اللاذقية 2008