صفحات العالم

عن أزمة دبي

حسام عيتاني
ثمة ما يستدعي القلق في رد فعل أبو ظبي على الأزمة التي تتوالى فصولها في دبي. فقد نُسب إلى مسؤولين في حكومة الإمارات إنها لن تقدم تغطية شاملة لديون الشركات المتعثرة في دبي بل «ستنظر في كل حالة على حدة».
من وجهة النظر المالية، تقارب أبو ظبي مشكلة التأخر في تسديد ديون دبي التي طلبت مهلة ستة أشهر لدفع فوائد ديونها الضخمة بنوع من الحذر المهني، إذا جاز التعبير، في وقت كانت الجهات الدائنة قد بنت توقعاتها على تدخل «سياسي» من قبل حكومة الإمارات العربية المتحدة، أو من إمارة أبو ظبي، لمواجهة أي صعوبة مالية تبرز أمام دبي التي شغلت العالم بمشاريعها الباذخة وإفراطها في الإنفاق. بيد أن الأيام الماضية أظهرت أن لأبو ظبي رأياً آخر.
لعله لم يفت بعد وقت التذكير بالمخاطر التي تجاهلها اقتصاد دبي منذ حوالي العقدين. فعلى رغم النجاح في احتلال موقع مهم في الوساطة التجارية على المستويين الإقليمي والعالمي، إلا أن الإمارة كانت نموذجا لا يُحتذى للمغامرة الاقتصادية لناحية ضعف أسس الاقتصاد «الحقيقي» الذي يتعين عليه إسناد المشاريع التجارية والعقارية. ودبي ليست وحيدة في الخليج في المنحى هذا، لكن مقارنة ما اعتمدته دول شح فيها الإنتاج النفطي في العقد الماضي بما جرى في دبي التي لم تكن في يوم تملك احتياطاً نفطياً كبيراً، يعلن من دون لبس أن الطريق الذي اختارته الإمارة بالغ مبالغة كبيرة في ارتباطه بمناخات وتيارات عالمية لم تثبت نجاعة في تجاوز أزمات سابقة.
بالعودة إلى رد فعل أبو ظبي، يتعين القول أن خشية تبرز من أن يكون الباعث على «الحذر» في نجدة دبي المتعثرة، لا يقتصر على الأسباب الاقتصادية والمالية.
وتبرر الجولة الأخيرة من العداء بين الجزائر ومصر إبداء الخشية من أن تكون العلاقات العربية الداخلية، المريضة والرابضة تحت رماد المظاهر الخادعة في انتظار مباراة كرة قدم أو أزمة مالية، علة تضاف إلى علل الاقتصاد والمؤسسات المالية والعقارية.
وربما من الإنصاف القول أن المشكلة في دبي والتي بدأ حجمها يتضح في الأسبوع الماضي (على رغم أن نُذرها ظهرت منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية في أيلول (سبتمبر) 2008)، لا تعني الإمارات أو دول الخليج وحدها. واستعراض أسماء الجهات التي ستُمنى بخسائر فادحة في الولايات المتحدة وأوروبا وصولاً الى الانعكاسات السلبية على عدد من الدول العربية، يشير إلى أمرين. أولهما أن إخفاق المغامرات الاقتصادية لا يصيب أصحابها المباشرين فحسب، بل يتجاوزهم إلى سلسلة طويلة من المتضررين المنتشرين في أرجاء العالم. وثانيهما، أن كبح جماح المشاريع الضخمة التي تقام على رمال رخوة من «رؤى» فردية تنقصها الدراسة العلمية الدقيقة، بات من مسؤولية الهيئات الاقتصادية والسياسية المحلية والدولية.
يدفع الرأي هذا إلى التساؤل عن آليات الرقابة والمساءلة وتوسيع قواعد الحكم الصالح في بلداننا العربية. غني عن البيان أن مقاربة كهذه ترتبط بالقرار السياسي من جهة، وبرغبة لا تعلنها مجتمعاتنا في تجنب المزيد من المغامرات المختلفة الأنواع.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى