صفحات من مدونات سورية

ثم ضرط سعيد بن سيمور..

بدايةً أود أن أعبّر عن أسفي الشديد لأهالي الضحايا الذين وقعوا خلال الانفجار الذي حدث قرب منطقة السيدة زينب – ريف دمشق (الديابية) هذا اليوم الخميس الثالث من ديسمبر 2009..
لكن يبدو أن عطلة الأعياد كان لها بعض التأثير فما زال البعض يعيش في مرحلة عطلة ما – ذهنياً على الأقل – . كان ذلك واضحاً من خلال التضخيم والانتقال إلى النتائج المسبقة والمستهلكة والتي لم تخلو صفحات الانترنت وبعض المدونات منها هذا اليوم..
* * *
هذا أولاً.. وثانياً أودّ أن أحكي قصة قصيرة حدثت معي ذات يوم:
كان لي صديق ولنفرض أن اسمه كان “محمد” مثلاً، أو لا لنجعله (طارق) مثلاً حتى لا اتّهم بالتشدد والرجعية والتخلف ومعاداة الليبرالية وأسس الحرية الأمريكية أو العلمانوية العربية.. أو whatever.. رغم أن الإسلام كان له دور لا يقل أهمية عن بقية الأديان في دفع عجلة التاريخ فالمسلمون اخترعو الورق والرياضيات والفلافل.. ولأقطع سيل الأسئلة التي ربما تنشأ من الاسم السابق لنفترض بأن صديقي هذا اسمه (مستر X) (وقصتي مع الأسماء قصة طويلة ربما سأسردها يوماً ما)..
لنعد إلى مستر إكس.. كان مستر إكس يعمل في إحدى مصانع اللحوم.. تعرض لحادث في المصنع، اتصل مديره بصديقه وأخبره بأن مستر إكس قد تعرض لجرح في سبابته اليمنى.. بعد قليل قابل صديقه هذا صديق آخر له وأخبره بأن مستر إكس قد قطعت إصبعه أثناء حادث.. يا للهول..
بعد قليل عاد صديق صديقه إلى البيت وأخبر زوجته بأن مستر إكس قد قطعت يده اليمنى بالكامل في حادث.. تتصل زوجته بالاصدقاء وتكبر الحكاية.. ثم يتصل بي أحدهم قائلاً: بأن مستر إكس قد تعرض لحادث شنيع في المشفى إذ علق جسمه بين شفرات الآلة التي تقطع اللحوم وقامت الأخيرة بشطر قسم كبير من كتفه اليسرى مروراً ببعض فقرات ظهره.. يا للهول..
ثم تصفحت عبر مواقع الانترنت هذا اليوم، ويا للهول:
” انفجار في السيدة زينب من ضواحي دمشق يوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح”..
“انفجار يهز العاصمة السورية دمشق ويوقع عشرات القتلى”..
“انفجار حافلة يوقع عشرات الضحايا”..
أما موقع إيلاف فقد تخصص في اللامنطقية:”ومن دمشق نقلت مراسلة إيلاف بهية مارديني عن شهود عيان ان انفجارًا كبيرًا وقع اليوم في السيدة زينب في ريف دمشق. المعلومات المتوافرة تقول إن الانفجار استهدف باصًا ايرانيًا وأن هناك عشرات الضحايا بين قتيل وجريح دون معرفة عددهم بالتحديد. واكد شاهد عيان يعيش في السيدة زينب لايلاف انه من شدة الانفجار وقع زجاج نوافذ المنازل المجاورة “..
طبعا بغض النظر عن بعض المدونات التي مررتُ عليها.. والتي بدأت بلصق التهم بالعراقيين والسعوديين ونفت التهم عن الآخرين..
