هادي العلوي من رواد الفكر العربي الانعتاقي الحر
شاكر فريد حسن
يعتبر المفكر العراقي الراحل هادي العلوي، الذي مضى على غيابه عن عالمنا أحد عشر عاماّ، احد العلامات البارزة في حياتنا الثقافية والفكرية العربية المعاصرة، انه مفكر ومثقف وعالم جليل مستضيء بنور العقل. وهو زاهد متصوف، وحالم صوفي لم تغره مظاهر الدنيا الفانية،و انسان عميق الشعور بانسانيته، وعربي اصيل، وثائر حقيقي، واشتراكي نظيف، ومحارب صلب في عقيدته، ومستقيم في سلوكه.
عرف هادي العلوي بتزهده وتقشفه وميله للعزلة، وبالتزامه الفكري العقائدي الاممي التقدمي الانساني، وثقافته الواسعة، وفكره الانعتاقي الحر. وقد تنوعت ثقافته واتسعت معارفه وتعددت مواهبه، وغذّى فكره بالاطلاع على الحضارة العربية الاسلامية، فحفظ القرآن ونهج البلاغة والكثير من الشعر العربي القديم وهو لا يزال صبيا يافعا، ونذر حياته كلها من اجل الآخرين والمستقبل المشرق السعيد للعمال والكادحين.
اقتحم هادي العلوي ميدان البحث العلمي للتراث وسلط الاضواء الكاشفة على اسباب التخلف والجمود العربي، وشخص الامراض والعلل التي تنخر في عظام الامة العربية الاسلامية لتتخلص منها وتسير في طريق العلم والتقدم والازدهار والتطور الحضاري، وساهم بفعالية كبيرة في الحركة الوطنية العراقية. وآمن بالمنهج الماركسي، واقام صلة وثيقة بالحركة الشيوعية العراقية والحزب الشيوعي العراقي، وكان مغرما بالتجربة الصينية في بناء الاشتراكية، وعمل على تعريب الماركسية وتجذيرها في التراث المشاعي الاسلامي، وغمر فؤاده التفاؤل الانساني بان المستقبل للاشتراكية كنظام اجتماعي يسود العالم كله، رغم الانتكاسة التي منيت بها الحركة اليسارية العالمية في نهاية الثمانينيات. وهو من الشخصيات العراقية التي سعت الى تأسيس وبناء حركة دمقراطية واسعة تجعل من الدمقراطية وحقوق الانسان منهجا ثابتا لها، وانتخب عضوا في الهيئة القيادية للمجتمع الدمقراطي العراقي وساهم بنشاط في تحرير صحيفة “الغد الدمقراطي”.
نشر هادي العلوي كتاباته وابحاثه العلمية التاريخية والتراثية في الصحف والادبيات والمجلات والمنابر العراقية والعربية التقدمية والوطنية، ابرزها، “الثقافة الجديدة” و”الطريق”، و”المدى”، و”النهج” و”الحرية” الفلسطينية وسواها. وكان يرفض التعامل مع منابر “البترودولار” والنشر في الصحف والمجلات “النفطية” ايمانا منه بان الفكر لا يباع. وتميز هادي باسلوبه الرشيق الاخاذ والممتع القريب من النفس ومنهجيته وتراثه الفكري والتراثي، ولغته الجميلة، ومواقفه الوطنية التقدمية الكفاحية وماركسيته.
وكان لهادي العلوي الكثير من الملاحظات المثيرة حول الظواهر الفكرية والفلسفية واللغوية، وقد اعترض على مصطلح “الفلسفة العربية الاسلامية” الذي اختاره المفكر اللبناني الراحل د. حسين مروة عنوانا لكتابه الضخم “النزعات المادية” باعتبارها تزاوجا بين الواقع العربي والفكر الاسلامي.. وبهذا الصدد يقول: “وانا افضل تسمية حضارة اسلامية وفلسفة اسلامية وفكر اسلامي وعلوم اسلامية، لأنها ادق الدلالة على التركيب الحقيقي لهذا التراث، وعندما نتحدث عن تراث العقلانية العربية، فالحديث يجب ان يكون عن العقلانية الاسلامية، لأن العصر الجاهلي لا يصنف في عصور الحضارات، وبذلك يرجع تاريخ العقلانية الى القرن الاول الهجري.
ابقى هادي العلوي وراءه ثروة فكرية ومنجزات تاريخية جادة واضاءات هامة في الفكر والتاريخ والتراث العربي، نذكر منها: “في الدين والتراث، سياسات الاسلام، الاغتيال السياسي في الاسلام التعذيب في الاسلام، نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي مدارات صوفية، لزوميات المعري وفلسفته، ديوان الهجاء العربي، شخصيات غير قلقة في الاسلام، المرئي واللامرئي، المعجم العربي المعاصر، التراث والتاريخ في محطات، مقدمة في الاصلاح اللغوي، من قاموس التراث، المستطرف الجديد، المرأة عبر التاريخ وغير ذلك.
وكتاب “المستطرف الجديد” هو نصوص تراثية منتقاة بمعيار نقدي معاصر، ويقوم من خلاله برحلة متأنية في رحاب التاريخ الاسلامي، ويشتمل على ابواب في السياسة والعلم والفلسفة والاخلاق والحضارة والحب والمرأة والممنوعات.
اما كتابه “فصول عن المرأة” فهو دراسة لحياة المرأة العربية في الجاهلية والاسلام والصين، ويقدم مقارنة في اوضاع المرأة العربية في الجاهلية وما طرأ عليها من تطورات على امتداد العصر الاسلامي، وتتضمن مقارنات مع الموقف من المرأة في الحضارات الاخرى.
وهادي العلوي مثقف مغترب، وتنويري كوني تأثر بفيلسوف المعرة ابو العلاء، واتصف بآرائه السياسية والايديولوجية وراديكاليته الوطنية النظيفة والصافية وابعاد شخصيته المتوهجة التي امتزج فيها الزهد والتصوف مع الماركسية، والاستقامة مع الراديكالية، ولم يفصل بين سلوكه اليومي وقناعاته والتزام الفكري والسياسي.
وفي نهاية المطاف، هادي العلوي علم شامخ ولامع من اعلام ورواد الفكر الانعتاقي العربي المعاصر، حظي باحترام لنشاطه الفكري والعملي، ولمواقفه التقدمية والثورية الرافضة والمناهضة للفكر الرجعي البرجوازي والثقافة السطحية والاستهلاكية السائدة، وانحيازه لقضايا التحرر والانسان والدعوة الى خلاصه وتحريره من ربقة التخلف والاستعباد والاضطهاد القومي والطبقي، وامتاز بولع شديد خاص بمناقشة الاقتراحات المشاريعية المعاصرة بين كتاب زمانه، وقد افنى عمره بدراسة التاريخين الاسلامي والصيني والتعمق في فلسفتهما.
الحوار المتمدن