مدير المخفر السينمائي يخوّن كل مَنْ قاطع المهرجان..!!
مهرجان دمشق السينمائي: الكل موتورون وأجهزة البعث على حق..!
دمشق السنمائي دورة في 30 عاماً.. شيخوخة مهرجان
مهرجان دمشق السينمائي.. فنّ تنظيم مهرجان من أفلام المستودعات.
سينما سورية غير قادرة على المنافسة في مسابقة مهرجان دمشق.
حرب كلامية بين رئيس “دمشق السينمائي” ومخرجين.
مهرجان «دمشق السينمائي» أخرج العفريت من القمقم.. إنتاج قليل وجوائز دولية.
هذه بعض المانشيتات التي تصدّرت صفحات الإعلام في سوريا وخارجها قبل وأثناء وبعد نهاية مهرجان دمشق السينمائي في نسخته السابعة عشرة..
صحفيون حملوا بشدّة على المهرجان بعدما تابعوه، وسينمائيون من مخرجين وفنانين استبقوا المهرجان بمقاطعته، في مقابل إصرار أحمق من مدير “المخفر السينمائي” محمد الأحمد على تشويه صورة منتقديه إلى حدّ التخوين على طريقة القيادة البعثية في الردّ على منتقدي سياساتها من السوريين.
هرج ومرج ساد الشارع السوري خلال المهرجان، خلص في نهايته معظم المتابعين إلى فشل ذريع لحق بالمهرجان خلال دورته الأخيرة بفعل تراكم أخطاء الإدارة البعثية للمهرجان على كافة الصعد، ليس أخطرها على ما يبدو وجود ثلاث صالات سينمائية فقط لاحتضان مهرجان يصبو إلى العالمية.
إزاء ذلك، كان ردّ إدارة المهرجان كالعادة على منتقديها بأنّ هؤلاء سعوا إلى إفشال المهرجان جرّاء خلافات شخصية مع مدير مؤسسة السينما، غير أنه –المهرجان- أثبت علو كعبه ونجح بامتياز واستطاع استقطاب أهم الشخصيات السينمائية، رغم أنّ شيئاً من هذا لم يحدث، الأمر الذي أشعل عاصفة من التعليقات على مواقع الصحف ليقول أحدهم عرّف عن نفسه باسم “شامي حزين” في تعليق مميّز يصف حال السينما في سوريا كالتالي:
“يكفيك رؤية أحد احتفالاتنا بالمناسبات الوطنية (ذكرى حرب تشرين… ذكرى تأسيس حزب البعث …الخ)… كيف يخرج كل الشعب (للاحتفال والرقص)… عندها ستعلم أن سوريا هي أكبر صالة سينما وفيها أكبر عدد ممثلين بالعالم.. وبعد كل هذا نرى من يشكّك بأحقّيتنا بإقامة مهرجان للسينما..!!!!!!”.
الشخصيّات المدعوّة إلى المهرجان كانت منتقاة بعناية، بحيث تكيل المديح للمهرجان والقائمين عليه بشكل مفضوح، وصل إلى حدّ تضمين البيان الختامي للمهرجان عبارات لا تليق بمهرجان سينمائي من قريب أو بعيد: “.. وأشاد المشاركون بالقيادة الحكيمة للرئيس السوري..”..
ورغم الحرص الكبير من أجهزة السينما البعثية على اختيار ضيوف مدّاحين، إلا أنّ الفراغ الذي سيطر على مقرّ المهرجان كان فضيحة كبرى، حيث لم يشهد مقرّ إقامة ضيوف المهرجان من نجوم ونقّاد وصحافيين أي تجمّع أو حشد جماهيري، كما كان يحدث في الدورات السابقة، بسبب نوعيّة النجوم وخاصة المصريين منهم، الذين استضافهم المهرجان، والذين ينتمون لأجيال أخلت أمكنتها لوجوه جديدة، إلى الدرجة التي جعلت النجمة المصرية نيللي تعبّر في حفل افتتاح المهرجان عن دهشتها لإصرار المهرجان على دعوتها سنوياً..!
حصيلة المهرجان الذي حملت دورته هذا العام شعار: “دمشق.. سينما ومكان”، كانت باهتة جداً.. فلو تحدّثنا عن مكاسب السينما السورية في هذه الدورة لوجدنا إجماعاً من السينمائيين السوريين على أنها صفر بامتياز.. فيلمان سوريان يُعَدّان من أسوأ الإنتاج السينمائي السوري عبر أربعة عقود..
فبعدما أثار عرض فيلم “بوّابة الجنة” استياءً عاماً لدى النقاد ولدى الجمهور السوري الذي أقدم بكثافة –افتقدها المهرجان- على مشاهدته، وذلك بسبب طريقة الطرح ومستوى المعالجة الفني المتدني مقارنةً بمستوى الأفلام الأخرى المشاركة، علّق الكثير الأمل على الفيلم السوري الآخر ولكنه لم ينل الإعجاب أيضاً. وظلّ الفيلم الآخر “مرّة أخرى” محاولة قاصرة لتصوير قصة قائمة بين مكانين وزمانين هما في الواقع حربان: حرب العام 1982 وحرب العام 2006 في لبنان.
هذا فيما يخصّ المشاركة السورية، أما المشاركة الخارجية والتي كانت تُعتبر الهويّة التي ميّزت المهرجان إلى ما قبل ثلاث سنوات، فقد ضاعت هذا العام بفعل لهاث المهرجان لتقليد أو منافسة المهرجانات التي كان يختلف عنها، والتي لن يستطيع مجاراتها كونه لا يمتلك قدراتها المالية أو سمعتها الدولية، وهما الشرطان الأساسيان لأي مهرجان يسعى للحصول على أحدث النتاجات السينمائية.. الأمر الذي حولّ الدورة ال17 للمهرجان إلى دورة باهتة لمهرجان عجوز اعتمد من بين 221 فيلماً طويلاً على 155 فيلماً قديماً، تمّ إخراجها من مستودعات المؤسسة العامة للسينما، أو استعين في تنظيمها بسفارات دولها.
وقاطع العديد من المخرجين والكتّاب والفنانين مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر، واعتصموا في مقرّ فندق الشام في دمشق عشية افتتاح المهرجان، كما أصدروا بياناً وقّعه المخرجون عمر أميرلاي ونبيل المالح وأسامة محمد ومحمد ملص ومأمون البني والفنانون بسام كوسا وبشار اسماعيل وسحر فوزي وريم علي، والكاتبان أحمد حامد وفؤاد حميرة وآخرون، احتجّوا فيه على أخطاء المهرجان، وقالوا أنه “لم يسبق أن حصل إجماع ضد مؤسسة السينما في سوريا كما هو الوضع اليوم”.
وأعلنوا في بيانهم أن أرواحهم وعقولهم قد عافت هذا “الدجل السينمائي” الذي تقيمه الإدارة الحالية لمؤسسة السينما لتغطية العجز والخراب السينمائي الذي لحق بالحال السينمائي في البلاد.. وأشاروا إلى “أن هذا المهرجان يغطي غياب أي إرادة أو عمل فعلي لدى وزارة الثقافة لوضع سياسة سينمائية صحيحة تنتصر للسينما ولمشروعها الثقافي المجتمعي”. كما أضافوا: “لقد غدا ما يسمّونه مهرجان للسينما قرقعة وضجيجاً خاوياً يعلو صخبه كلما غارت الحال السينمائي في مزيد من الخراب، وكلما علا منسوب العجز والفساد والفردية والإقصاء وغياب الموهبة والعقل في زوايا هذا الإدارة للسينما في بلادنا”. وختم المقاطعون “ننأى بأنفسنا عن هذا الاستعراض الهازل.. وندعو الى الكشف والإدانة والمقاطعة”.
هذا الموقف الرافض لعبث الفاسدين بكنوز سوريا السينمائية لم تتحمّله خفافيش الظلام المهيمنة على الخطاب السينمائي، إذ بعد يوم واحد من اختتام فعاليات المهرجان رشق مدير المخفر السينمائي محمد الأحمد السينمائيين العزّل ممّن قاطعوا المهرجان بأسوأ العبارات عبر مؤتمر صحفي تمّ بمساهمة وتغطية من وزارة الثقافة، وجاء في كلام الأحمد: “إن كل من قاطع المهرجان من أهل السينما السورية أصحاب مشاكل شخصية معه وليس لهم أي نقطة تسجّل على المهرجان”.
وهاجم الأحمد المخرج محمد ملص بشكل حادّ، وقال أن الأخير قاطع المهرجان بسبب رفض المؤسسة العامة لسيناريو فيلم يصوّر فيه زوجته السابقة “بشكل مخزٍ..!”، وربط الأحمد المهرجان الدمشقي بالحالة الوطنية التي تغيب عنها نجوم السينما، وسمّى منهم إضافة إلى ملص كلاً من المخرجين نبيل المالح وعمر أميرلاي.
سجّل الأحمد اعتراضه على المخرج عمر أميرالاي وتحدّث عن “أزمة ثقة” مع صاحب فيلم “الدجاج”، فقال: “أميرلاي ليس ابن المؤسسة ولم تنتج له المؤسسة إلا عام 1974، وهو أراد أن يقدم لنا فيلماً عن الآثار فكان فيلماً بعنوان “طوفان في بلاد البعث”. جدير بالذكر في هذ السياق، أن السلطات السورية منعت أميرلاي من السفر واستوقفته بعد استجوابه لمدة 13 ساعة حول الفيلم الذي يتحدث عن تجربة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، ويتناول “قضايا أساسية.. وخاصة تربية جيل”..
تصريحات الأحمد لم تفاجئ السينمائيين السوريين كثيراً، لأنّ الجميع يعلم من هو محمد الأحمد.. وفي تعليقه على هذا الكلام، ردّ المخرج محمد ملص: “القصة ليست قصة بناء ثقة… فالموضوع بيني وبين محمد الأحمد ليس موضوعاً شخصيّاً يتعلّق بسيناريو، وهو عندما يتهم أسامة محمد أو عمر أميرلاي يريد أن يجرّد الحالة السينمائية من جوهرها، ويردّها إلى قضية شخصية ومزاجية..”. ويضيف: إنّ الأحمد قال أننا قاطعنا مهرجان الوطن، والحقيقة أن معظم الفنانين السوريين غائبون عن السينما السورية ومهرجاناتها.. فالمقاطعة الصامتة لهذا المهرجان قديمة ومنذ سنوات، والكثير من الضيوف كانوا يتساءلون على صفحات الجرائد: أين الفنانون والسينمائيون السوريون؟ حتى إن عدداً لا بأس به من المعنيين بالسينما والمتابعين لها يحضرون فلا يجدون مقاعد لهم فيهمّون بالانصراف.. فهل هؤلاء كلهم على خلاف شخصي مع الأحمد؟ كلا طبعاً.. فهو كارثة حقيقية حاقت بحالنا السينمائي منذ أكثر من عشر سنوات.
وأضاف ملص: عندما يقيس الأحمد العلاقة بمهرجانه بالعلاقة مع الوطن يكون جنون العظمة قد اكتمل في شخصيته.. فهو ليس الوطن.. ومهرجاناته التي يهدر فيها أموال الوطن من دون أية قيمة للعمل والفعل المهني الحقيقي، وهو بذاته، موضع أسئلة ومحاسبة الوطن. ومنذ سنوات والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تنبش ملفات إثر ملفات في مؤسسة السينما.. وبقدرة قادر دائماً تؤجّل وتمدّد المهل.
من جهته اعتبر المخرج نبيل المالح كلام الأحمد عن وجود خلافات وإشكالات مع آخرين دليلاً على أنه متورط بتدمير مشروع ثقافي في سوريا.. “وهذه هي حالة السينما السورية، لأن إشكالاته الشخصية إن انحصرت مع رموز في السينما، فهذا يعني أنه على خلاف مع الرموز، وبالتالي هو في موقع لا يخدم السينما”.
وتابع المالح: إذا كان من شيء شخصي بيننا وبينه، فينحصر في أننا نعتبره قد قام بضرب ما بنيناه منذ نهاية الستينات من خلال سيره عكس الاتجاه.. وهو الشخص الذي “شخصن” المؤسسة العامة للسينما وجعلها مزرعة خاصة له، والسبب وجود من يسنده في الدولة، فهو مدعوم، ومن يدعمه أنقذه من ملفات قضائية ورقابية كثيرة مرفوعة ضدّه منذ سنوات.. أما نحن فليس لدينا من يدعمنا أو يسند ظهورنا سوى تاريخنا الذي يشفع لنا.
وميّز المالح بين القطيعة مع المهرجان والقطيعة مع الوطن التي رمى إليها محمد الأحمد مؤكداً: “بالنسبة لمقاطعة المهرجان، نعم نحن قمنا بذلك، ولكننا لم نقاطع المهرجان كمهرجان، بل على العكس، نتمنّى أن تنظم المهرجانات في بلدنا، لكننا فعلنا ما فعلناه لأننا رأينا فيه (بروازاً) لمؤسسة فشلت في فعل أي شيء للسينما السورية”.
وفي النهاية أشار المالح إلى تواطؤ وزارة الثقافة مع مدير المخفر السينمائي قائلاً: “ما يحزّ في نفسي أن هجومه علينا وتشهيره بنا في مؤتمر صحافي بعد المهرجان بيوم واحد، تمّ بمساهمة وتغطية من وزارة الثقافة.. ولم أسمع في حياتي أن مؤسسة أو وزارة تقوم بمهاجمة أبنائها في مؤتمر صحافي، وفي الوقت نفسه تدافع عن البيروقراطيين”.
صنّف المخرج عمر أميرلاي المهرجانات التي تقيمها المؤسسة العامة للسينما “بالأمر غير الجديد في شراء البكارة السياسية لدى القائمين على مؤسسة السينما.. وهذا ليس في مؤسسة السينما وحدها، وإنما في بقية المؤسسات العامة التي تقيم الندوات والاحتفالات والتظاهرات من أجل إيصال رسالة أساسية هي تجديد الولاء وكسب رضى السلطة، وتذكير السلطة بوجودهم كمسؤولين على رأس مؤسسات الدولة”… ورفض أميرلاي التماهي مع مهرجان دمشق، وقال أنه “لا يمكن أن تقدّم شيئاً شريفاً للسينما في سوريا من دون أن تصطدم بالسلطات الرسمية فنياً أو سياسياً أو حتى أخلاقياً. لذلك ابتعدت عن شر المهرجانات ولم أغنِّ لها بل ندبتها”. كما دعا “المثقفين السوريين، وكل من يعلن نفسه كمثقف، لإصدار بيان يستنكرون فيه هذه المعاملة المهينة للثقافة والمثقفين.. فإذا كانت هذه الثقافة تحترم الثقافة والمثقفين يجب أن يكون لديها الجرأة أن تخلّص الثقافة من هؤلاء.. ولكن غالباً ما يكون الشخص الذي يعيّن مسؤولاً عن الثقافة في سوريا مكافأة لمسيرة من الفساد والموالاة الكاذبة والتزلّف للسلطة.. لذلك لا يختلف مساره عن مسار الآخرين”. وأضاف أميرلاي أن “القصة لن تُحلّ إلا برحيل يهوذا السينما السورية وأن يكون مهرجان دمشق الحالي هو العشاء الأخير له”.
نداء سوريا
تعليق واحد