دَرْس “لِمَنْ يَهتم” عربياً
سعد محيو
أخطر مافي الكتاب “الإسرائيلي” “أمّة الابتكار: قصة معجزة “إسرائيل” الاقتصادية” للمؤلفين سينغر وسينور، الذي تصحفناه بالأمس، هو أنه لايكتفي باستعراض عضلات “المعجزة” “الإسرائيلية”، بل يتطرق (وبإسهاب أيضاً) إلى البحث في أسباب “وَهَنْ العضلات” التكنولوجية العربية.
لماذا هذا الاهتمام “الإسرائيلي” بالتأخّر العربي؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، إطلالة على ما في جعبة سينغر وسينور عربياً.
يرى الكاتبان أن الدول العربية لديها مجموعة عوائق ثقافية واقتصادية حالت دون تحقيق تقدم ملموس في قطاع البحوث والتطوير التكنولوجي تتمثّل في:
مركزية السلطة السياسية، والافتقاد إلى ممارسات الديمقراطية في مختلف المؤسسات، بما يجعل الهرمية الجامدة سمة أساسية. وهذا عائق كبير في وجه الابتكار والتطوير.
– وجود قيود ثقافية وسياسية وقانونية على التفكير والإبداع والابتكار، مايؤدي إلى وأد الأفكار في المهد قبل أن تشق طريقها إلى السوق الاقتصادية.
– عدم تمكين المرأة وتهميش دورها في المجتمع، بما يعني ضمناً وجود طاقات بشرية معطلة لايتم الإفادة منها.
– تفضيل استثمار الفوائض المالية في أعمال الشركات عالمية النشاط وليس إنشاء شركات جديدة، وضخ الاستثمارات في الأنشطة الخدماتية مثل السياحة، وضعف الاستثمار في مجالات البحوث والتطوير.
ويشير الكاتبان، في هذا الصدد، إلى أن أحد الاقتصادات العربية نجح في جذب الاستثمارات الأجنبية بما جعلها مركزاً تجاريّاً وماليّاً عالميّاً، إلا أن ذلك ارتبط بالاستثمار في القطاعات الإنشائية والتجارية والخدماتية لا القطاعات التكنولوجية الأكثر ربحية وتخصصاً، في حين تمكّنت “إسرائيل” في فترة وجيزة من شغل مكانة مركز الصناعات التكنولوجية في الشرق الأوسط، واجتذبت إليها فروع البحوث والتطوير لمختلف الشركات العاملة في قطاعات الكومبيوتر، والنانو تكنولوجيا، والتكنولوجيا الحيوية.
نعود الآن إلى سؤالنا الأوّلي: لماذا هذا الاهتمام “الإسرائيلي” بكشف عورات النظام الاقتصادي العربي؟
حتماً ليس لتحفيز إصلاح هذا النظام، ولاحتى للبحث في فرص التكامل معه في إطار مشروع الشرق الاوسط البيريزي، بل لمجرد تعزيز فكرة تفوّق المعجزة “الإسرائيلية” عبر مقارنتها بالاخفاقات العربية. فكما يُقال: الضد لايُعرف إلا بضده.
بيد أن هذه المسألة لاتهمنا الآن. ما يهمنا هو أن هذا التحليل “الإسرائيلي” لامس الكثير من جوانب سلبيات الوضع العربي، خاصة منها هذا الهوس المخيف لدى معظم أصحاب رؤوس الأموال العرب في الاستثمار في القطاعات غير الانتاجية كالسياحة والفندقة ومجمعات الترفيه والمباني الفارهة، والتي تُشبه إلى حد بعيد زَبَد البحر: فهي تأتي بسرعة وتزول بسرعة، من دون ان توفّر لا المعرفة التقانية ولا القاعدة الاقتصادية الصلبة التي لاتتأثر بتقلبات المناخ الأمني أو السياسي (كما السياحة).
في السابق، كان يُعتقد أن صب الاستثمارات في قطاع الخدمات هو القرار الحصيف ليس فقط لدول الخليج بل حتى أيضاً لدول زراعية تاريخياً كمصر. لكن يتبيّن الآن عيانياً كم أن هذا التوجّه كان خاطئاً استراتيجياً، خاصة بعد الانهيار الأخير ل”الرأسمالية- الكازينو” في أمريكا والعالم.
المعرفة في عصر العولمة باتت هي اللبنة الرئيسية للاقتصاد: من يُنتجها يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ومن يكتفي باستهلاكها يخرج من هذا التاريخ من أوسع أبوابه أيضاً.
وكتاب سينغر وسينور تذكرة لمن يريد أن يتذكّر هذه الحقيقة.
الخليج