حسين العوداتصفحات ثقافية

وللصحافة العربية تاريخها أيضاً

null
حسين العودات
احتفلت الأوساط الصحافية والثقافية اللبنانية قبل أيام بالذكرى المئة والواحدة والخمسين لصدور أول صحيفة عربية في بيروت، هي صحيفة «حديقة الأخبار» لصاحبها خليل خوري، التي صدرت عام 1858 وكانت أول صحيفة خاصة (شعبية) تصدر باللغة العربية ومن بلد عربي. (صدرت قبلها صحيفة «مرآة الأحوال» لصاحبها رزق الله حسون عام 1855 في الآستانة، وصحيفة «مصر السلطنة» بأمر ودعم من السلطان العثماني في القاهرة عام 1857 موجهة ضد الخديوي وسياسته).
والملاحظ أن العرب تأخروا في إصدار الصحف أكثر من مائتي عام ونيف عن الأوروبيين، حيث صدرت أول صحيفة فرنسية عام 1631، وأكثر من ثلاثمئة عام تقريباً على استقدام المطبعة واستخدامها، إذ أجيز استخدامها في السلطنة عام 1712 وكان غوتنبرغ الألماني اخترعها عام 1436.
يعود التأخير العربي لإصدار الصحف إلى شروط موضوعية وليس إلى تقصير ذاتي، فقد منعت السلطنة العثمانية استيراد المطبعة واستخدامها مئات السنين بعد اختراعها، ودعمها في موقفها هذا رجال الدين ونساخ الكتب، كل لأسبابه، وقد صدرت فتوى تعزز هذا المنع، وبقي الأمر كذلك حتى عام 1727 حيث أصدر شيخ الإسلام (مفتي السلطنة) فتوى أجاز فيها استخدام المطبعة (مع بعض الشروط)، وألغى بذلك الفتوى الأولى.
بعد قرن من ذلك التاريخ انتشرت المطابع في البلدان العربية وصدرت الصحف، وكانت مطبعة بولاق (1821) هي أول المطابع التي استخدمت على نطاق واسع (كان بعض الأديرة في لبنان وحلب استورد مطابع خاصة بها منذ بداية القرن الثامن عشر)، وأصبحت الطريق ممهدة لإصدار الصحف في البلدان العربية.
صدرت «حديقة الأخبار» في بيروت، وكانت أول صحيفة عربية غير رسمية (شعبية) تصدر في البلدان العربية، على اعتبار أن «الوقائع المصرية» هي صحيفة رسمية كانت بمثابة الجريدة الرسمية في عصرنا، ومثلها صحيفة «مصر السلطنة» التي صدرت كصحيفة حكومية عام 1857. أما «مرآة الأحوال» لرزق الله حسون التي صدرت في الآستانة، فكانت أول صحيفة عربية تصدر على الإطلاق.
صدرت بعد حديقة الأخبار صحيفة «الرائد» في تونس عام 1861 و«الزوراء» في العراق 1869 و«يعسوب الطب» في مصر 1865 ثم «وادي النيل» 1866، و«طرابلس الغرب» في ليبيا 1866، وصحيفة «المغرب» في المغرب 1889، ثم تتابع الإصدار. وحسب إحصائية لمجلة الهلال نشرتها عام 1892، فقد بلغ عدد الصحف والمجلات العربية (27) صحيفة ومجلة عام 1870 في كل أنحاء العالم، ثم تطور العدد إلى 147 عام 1892 وإلى 3023 جريدة ومجلة عام 1929.
كان من أهم رواد الصحافة في البلدان العربية الشيخ حسن العطار (الوقائع)، ورفاعة الطهطاوي (عدة صحف)، وأحمد فارس الشدياق (الجوائب)، ورشيد الدحداح (برجيس باريس)، والمعلم بطرس البستاني (الجنة والجنينة ونفير سورية)، ورزق الله حسون (مرآة الأحوال)، وخليل الخوري (حديقة الأخبار)، وعبد الله النديم (اللطائف)، وإبراهيم اليازجي (مجلة البيان)، وأديب إسحاق (جريدة مصر)، وإبراهيمي المويلحي (نزهة الأفكار)، وعبد الرحمن الكواكبي (الشهباء)، وأحمد عزت العابد (دمشق)، وأحمد صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي (الزوراء)، وعلي بوشوشة (الحاضرة).
كانت الصحف مصدر قلق وخوف للسلطة، سواء للسلطان وحاشيته في الآستانة أم للولاة وحواشيهم في الولاية، ولذلك جرى التشديد عليها منذ الأيام الأولى للسماح بصدورها، وغالباً ما كانت الصحف غير الممالئة للحكومة تغلق بعد أشهر، وأحياناً بعد أيام من صدورها، بسبب آرائها التنويرية، أو تفرض عليها رسوم وغرامات تثقل كاهلها فتغلق من تلقاء نفسها. وقد تضمن قانون الصحافة الذي صدر عام 1864 أيام السلطان عبد العزيز، والذي عدله السلطان عبد الحميد، قيوداً رقابية فرضت على الصحافة منها:
منع نشر أي مادة لا تقترن بموافقة وزير المعارف، أو نشر أبحاث مطولة لا يتسنى نشرها دفعة واحدة، إذ لا يجوز أن يكون للبحث صلة في العدد القادم خشية الاضطرار لمنعه، وممنوع ترك فراغ داخل المقال أو وضع نقاط لئلا يفسر الأمر تفسيراً سلبياً، ولا يجوز إعطاء أي مجال للطعن في الشخصيات.
وإذا أسندت تهمة السرقة أو الرشوة أو القتل إلى أحد الولاة أو أحد المتصرفين فينبغي كتمانها، ومحظور نشر ظلامة فرد أو أية جماعة من الشعب تشير إلى سوء تصرفات موظفي الدولة، والحيلولة دون تسرب أخبار تتعلق بمحاولات الاغتيال التي قد تقع ضد الملوك في البلاد الأجنبية، أو إلى أية مشاغبة أو مظاهرة يقوم بها المفسدون في تلك الممالك.
لقد أوكلت الرقابة في العهد العثماني إلى رقيب في كل ولاية يسمى «المكتوبجي»، وكان هذا المكتوبجي تركياً لا يجيد العربية غالباً، وليست لديه معايير أو تعليمات رقابية تشرح «الفرمان السلطاني» ومقتضياته، ولذلك كان يتصرف بجهل وتخلف وعسف مع الصحف بما لا مثيل له، فكان يمنع مثلاً أن تذكر الصحف كلمات مثل مدرسة أو حرية أو جمهورية أو اغتيال أو تنوير أو نهضة أو لا مركزية، وقائمة الممنوعات أكبر من أي تخيل.
في مثل ظروف الجهل والأمية والفقر التي كانت سائدة، وأنظمة الرقابة الصارمة، وقمع الحريات وغياب الديمقراطية، كان على الصحف العربية أن تصدر برغم ذلك، وقد استطاع الرواد الصحفيون العرب أن يتغلبوا على معظم الصعوبات، رغم تكرار إغلاق صحفهم أو سجنهم أو نفيهم، ولعل هذا ما يفسر هجرة الصحفيين من لبنان وسوريا إلى مصر، التي كانت تخضع لرقابة الخديوي الأكثر رحابة والأقل تشدداً من السلطان.
بقي أن أشير إلى أن أنظمة الرقابة العثمانية ما زالت دارجة في بعض البلدان العربية، حيث تعمل الرقابة في هذه البلدان بدون معايير واضحة أو تعليمات مكتوبة، وحسب مزاج الرقيب.
البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى