صفحات مختارة

الديمقراطية وأزمة اليسار العربي والنخبة

المحامي محمود مرعي
أصبحت الديمقراطية مطلبا نخبويا, يتصدر المفهوم الجديد للتحول المجتمعي ,وحيث أن هناك اتفاق شبه عام بين ناشطي اليسار المحافظين على ميولهم اليسارية , والخارجين من تنظيمات حزبية ,أصبحوا أكبر منها من الناحية الفكرية في حالات متعددة ,وبالتالي أخذ مفهوم التعاطي مع هذه الأحزاب بوصفها علمانية أو يسارية , أو هكذا يجب أن تكون , لو أنها راعت التطور الزمني , وتغير المعطيات السياسية , والاقتصادية , وحتى الاجتماعية على أرض الواقع , شكلا مختلفا,وحيث أن الحديث عن المعارضة السياسية , المفروضة في وجه الاستبداد , والأنظمة القمعية ,لابد أن يكون يساريا ,أو تقدميا, لضمان الابتعاد عن السلفية المتلازمة مع التخلف .
ومشكلة اليسار العربي ,أنه لم ينتقل الانتقال المطلوب نوعيا وفكريا ,ولم ينجح في التخلص من رواسبه الطائفية , والاجتماعية , وظل عالقا نتيجة النقلات المفاجئة , واستيراد النظريات الجاهزة , بدون بناء الأرضيات المناسبة لتلقي هذه الملصقات الجاهزة, ولم يغير آلية التعامل مع المرحلة , عندما انهار الطرف اليساري العالمي الداعم فعليا , والذي كان ممثلا بالدول الاشتراكية , وحيث أن التنظيمات الحزبية الحالية المصنفة تحت هذا التصنيف , خسرت كوادر مثقفة , ونخبوية ,بسبب واقع الهزائم السياسية , والفكرية , وحتى المبدئية , أمام ضغوطات الأنظمة عموما ,والتي ألحقت جزءا كبيرا منها بها من خلال ربطها معها بهيئات , ومصالح من جهة او عملت على القضاء عليها من خلال التنكيل والقمع , والضغوط المختلفة .
ضمن هذه المعادلة المأزومة لواقع القوى التقدمية اليسارية ,داخل وخارج التنظيمات وجدنا الديمقراطية المطلب الذي يرى فيه الأفراد النخبة البديل النضالي , الذي يمكن ان يرمم هذا الواقع , ويقوده نحو إصلاح جذري حقيقي.سياسي واقتصادي , وتوسعت الدراسات حول ماهية ,وكيفية المطالبة بها , وفرض تعريفات فردية وحزبية لها وهناك من يرى أن الديموقراطية مسألة تتعلق بحرية الاختيار في المجال السياسي فقط، وتقف هذه الحرية عند الحياة الخاصة أو الحياة العامة في مختلف المجالات الأدبية والثقافية والإعلامية والتجارية والمهنية والنقابية.
والبعض يرى أنها تتمثل في التنوع والتعددية والقبول بالآخر بصفة مطلقة، ومن يوافق على ذلك شريطة الالتزام بإطار عقائدي وفكري وسياسي معين (مثل الحالة في إيران التي تتبنى الديموقراطية والتنافس فيها مفتوح ولكنه محدود بحدود مبادئ الثورة أو ما يسمى بمصلحة النظام).
الديمقراطية لا تقوم على شعارات , ومزاودات تسحب كل فئة من خلالها اللحاف نحوها أكثر , لتستر نفسها وتعري غيرها , إنها حالة وعي ثقافي أولا ,فلسفة ومناهج وأفعال. نتاج عصر أنساني بكامله يمكن أن توجد وتنمو وتتطور على قدر ما تزخر به روح الديمقراطية من قدرات على تغيير الإنسان والمجتمع.
