التفاوض السوري الإسرائيليبدرالدين حسن قربي

النظام السوري بين اللواء السـليب والجولان المحتل

null

بدرالدين حسن قربي

لســنا في موطن المجادلة على أننا نفضّل أن تكون العلاقة التركية السورية علاقة طيبة تتغلّب فيها علاقة الجوار على علاقة العداء التي كانت عموماً هي طبيعة هذه العلاقة لعشرات من السنين الماضية. فالحكومات السورية المتعاقبة من بعد الاستقلال كثيراً ماكانت تدفع بعموم طروحاتها نحو تأزيم العلاقة السورية التركية على الدوام وجعلها عدائيةً أكثر منها حسن جوار، وهكذا كان للنظام السوري أباً وابناً في العهد الأسدي الدور الأكبر إن لم يكن كله في هذا الشأن حتى وقعت الفاس في الراس.

بالطبع كانت لهم أسبابهم التي كان من أهمها ارتباط السياسة التركية بالسياسة الأمريكية والإسرائيلية، وأنها دولة مارست القمع والقتل والشنق على رجالات الفكر والرأي المعارضين لها إبان حكمها لبلاد الشام يوم 6 أيار/مايو لعام 1916 أيام (سفر برلك) أو مايعرف بالحرب العالمية الأولى، والأهم من كل ماسبق أن لسورية أرضاً مغتصبة كانت فرنسا أعطتها لتركيا عام 1939 أثناء فترة احتلالها لسورية. وهي أسباب تساقطت تباعاً وإنما آخرها قبل أولها.

فعن لواء الاسـكندرون المغتصب (2700 كم مربع) بقينا قرابة خمسين عاماً نُدَرّس ونُمْتَحَن ونُحَفَّظ أن اللواء السليب والمغتصب هو أرض سـورية 100%، وسنجق تابع لولاية حلب الشهباء من العصر العثماني، ومن قرأ بغير هذا فهو الخائن والأفّاك المبين.

بقي هذا الجزء من الأرض السورية محل نزاع وتنازع سياسي وإعلامي بين الحكومات السورية والتركية المتعاقبة، يقوى حيناً ويختفي أحياناً كثيرة، ولكن لم يحظ هذا الضم والابتلاع بالاعتراف السوري الرسمي في كل الأحوال حتى كان عام 1998 عندما ضاق الأتراك بسلوك الأسد الأب وارتفعت لهجة تهديداتهم نتيجةً إيوائه للزعيم العمالي الكردي عبدالله أوجلان، ودعمه المتعدد الأوجه وبلاحدود بما فيها مراكز تدريب لمنظمته الكردية اليسارية والتي كانت تنطلق بأعمالها ضد الدولة التركية من سـورية. وكادت الأمور تشتعل حرباً ماحقة على خلفية هذا الدعم الذي كان يستهدف فيما يستهدف من الطرف السوري إقلاق راحة الخصم التركي علماً أن سورية النظام كانت ضد مطالب الأكراد السوريين أنفسهم بل وصل الأمر فيها حد اضطهادهم وتجاوز حقوق الإنسان فيهم المعترف بها دولياً وإنسانياً.

وصلت التهديدات العسكرية التركية في حينها حافة الهاوية، ورهنت مصير النظام السوري بطرد (تسـليم) السيد/ أوجلان وتوقيع اتفاق أمني. فكان ماكان من تسليم أو(طرد) الزعيم الكردي، وتوقيع ماعرف باسم اتفاقية أضنة عام 1998 التي أعادت الهدوء إلى الوضع الأمني والعسكري مابين الدولتين، كما أعقبها اتفاقات اقتصادية وزيارات أمنية وعسكرية حتى على مستوى الرؤساء وقّعت خلالها العديد من البروتوكولات التي كانت تتضمن فقرة حول مصطلح تركيا تشير الى حدود السيادة التركية البرية والبحرية وفقا للقوانين الدولية، وهو ما اعتبرته انقرة اعترافاً سورياً ضمنياً بحدود تركيا، وتخلياً عن المطالبة بالاسكندرون عندما ألغى الجانب السوري تحفظاته على توقيع هكذا اتفاقات.

إن مما لاشك فيه أن الضغوطات والتهديدات التي تعرض لها النظام في عهد الأسد الأب كانت أكيدةً وخطيرةً دفعت به إلى حل الوضع على هذه الطريقة والتخلي أو السكوت عن المغتصب من الأرض مع الأتراك، ثمّ تولّى تسويق مثل هذا الاعتراف على طريقته في تسليك أموره وتمريرها عبر السنين من الظروف السياسية المستجدة والمواتية.

إن أخطر ماكان في اتفاقية أضنة الأمنية أنها تمّت في ظل نظام شمولي قمعي وأن أحداً من السوريين بمن فيهم مجلس الشعب لم يعرف مضمونها الخفي وبنودها السرية التي ألقت البرد والثلج على قلب الجارة التركية، ولكن ماتبعها يشير أن صفقةً كبيرةً عقدت، وأن تنازلات أبرمت، ووعوداً بالرخاء والازدهار أعطيت. ومن ثمّ فلسوف نجد ونواجه بين السنة وتاليها بعضاً مما نراه يكون إنفاذاً واستكمالاً لتلك الاتفاقية المشار إليها.

أما تاريخ السادس من أيار التركي وماكان فيه من إعدامات ومشانق، فلم يعد له مايميزه عند النظام السوري من كثرة سواديسه وعظم ماارتكب من المجازر والقتل والتصفيات والحرق والإعدامات بمحاكماتٍ وغيرها جاءت على عشرات الآلاف من مواطنيه، ومن ثم باتت أحاديث الردح والندب والنيل من الممارسات التركية القمعية لمعارضيها من رجالات الشام وأحرارها عبارة عن (طق حنك) بلا طعم ولا (مازيّة) مقارنةً بما فعله النظام.

أما عن العلاقة التركية الإسرائيلية فلم تعد شيئاً مذكوراً وقد بات قادتها حماماً زاجلاً ينقل رسائل الوصل والتواصل بين النظام السوري والدولة العبرية والمخفي منها أعظم من المكشوف. وما قدمته وفعلته حكومة السيد/ أردوغان في هذا المجال من دفع ورعاية للمفاوضات السورية الإسرائيلية السرية يسجل لها لاشك في صحائف أعمالها. ولئن كانت السلطات السورية تنفي ابتداءً مثل هكذا محادثات فإن الأمر ماعاد يحتمل الستر والمواربة وقد بات على كل لسان حتى كان البارحة لتؤكد أن البدايات قديمة وليست أقل من عام، هذا على الرغم أنها كانت تكذب وتبهدل وتتهم بتوهين نفسية الأمة وإضعافها، وتخوّن من يقول بما كانوا يفعلون.

وهكذا تسربت أسبابهم تباعاً وزرب آخرها قبل أولها، ومن ثم فلم يكن غريباً أو مستغرباً أن تكون زيارة نائب رئيس الوزراء السوري عبد الله الدردري إلى تركيا والتي انتهت في 6 أيار الجاري وهو يوم له إشاراته المعنوية، قد أفضت الى اتفاق على تعديل المناهج الدراسية الرسمية في سورية بإزالة لواء الاسكندرون وكيليكية من جميع المقررات الدراسية الرسمية بصفتهما أراض سورية مسلوبة، و شطب تعبير الاحتلال العثماني أو التركي والكلام عن الممارسات قمعية من كتب التاريخ الدراسية السورية. وهي بالمناسبة زيارة شكلت حسب تعبير إعلام النظام تجسيداً واقعياً لما تم الاتفاق عليه ضمن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها أثناء الزيارة التاريخية للسيد الرئيس بشار الأسد إلى تركيا في تشرين أول/أكتوبر الماضي 2007.

إذا كان النظام السوري قد تنازل عن أرضٍ سـوريةٍ مغتصبةٍ وسـليبة في ظل ظروف تمّت الإشارة إليها واكتشفنا أننا والترك جيران الدهر، أفلا يمكن لمثل هذا السيناريو أن يتجدد مع الجولان المحتل (1200 كم مربع) مع جيرانٍ أعداء آخرين أو بشيءٍ من مثله رغم الإصرار على مناكفة الآخرين بمقاومةٍ وممانعةٍ!!؟.

قلنا ابتداءً بأننا نغلّب علاقة الجوار على علاقة العداء لأن علاقة الجوار الطيب وتبادل المصالح فيما ينفع الناس هي الأفضل والأبقى. وهكذا اكتشفنا بفضل النظام السوري أننا والأتراك جيران وحبايب وإن أُعطوا اللواء، ولكن هل يأتي يوم نكتشف فيه بفضله أننا واليهود جيران وحبايب وقرابات وأولاد عمّ، ونحنا لبعض وغير شكل كمان، وإن أعطوا حتى الجولان…!!؟

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى