اضاءات على عذابات كتاب وصحافيين في “فرع فلسطين” للمخابرات السورية
دمشق- مايا أحمد
خاص “سكايز”
يقع فرع فلسطين أو الفرع /235/ التابع للمخابرات العسكرية، في منطقة القزاز جنوب العاصمة دمشق، على مساحة أرضية واسعة.
أسس هذا الفرع في بداية حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في سبعينيات القرن المنصرم، لاحتجاز الجواسيس الإسرائيليين والعرب والفلسطينيين الذين يتم التحقيق معهم على أساس اتهامهم بالتجسس لصالح إسرائيل.
ومع الوقت، خرج الفرع عن إطار عمله، ليتحول إلى أكثر الفروع الأمنية السورية قسوة على السوريين وغيرهم من العرب والأجانب الذين يتم احتجازهم فيه، وتمارس عليهم صنوف التعذيب على اشكالها خلال الاستجواب، وبعضهم يقرون في أحيان كثيرة بجرائم لم يرتكبوها، في محاولة لتجنب المزيد من التعذيب.
وعلق كاتب وسياسي كردي على التعذيب الذي تعرض له عقب احتجازه ثلاثة اشهر في فرع فلسطين في صيف 2007 قائلا: “إنه جهنم، أجزم أن الله لن يعذب الناس في جهنم كما يعذب المحققون الناس في هذا الفرع!”.
وأضاف: “استعملوا معي كافة أنواع التعذيب، الكرسي الألماني، الفلقة، الكهرباء، قلع الأظافر، وأشياء أخرى لا أعرف اسمها”.
– في 10 ايار/مايو 2005 اختطف رئيس مركز الدراسات الاسلامية في القامشلي الشيخ الكردي محمد معشوق الخزنوي، واعلنت وفاته مقتولا في 1 حزيران/يونيو من العام نفسه، واتهمت السلطات السورية “عصابة اجرامية ارهابية” بالوقوف وراء مقتل هذا الداعية والكاتب الاصلاحي، غير ان مصادر مقربة من الشيخ الخزنوي ومصادر كردية سورية رفضت هذا التفسير، اضافة الى منظمة العفو الدولية التي وجهت رسالة الى الرئيس السوري بشار الاسد تعرب فيها عن شكوكها ازاء الرواية السورية الرسمية وتشير فيها الى امكان تعرض الشيخ للتعذيب في فرع فلسطين قبل قتله.
– وفي 7 حزيران/يونيو 2007 اعتقل فرع فلسطين للمخابرات العسكرية المدون كريم أنطوان عربجي ونقل بتاريخ 18 اب/اغسطس إلى سجن صيدنايا، ليصار إلى محاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا بتهمة “نشر أنباء كاذبة من شأنها إضعاف الشعور القومي”، وذلك على خلفية كتاباته لمقالات انتقد فيها السلطات السورية ونشرها في منتدى “أخوية” الإلكتروني.
مثل عربجي للمرة الأولى أمام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق، بتاريخ 20 نيسان/ابريل 2008، وتأجلت الجلسة إلى تاريخ 8 تموز/يوليو، ومن ثم تأجلت مجددا بناء على طلب النيابة العامة. ولم تنعقد الجلسة بسبب اندلاع الأحداث الدامية في سجن صيدنايا.
وبتاريخ 13 اب/اغسطس 2009 أصدرت محكمة أمن الدولة العليا بدمشق حكماً بسجن المدون عربجي بتهمة “نشر أنباء كذابة من شأنها أن توهن نفسية الأمة” وذلك وفقاً للمادة /286/ من قانون العقوبات السوري العام.
محام وناشط حقوقي من دمشق رفض الافصاح عن اسمه قال لمراسل “سكايز” انه “لا يمكن تحديد أي نوع من الاتهامات يتم تحويلها إلى فرع فلسطين للتحقيق العسكري، فترى في الفرع ذاته معتقلين ذوي خلفيات إسلامية وسلفية، ومتهمين بالانتماء ل”القاعدة”، ومعتقلين أكراد، إضافة إلى مواطنين عاديين متهمين بالسرقة أو بالتهريب”.
وأضاف: “بغض النظر عن قانونية الأفرع الأمنية الكثيرة في سوريا، إلا أنه غير قانوني أو دستوري اعتقال أو استجواب أي مدني في هذا الفرع، إنه تابع للمخابرات العسكرية ولا علاقة للمدنيين به”.
وتابع: “يتم تحويل المعتقلين في هذا الفرع إلى عدة محاكم، منها محكمة أمن الدولة العليا، ومحكمة الجنايات، إضافة إلى القضاء العسكري، وذلك بحسب التهم الموجهة للمعتقل”.
– داود البصري كاتب عراقي نشر مقالاً في عدة مواقع إلكترونية بتاريخ 20 تشرين الاول/اكتوبر 2006 عن ظروف اعتقاله لأربعة أسابيع في فرع فلسطين بعد توقيفه في نقطة مغادرة سورية إلى تركيا. يقول: “ذات ليلة استيقظت وأنا في وضعية نوم القرفصاء اليومية على أصوات صراخ وجلبة عالية مجاورة لزنزانتي اتضح لي أنها ناجمـة عن حفلة تعذيب وضرب عنيفة للغايـة بحق معتقل مصـري يشتبه في تجسسه لصالح إسرائيل! وقد تحدث الجلادون بقلق عن موته تحت التعذيب قبل إرساله لتحقيق موسع آخر في المخابرات العامـة… وقد ارتفع الصراخ فيما بينهم حول من تسـبب في قتله”.
ويضيف البصري في مقاله: “كان الذهاب لقضاء الحاجة الطبيعية اليوميـة في المراحيض لحظات حقيقية من العذاب المهين للشخصية الإنسانية، فصباح كل يوم كان يخصص لكل معتقل دقيقة واحدة فقط للتغوط والتبول والغسيل، وأمام أنظار الجلادين الذين يتلذذون في سادية غريبة في الضرب بالعصا المطاطية الغليظة على رأس المعتقــل، وهو يقضي حاجته وهو مطأطأ الرأس عند إخراجه من زنزانته لكي لا يرى المعتقلين في الزنازين الأخرى. أما من يعاني من الإسهال أو المشاكل المعوية الأخرى فإن مصيره أسود وحالته تثير الشفقة”.
• وروى صحافي سوري جرى اعتقاله ستة أشهر في هذا الفرع بعد أن اتهامه بنشر أنباء كاذبة “إنهم يتلذذون بإذلال الإنسان من خلال الكم الهائل من الشتائم والضرب والتعذيب. لقد كرهت اسم فلسطين من جراء هذا الفرع”.
وأضاف: “إن وجدت الفرصة المناسبة يوماً ما سأنشر بالتفصيل الممل مجريات الأحداث التي مرت معي، إنها بحق يجب أن تكون مسلسلاً من مئات الحلقات، مسلسل لا نهاية له أبداً”.
• وللدلالة على انتزاع اعترافات غير صحيحة تحت التعذيب يكفي ان نورد قضية مهندس الاتصالات الكندي من أصل سوري ماهر عرار الذي كان معتقلاً في الزنزانة رقم 2 في فرع فلسطين، وكان قد اعتقل في مطار جون كينيدي القريب من نيويورك بتاريخ 26 ايلول/سبتمبر 2002، وتم ترحيله إلى سوريا، على الرغم من أنه كان يحمل جواز سفر كندياً، وتم نقله جواً على متن طائرة خاصة إلى عمان، ومنها براً إلى سجن فرع فلسطين في سوريا.
وبعد تعرضه للضرب وقع عرار “إفادة” بأنه تدرب في معسكر للإرهابيين في أفغانستان، وقال إنه كان “مستعداً لقبول حكم بالسجن لعشر أو عشرين سنة لقاء نقله إلى مكان آخر”.
ولد ماهر عرار عام 1970وهو مهندس اتصالات سوري كندي الجنسية تم إيقافه على إثر معلومات خاطئة قدمتها الشرطة الملكية الكندية (RCMP) إلى السلطات الأمريكية وقد تم على إثرها نقله إلى سوريا رغم أنه كان يحمل جواز سفر كندي. سجن في سوريا لمدة سنة حيث تم تعذيبه مراراً وتم الإفراج عنه في يوم 5 تشرين الاول/اكتوبر 2003.
وقد قررت الحكومة الكندية تعويضه بمبلغ عشرة ملايين دولار كتعويض للضرر الذي حصل له بسبب هذا الخطأ إضافة إلى اعتذار رسمي من الحكومة الكندية له شخصياً ولعائلته.
• بتاريخ 27 اب/اغسطس 2008 أدى تفجير سيارة مفخخة بالقرب من فرع فلسطين إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة 14 أخرين، وذلك حسب رواية رسمية سوريا، في حين نقلت مواقع إلكترونية عن مصادر من المعارضة السورية أن العسكري الذي شوهدت جثته وجثة ابنه في مكان الانفجار هو العميد عبد الكريم عباس، نائب رئيس فرع فلسطين للمخابرات السورية، وهو أحد الذين تم التحقيق معهم من قبل لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
• منظمة العفو الدولية أصدرت وثيقة بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2005 حول فرع فلسطين، قالت فيها: “تعج زنازين القبور في فرع فلسطين بالصراصير وغيرها من الحشرات، فضلاً عن الجرذان التي تمشي على أجساد السجناء وتعضهم أحياناً”.
وأضافت الوثيقة: “يستخدم التعذيب على نطاق واسع في فرع فلسطين. والزنازين التي تقع تحت الأرض يقل ارتفاعها عن مترين وطولها عن مترين ويبلغ عرضها قرابة متر واحد”.
وأفادت الوثيقة ان “بعض السجناء يحتجز هناك طوال سنوات، غالباً بمعزل عن العالم الخارجي وبدون تهمة. وقد تلقت منظمة العفو الدولية أنباء حول احتجاز نساء حوامل أخريات وأطفال صغار هناك. وبحسب ما ورد تعرضت إحدى هؤلاء النساء للإجهاض نتيجة التعذيب”.
http://www.skeyesmedia.org/middle.php?page=news&lang_id=2&id=945