الديمقراطية قديمة منذ نشوء الدول , وهي ضرورة ملحة في وجه الاستبداد ,وبالتأكيد ليست وليدة واقع جديد يطرحها بقوة لضمان صلاحه , ولكنها متلازمة مع الإنسان والحضارة , ونشوء الدول وهي في المفهوم اليوناني القديم حكم الشعب , ونتجت عن دمج لكلمتين ” ديموس ” ” شعب ” وكراتوس ” ” حكم
فهي بالتالي ترتكز على التعبير عن رغبة الشعب في تقرير نظامه السياسي، الاقتصادي ، الاجتماعي والثقافي، ومشاركته الكاملة في جميع نواحي الحياه.لكن حكومة يختارها الشعب ليست بالضرورة ديمقراطية, لأن الشعوب لم تصل بعد لمرحلة النضج المناسب لضمان نجاح هذا الاختيار , وللتوسع في هذا البحث نجد أن الديمقراطية لدى النخبة تعتمد على مفهومين مختلفين من الأحزاب, إذا اعتبرنا الأحزاب اليسارية شريكا في هذا النضال الديمقراطي:
1- يرى البعض منهم أن الديمقراطية مستقلة عن هذه الأحزاب القاصرة عن أحلام جماهيرها ,ويعتبر التغيير مسؤولية النخب, وليست مسؤولية النخب الحزبية ,ويعمل علةى الهجوم الدائم على التجارب الحزبية , كرد فعل على الاحباط الكبير الذي منيت به القواعد الجماهيرية , أمام التنازلات المقدمة للأنظمة ,والانقسامات الحزبية , وتشكيل مراكز القوى, عند عدد من تلك الأحزاب .
2- موقف آخر يؤمن بأن الديمقراطية, تحتاج قوى وحوامل سياسية وحزبية , ولكنها لاتشبه البنى الحزبية الحالية , وقد عبر الباحث كريم مروة عن هذا الموقف في كتابه ((في البحث عن المستقبل )).
حيث بدأ بانتقاد التجربة اللينينية , واستبداد ستالين , وصولا إلى جعل الاتحاد السوفياتي سابقا طرفا وشريكا فيما وصلت إليه الأحزاب الشيوعية , من انقسامات , ومجازر مدعومة في عدد منها بمباركة هذا الاتحاد نتيجة تدخلها في وجه أي محاولة لمعارضة سياستها الشيوعية , والأمثلة كثيرة , لاسبيل لبحثها هنا , ولو أن مروة قدم حكاية النميري في السودان مثالا في كتابه , وأما في سوريا ولبنان فأعتقد أن المناضلين الباقيين يحفظون عن ظهر قلب ما كتبته كتبهم , نفسها, وجذوع السنديانة الحمراء لمحمد دكروب شاهد معقول على العصر .
وبما ان الأحزاب الشيوعية, واليسارية , لن تكون كبش الفداء في هذا العرض , لأنه ضمن واقع ينسحب على التجارب الحزبية عموما, لذلك سنبقى ضمن محور الديمقراطية كمطلب أساسي , وإن اختلفت طرق التعاطي معه.وجميع هذه الأحزاب بدأت تتلمس التجربة الديمقراطية الداخلية , وفي أوطانها.
ومن أجل البحث في الموقفين المختلفين السابقين, نجد ان الموقف الأول ينطوي على احتمالين تحليليين للوضع :
إما ان القوى المطالبة بالديمقراطية الخالصة بدون قواها السياسية الحاملة لهذا التحول , تراهن على تغيير خارجي بدون حوامل داخلية , وهذا معناه ديمقراطية أمريكا ذات التجربة الدموية في العراق .وبالتالي لاحاجة لبناء أحزاب تقود الجماهير لتمارس , وتنضج تلك التجربة الواعية , التي تحتاج حوامل منظمة , وقادرة على ممارسة هذا الخيار . و نقبل نظرية الخسائر من خلال المطالبة بالديمقراطية أولا ومنح الشعب الحق في التعلم عبر تجاربه الخاصة والسماح للجماهير من خلال الاختيار الحر بمراحل انتقالية قد تنطوي على خسائر أولية , وخيارات خاطئة , لكنها بالمحصلة , ضمن القاعدة المستندة إلى أنها من خلال منح الحريات ستتعلم كيف تطور نفسها, من خلال التعبير الحر.وفق هذا الطرح .
وبالتالي تهدف إلى إجهاض فكرة الأحزاب , والعمل السياسي , وشن الحرب الدائمة عليها , وتحميلها مآزق الأوضاع العربية عامة , أو رجوعا إلى كلام كريم مروة باعتبار هذه الأحزاب الحالية عاجزة عن التغيير لأسباب ليست رهنابها منفردة , كما سنناقش لاحقا.
أما أن تنطوي الفكرة موضع النقاش على ديمقراطية تهدف إلى تحويل المجتمع إلى المفهوم المدني الاستهلاكي المفرغ من محتواه الفكري من خلال تحويل الأفراد إلى مجموعات خدمية, وفقط خدمية تنظف البيئة , تقوم بتجمعاتها المريحة , وتغير الواقع شكلا فقط ,تطالب بتحرير المراة, وتساند الطفل , وترعى المعوقين , والأيتام , وهذا جزء من الشكل المطلوب للمجتمع المدني الحديث الذي يحترم الحريات ومواثيق حقوق الإنسان, ولكن دون صرف النظر عن كون كل تلك المشكلات المجتمعية رهينة بتطور الوعي السياسي والاقتصادي , والاجتماعي , والفكري , ومرتبط بالحراك الثقافي والسياسي الواعي المنظم .
اما النظرية الثانية , فإنها تستند على ضرورة تنظيم الجماهير , وتوعيتها , وإيصال صوتها من خلال منابر وقوى سياسية واعية , تقضي على رواسب السلفية , والانتماءات الإثنية والطائفية .
وبالتالي فإذا كنا نريد نقد واقع التجربة الحزبية في البلدان المتخلفة عموما ,والعربية خصوصا . فإن المعادلة ليست بطرف واحد , صحيح أن هذه الأحزاب قاصرة , وغير جماهيرية في معظمها , باستثناء الأحزاب التي تستند إلى قاعدة جماهيرية حولها من خلال رموز قومية, كان لها شعبية واسعة , لكنها ليست وحدها في النهاية المسؤولة عن ماآلت إليه الأمور , فالحراك الحزبي الفاعل , يحتاج إلى قانون أحزاب عصري,ينظم الحياة السياسية, ويكفل لها الحرية في التقدم, ويكون خطوة أساسية من أجل التحول نحو الديمقراطية , ورغم وجود قوانين أحزاب في عدد من البلدان , لكن وجود قوانين الطوارئ بما تملكه من سلطة واسعة , قادرة على ضرب المختلف معها , يجعل التجربة قاصرة , وبالتالي فالواقع العربي , تشريعات وأنظمة لا يكفل حرية الرأي والتعبير , وبالتالي هو مسؤول رئيسي , عن الوضع الحزبي , والجماهيري , حيث تمتاز الجماهير العربية بالسلبية , والتدجين , وتصبح خسارة طرف قيادي في أحد الأحزاب أو مناضل , بلا تعويض , لأن واقع وظروف العمل السياسي في تلك البلدان يجعل حالات الرفض مجرد محاولات فردية انتحارية , نخبوية , وتضحيات لايرى فيها الشارع العربي مؤثرا , أو على الأقل لايجرؤ.
وهكذا فإن خلاصة القول أن الديمقراطية ضرورة وأرضية لابد منها للوصول إلى طاولة الحوار حول القضايا الكبرى , وأما خارج أطرها فيصبح النقاش بيزنطيا لعدم القدرة على فرض أو قبول حلول ,وأما أهم أسس هذه الديمقراطية , أو جوهرها فإنه يكمن في:
1- وجود قانون أحزاب عصري.
2- تداول السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية.
3- حرية الرأي والإعلام والتعبير ..
4- استقلال القضاء .واحترام سيادة القانون.
5- احترام حقوق الإنسان,والمواثيق الدولية.
6- إلغاء قانون الطوارئ.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى