أجساد محرّمة؟
احمد بزون
امتنعت المطابع السورية عن طباعة كتاب يضم تجربة الفنان أسعد عرابي في تصوير العري، في حين أجازت الرقابة الرسمية نشر الكتاب، مع أن المطابع نفسها نشرت، من قبل، كتباً لفنانين آخرين فيها صور لوحات من هذا النوع. الخبر الذي وزعته وكالة الأنباء الفرنسية وضعنا أمام مفارقة جديدة، بدأت في السعودية، عندما أقر الملك السماح للنساء بقيادة السيارة، في حين لم يسهل المجتمع المدني تطبيق القرارات.
إنها مشكلة جديدة، ما هي إلا امتداد لتوسع الأصوليات، وضغطها المتعاظم على المجتمع، بقصد إمساكه من أذنيه وفرض مواقفها وآرائها ومفاهيمها المتطرفة عليه. فالكل يتفهم أن رسم العري لم يهدف لإثارة الغرائز أو الإغراء أو ما إلى ذلك من مقولات، بل يمجّد الجسد الذي خلقه الله، ويعمل على كشف جمالياته، بل يتخذ الفنان من هذا الجسد حجة أو نافذة، تماماً كالمنظر الطبيعي أو أي موضوع آخر، يريده منطلقاً للتعبير ومتكأ لاختزال الأفكار وإطلاق التشكيل نحو آفاقه الإبداعية.
المشكلة في أن من يرفض من أصحاب المطابع ليس بالضرورة مؤمناً بتحريم تلك الرسوم، لكنه قد يجاري سلطان التحريم والسلطة الدينية المتمادية في فرض قناعاتها المتطرفة بالقوة أحياناً، متناسياً ما تبقى من فئات المجتمع، وقافزاً فوق اعتبارات الآخرين وحقيقة نظرتهم إلى الفن. علماً أن الفنان عرابي لا يستخدم في رسمه أو تصويره اللوني الأسلوب الواقعي المباشر أو أي لغة تصويرية تمثيلية تقليدية، فهو يُلبس العري الكثير من الانزياحات والمساحات التعبيرية المجردة ويحرر ألوانه من أي فوتوغرافية ساذجة أو مجاراة لإضاءة أو تظليل طبيعيين، فالجسد يتحول إلى مساحة لسرد تاريخ وذاكرة وأحاسيس، الخصوصية الجمالية لجسد الإنسان، بل جسد المرأة خصوصاً، أقدر أحياناً على حمل رسائل الفنان وهواجسه وآيات إبداعه، وأقدر استجابة لأحاسيسه.
إنها حواجز تصنعها فئة من الناس، ويمتثل لها آخرون، ينساقون إلى الموجة الجديدة من التطرف وتعقيد الحياة والمجتمع، وليس بعيداً أن ينساق إليها فنانون يرسمون العري، ويخبئونه في محترفاتهم إلى يوم ترى فيه أعمالهم السجينة الضوء. حتى أننا لا نعرف إلا بالصدفة وجود مثل هذه الأعمال في المحترفات. بعض الفنانين كان يعرض عري أعماله في ما مضى، وهو يسترها اليوم في حلك الظلام. ولا ندري إذا كان يمكن أن يتدهور الوضع في بلادنا إلى درجة «تُصفّى» فيها المحترفات، و«تُطهّر» المتاحف من الحجارة العارية، أو من الصور التي ينحسر فيها ثوب امرأة عن زندها أو ساقها، أو تُقتحم وتُدمّر الآثار كما حصل للتماثيل البوذية في أفغانستان، ويصبح على الفنان أن يخبئ أعماله تحت الأرض، واعداً بها أجيالاً مقبلة، أو عليه أن يهرب بفنه إلى بلاد الغرب لتصبح أوطانه في ما بعد.
رغم كل هذه الحواجز، ننتظر أسعد عرابي في بيروت، عارضاً عارياته هذا الشهر، كما ننتظر كتابه الذي يمكنه تخطي مطابع دمشق، ليصلنا متحفاً صغيراً محمولاً على جناحين لن يفقدا حريتهما.
السفير