هل موقف تركيا يوقظ نيام أمتنا؟!
محمد فاروق الإمام
في حملة عنصرية غير مسبوقة أقدمت الحكومة السويسرية على إجراء استفتاء شعبي لحظر بناء المآذن في المساجد، في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان التي كفلت حرية العبادة وأبنية دور العبادة ورموزها وهياكلها وكيفية أشكالها، التي كانت سويسرا تعتبر في مقدمة الدول الغربية والعالمية احتراماً لهذه القوانين والشرائع التي أقرها المجتمع الدولي وعمل بها منذ قيام عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة.
سويسرا التي يشكل المال العربي المختزن في بنوكها نحو 400 مليار دولار، أي مانسبته 20% من مخزونها النقدي، ويشكل في ميزانها الاقتصادي والتجاري نحو 20%، أي أن سويسرا تدين للمال العربي والتجارة البينية بينها وبين العرب إلى نحو 40% من اقتصادها، فيما تمثل السياحة الوافدة من العالم الإسلامي، خاصة دول الخليج، جانبا مهما من السياحة السويسرية.. وبالتالي فإن سحب هذه الأموال ومقاطعة بضائعها ووقف السياحة العربية إليها سوف يجعل اقتصادها ينهار سريعاً وخاصة ونحن نعيش أزمة اقتصادية عالمية!!
سويسرا لم تعر كل هذا أية قيمة، وضربت عرض الحائط بكل مصالحها مع العرب، وأجرت الاستفتاء العنصري الذي صوَّت فيه 57.4% من السويسريين في استفتاء عام الأحد الماضي لصالح اقتراح قدمه اليمين السويسري المتطرف بحظر بناء المآذن باعتبارها مؤشراً على التمدد الإسلامي في سويسرا”.
طبعاً كان رد الفعل العربي الرسمي مخزي ومخجل، حيث لم تندد دولة عربية واحدة بهذا الاستفتاء العنصري ونتائجه، ولم نسمع أن وزير خارجية دولة عربية واحدة استدعى سفير سويسرا وأبلغه استنكار دولته لما أقدمت عليه حكومته، من استفتاء عنصري يريد الإسلام والمسلمين ودور عبادتهم دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى على كثرتها ممن يعيشون في سويسرا.
وجاء الرد الحاسم والقوي من دولتين إسلاميتين غير عربيتين هما أندنوسيا وتركيا، ففي أحد أقوى ردود الفعل الرسمية القليلة الصادرة من العالم الإسلامي إزاء التصويت بمنع بناء المآذن في سويسرا، وصف الرئيس التركي عبد الله جول الثلاثاء 1/12/2009 الاستفتاء ونتيجته بأنه (عار على سويسرا، وعلامة أخرى على تنامي الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) في أوروبا، مطالباً باتخاذ ردود فعل سريعة إزاء هذا التطور الجديد من فصول (كراهية الإسلام) في الغرب.
فيما حثَّ وزيرٌ بالحكومة التركية الدول الإسلامية ورجال أعمالها على سحب أموالهم واستثماراتهم من سويسرا وتوجيهها إلى تركيا “التي تفتح بنوكها القوية أبوابها على مصراعيها لأموال العرب والمسلمين).
وبحسب ما نقلته صحيفة (زمان) التركية الأربعاء 2-12-2009 قال (أجامان باغيش)، وزير الدولة ورئيس فريق التفاوض مع الاتحاد الأوروبي: (بعد استفتاء الأحد 29-11-2009 فإنني أدعو المسلمين إلى إعادة التفكير في خياراتهم المصرفية، وأنا على يقين من أن هذا الاستفتاء مناسبة لإخواننا في الدول الإسلامية الذين يودعون أموالهم في البنوك السويسرية لأن يعيدوا النظر).
ووسط عدد من الصحفيين الذين كان يتحدث إليهم في العاصمة السويدية أستوكهولم حث باغيش المسلمين على (أن ينظروا إلى تركيا كبديل أبواب بنوكنا التي نجت من عاصفة الأزمة المالية العالمية الضخمة تفتح ذراعيها لاستقبالهم).
وقارن الوزير التركي بين الوضع في سويسرا بعد هذا الاستفتاء، التي ينظر العالم لها على أنها واحة الديمقراطية والتسامح، وبين (مستوى الاحترام والتسامح الذي توليه تركيا التي يصل عدد مسلميها إلى 99% للأقليات من اليهود والأرمن واليونانيين المسيحيين الذين يمارسون شعائرهم بحرية تامة في الكنائس والمعابد).
وتعد دعوة باغيش المستثمرين المسلمين لسحب أموالهم من سويسرا وتوجيهها إلى تركيا انعكاساً مباشراً لسياسة حكومة حزب العدالة والتنمية منذ قدومها للحكم عام 2002 الخاصة بتقوية علاقاتها مع كل دول العالم الإسلامي، واضعة بذلك حداً لسياسة الدولة التركية الحديثة في تقليص علاقاتها بهذا الجزء المهم من العالم، والتي وضعها مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك منذ عشرينيات القرن الماضي.
كما تتلاقى دعوة باغيش مع القلق الذي يضرب كلاً من الحكومة والبنوك السويسرية من ردة فعل بعض هؤلاء المستثمرين على التصويت بحظر بناء المآذن، خاصة مع إعراب مسلمين عن قلقهم من أن يكون الحظر مجرد خطوة لحظر بناء المساجد ذاتها، وما يعنيه هذا من سحب كثير من الحقوق والمزايا التي يتمتع بها المسلمون في هذا البلد.
ويخشى المسؤولون عن البنوك السويسرية أن تصبح البنوك الخاسر الأكبر في تلك الأزمة، خاصة في هذا الوقت الذي تأمل فيه أن تكون البديل الأوفر حظاً أمام العملاء المسلمين وسط حالات التدهور والإفلاس التي تضرب البنوك الأوروبية والأمريكية.
ومن علامات تعويل سويسرا بقوة على الأموال الإسلامية في حماية اقتصادها من عواصف الأزمة المالية العالمية إعلان بنك (ساراسين) – أحد أكبر بنوكها الخاصة- قبل عدة أيام من إجراء الاستفتاء أنه أدرج نظام التمويل الإسلامي ضمن خدماته المالية كأول بنك سويسري يقدم على هذه الخطوة.
وتعد تصريحات باغيش أحدث ردود الفعل الرسمية التركية إزاء الاستفتاء السويسري، فقبيل زيارته إلى الأردن، وفي موجة غضب واضحة قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إنه (ما كان يجب البتة إحالة قضية تمس حرية المعتقد الديني لاستفتاء شعبي)، معتبرا أن الوصول لهذه المرحلة هو (انعكاس لتصاعد العنصرية ضد الإسلام في أوروبا).
وأمام برلمان بلاده طالب أردوغان الاثنين 30-11-2009 سويسرا بالتراجع عن الاستفتاء قائلا: (من واجبنا دعوتهم إلى التراجع عن هذا الخطأ في أقرب الآجال)، واصفاً كراهية الإسلام بأنها (جريمة ضد الإنسانية).
ويعيش بسويسرا حسب الإحصاءات الحكومية الأخيرة نحو 400 ألف مسلم من أصل تعداد سكاني يبلغ 5.7 ملايين نسمة، ما يجعل الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في البلاد، ولا يوجد في سويسرا سوى 4 مساجد لها مآذن.
مواقف الحكومة التركية الشجاعة غير المسبوقة في دفاعها عن المسلمين والإسلام ودور عبادتهم هل ستحرك نيام أمتنا وينتفضوا في وجه العنصرية الغربية المقيتة التي تهدد الإسلام والمسلمين ودور عبادتهم في أوروبا، ويهددوا – مجرد تهديد بلا فعل – سويسرا بسحب ما أودعوه في بنوكها من أموال العرب، إن لم تتراجع الحكومة السويسرية عن اعتماد الاستفتاء الذي أجرته لحظر بناء المآذن في المساجد الإسلامية الموجودة فيها، ووقف الحملة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين؟!
خاص – صفحات سورية –