وبنهاية هذا النهار أصبح إطار السيارة: انفجار إرهابي – عمل إرهابي – القاعدة – بن لادن – الحزب الحاكم – النظام البعثي – السعودية – الاردن – العراقيين – الشيعة – الروافض – ايران – السنة – العلويين – المعارضة – أمريكا – إسرائيل – الإمبريالية العالمية – الخ..
* * *
على حدّ قول أحدهم: “الناس دي فاضية، لا عمل لها سوى تحليل الأحداث السياسية وإصدار الفتاوى الخلبية إضافة إلى إنتاج الحيوانات المنوية.. عشان كده الشعب العربي مختص في السياسة والدين.. والخِلفة”.
وماذا بالنسبة للفكر والتاريخ؟!!
“الفكر والتاريخ.. دي أشياء تابعة إما للسياسة أو للدين حسب الموضوع المتداول.. مثلاً ليلة الدخلة وهي جزأ من “الفكر العربي” تدخل ضمن الدين أحياناً وأخرى ضمن السياسة، فإن كنا نتحدث عن الفتح العربي في التاريخ يعني أننا نتحدث عن ليلة الدخلة وطرقها حسب ما يفرضه الدين.. وإن كنا نتحدث عن الفكر العربي في التاريخ المعاصر مثلاً فإننا نتحدث أيضاً عن ليلة الدخلة والسياسات المتبعة حول الاستمتاع الذكوري المطلق.. وهكذا..
ألم أقل لك بأن كل شيء يندرج إما دين وإما سياسة.. “.
* * *
ثم فعلها وزير الداخلية سعيد سمور بإعلانه: “نتيجة التحريات و البحث الاجنائي لم نجد أي متفجرات أو مؤشر لعمل إرهابي” .
أتساءل إن لم يكن هناك عمل إرهابي أو غير إرهابي لماذا يتم تنظيف المكان بسرعة.. ولا يسمح لأجهزة الإعلام بتصوير المكان ونقل الحقائق مباشرة.. لماذا يتم تعتيم إعلامي لكل شيء.. أليس من حق الناس معرفة ما يحدث..؟!!
هذا يحدث دائماً.. ثم يخرج سعيد فيقول: “التحقيقات جارية بأحدث الأساليب والطرق والأدوات التكنولوجية التي تملكها وزارة الداخلية السورية” لاحظ “الأدوات التكنولوجية” تشمل تنظيف المكان بأسرع ما يمكن.. ثم يقول (تكنولوجية).. لا يا شيخ..
صديقنا السعيد ملتزم بالحديث الذي يقول: “إذا فسا أحدكم أو ضرط فليتوضأ، فإنّ الله لا يستحيي من الحقّ” (مصنف عبد الرازق: ج 1، 139) وسعيد لا يستحي لا من الحق ولا من الباطل طالما يخدم ربه ولي نعمته. فهو مصداق للمؤمن الخائف من ربه ولي نعمته – في هذه الفترة الانتخابية والتي تليها حسب ولائه – ويبدو أنه مصداق لما روي عن عمر بن الخطاب – مع اختلاف النوايا طبعاً -:
وقف عمر بن الخطّاب يوماً خطيباً أمام النّاس فقال: “أيّها الناس إني ميّزتُ بين أنْ أخافَ الله وأخافَكُم، فرأيتُ خوفَ الله أولى، ألا وإنّي قد خَرجَتْ منّي ضَرْطةٌ، وها أنا أتوضّأ وأعود” (محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني: ج 1، 446)..
يحضرني حديث آخر في المقام وعلى مبدأ “إن لم تستح فافعل ما شئت” حتى وإن كنت على رقاب الناس مؤتمناً:
روي عن المغيرة بن أبي شعبة ينزل عن المنبر ليتوضّأ بعد أن ضرط: “صعد المغيرة المنبر فضرط فحرّك يده وضرب بها استَه وقال: كُلّ اسْتٍ ضروط..” (نثر الدرّ : ج 2، 40)..

بالفعل إن لم تستح فافعل ما شئت..

http://nj180degree.com/2009/12/03/sayied/#more-2824

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى