صفحات الناس

الحكومة والمواطن : من يدعم من ؟

null
همام كدر
لا أعرف بالضبط متى تقرر حكومتنا “الرشيدة” البدء بتوزيع بطاقات المازوت المخفضة على الشعب الذي وصل البرد إلى عظامه ولم يصله دعم الحكومة. بعد تداول الموضوع في مجلس الشعب لأكثر من جلسة ساخنة، وبناءً على دراسات أجريت “صورياً” على شعبنا “الأبي” لاستبيان من يستحق الحكومة، أخذت الشائعات تحاك حول المازوت هنا وهناك، فالبعض قال إن كل من يزيد دخل أسرته مجتمعة عن 400 ألف ليرة سنوية لن يحصل على دعم الحكومة المنتظر . والبعض الآخر قال أن من تزيد فاتورة خطه الخليوي عن 4 آلاف ليرة سيلاقي نفس المصير حتى أن النكات بدأت تصدر بأن من يحمل فلاشة 8 غيغا لن يستحق الدعم، ومن يدخن “الكينت” أو “الدفدوف” أو يلبس حذاءً إيطالي الصنع أو ما شابه.
وهات على شائعات تدار وتحاك كل يوم في مجالس السوريين الفقراء ومتوسطي الدخل على الأغلب لأن أحداً سواهم لن ينتظر من أحد أن يدعمه، ولو سألت أي سوري هل قام أحد بسؤالك أو استبيّن رأيك عن الدعم أو عن سواه من القرارات لقال لك بكل بساطة لا. يبدو أن الحكومة أجرت الدراسات “السرية” وأصدرت البيان “التهديدي” بأن المواطن لو كذب ببند واحد فأنه لن يخسر دعمنا فحسب بل سيتعرض لعقوبات اقتصادية أخرى . أما الاستبيان المذكور سيوزع على الناس ربما مع المازوت……
لكن الشعب السوريّ الذي تعلم جيداً سياسة “تدوير الأزمات” تجاه ما يعترضه “معيشياً” يجد دائماً ما يلهيه عن همّه بهمّ جديدٍ يقضي به بعض الوقت قبل الانتقال لموضوع آخر، و قد يكون في منحى مختلف كلياً مثلما تحدث أغلب السوريين عن مهرجان السينما بين رفض وقبول، ومعارضة وموالاة لمهرجان دمشق السينمائي الموصوف بـ”الدولي”.
كذلك تفاعل كلّ الشارع السوري بأحداث مبارتي مصر والجزائر من ناحية كرة القدم ثم تفرغ السورييون بشيبهم وشبانهم للحديث عن منتخبهم الوطني عندما تأهل لنهائيات كأس أسيا بأداء هزيل وخرج الكل ليدلي برأيه بالمدرب الوطني فجر إبراهيم. البعض طالب برأسه والبعض قال دعوه يعمل. ويكفينا أن واحداً من اثنين سوريين يعشق كرة القدم والآخر يعرف على الأقل كل إنجازاتنا بها على قلتها ربما.
مع قدوم العيد تغيّر مجرى الحديث قليلا من الدعم وكرة القدم إلى الثياب والأكل والنزهات الصغيرة المتوقعة فتنفست الحكومة الصعداء بتحييدها عن النقد في الصحافة والشارع . ولو عدنا قليلاً إلى الوراء نجد أزمة لها علاقة بتوزيع الخبز في بعض المحافظات السورية منها حمص على سبيل المثال فكان المواطن ولأكثر من سنة يقف بطابور الدور على باب المخبز لمدة تزيد عن 4 ساعات للحصول على ربطة خبز واحدة، وبالنسبة للمازوت فإنّ هذه الأزمة لا تجد لها حلاً شافياً.
شهدت بلادنا أيضاً قبل أعوام صوراً مشابهة للخبز مع قلة توزيع المازوت على السائقين الذين يستخدمون هذا النوع من الوقود في سيارتهم كان ذلك قبل أقل من 3 سنوات كان صف “البيدونات” يصل لخمسين مترا .
اليوم وبعد العيد سيعود الحديث عن الأزمة المرورية في المحافظات الكبرى وخصوصا دمشق فلو أردت الاتنقال من أي حي لآخر بينهما مسافة لا تتجاوز 5 كم فأنك تحتاج على الأقل ل40 دقيقة ولو كنت طالباً جامعياً وتحتاج لمقعد شاغر في سرفيس النقل العام فإن ذلك يمثل حلماً صعب المنال خصوصاً في ساعات الذروة وساعات الذورة هذه من السابعة صباحا ًولغاية الرابعة بعد الظهر.
وسيعود السورييون بقوة بعد العيد وخصوصاً الأوساط المثقفة منهم للحديث من جديد عن مشروع مسودة قانون الأحوال الشخصية. فبعد العاصفة “المدنية” التي رفضت بالمجمل هذا القانون بردت الأعصاب قليلا بوعود تقول أن المشروع سيتوقف، عادت قضية أحوال السوريين الشخصية لطاولة النقاش لمحاولة منع هذا المشروع لما فيه من تفرقة للسوريين حسب رأي معارضيه.
المراقبون من الداخل والخارج (مع أن الدولة تنزعج من مصطلح مراقبي أو معارضي الخارج) كرروا الدعوات الحالية للحكومة إلى الإلتفات قليلا لشعبها الذي وقف إلى جانبها بكل قواه أثناء اشتداد الأزمة على البلاد منذ عام 2005 قبل رحيل الإدارة الأمريكية القديمة. والجميع شهدوا لسورية أنها استطاعت أن تدخل عام 2009 بانفتاح إلى العالم تاق إليه اقتصادها أولا، لكن البعض يرى أن الحكومة لم تبادل شعبها بالوقوف إلى جانبه بالأزمات رغم بعض الإشرافات هنا وهناك التي لا يستطيع أحد تجاهلها، لكن الجميع يصبو لمتنفس معيشي “جديد” بالدرجة الأولى ومتنفس ديمقراطي “حقيقي” بالدرجة الثانية.
– الجزيرة توك – دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى