صفحات سورية

في مقامات المديح للجلاد..

null
محمود المصلح
كحالة انفرادية ، متفردة ، لعلها مستمدة من عصور الفرعون الكبير ، الذي نصب نفسه اله مع الاله ، واستغرب ان يعترف الناس باله غيره ( ما عرفت لكم من اله غيري ) . لا نزال نحن العرب نقف على اعتاب السلطان وكاننا على باب الرب نرجو رحمته ونخشى عذابه ، نتقرب اليه بالقربات والادعية والاناشيد ، نرجو طلته التي غالبا ما تكون عيدا من الاعياد .
أجدنا نركعُ بقبولٍ ورضى مريع للجلاد وهو يمسك بسوط القمع والعذاب والتجويع ، نمده باسباب القوه ، ونمكن له منا ، ننظم له احتفالات تليق بمكانه اله يعبد ، وله يركع ويسجد ، نقف على بابه ننتظر عطاياه ، ورضاه ، وطلة البهية ، فهو لم يزل راسخا في ذاكرتنا ، المعلم الاول المعطي الواهب ، المانع والحامي المتفرد بالقدرة والذكاء ، الحريص الاول والامين الاول .. بينما باقي الخلق فهم مجرد رعاع يتربصون الفرص للكسب غير المشروع ، واثارة الفوضى والتهرب من العمل والمسوؤلية .
حالة الذل والخنوع التي كرستها قيم قديمة وبالية ، وحالة الرضى والقبول التي تؤيدها امثال من التراث البالي الذي آن له ان ينفض الغبار عن نفسه ، بل آن له أن ينسف نسفا ويلقى به في سلة المهملات بلا اسف عليه ، حالة الانصياع والايمان الذي يفوق الايمان بالله بأن بهي الطلعة المتفرد بقدراته الذهنية انما هو هبة الاله للشعب ، وانه كنز من الحكمة والمحبة والعطف والرحمة والكرم والشجاعة والقوة والوسامة … فلا أحد يجاريه او ينافسه في أي من صفاته الفريدة المتفردة .. بل ربما نجد ان الناس وقد زرعوا الفكرة في رأسه بأنه في مصاف الاله ..والصقوا به صفات لم يكن هو نفسه ليتوقع ان يصل اليها ، ولم يكن يتوقع ان يصل الناس في محبتهم الى هذه المستويات البعيدة من المحبة .
مع طول الوقت بات بهي الطلعة ، مقتنع انه متفرد ، مميز ، وانه يستحق من الناس أكثر مما يقدمون من صنوف الولاء ، ومن يخالف الناس في توجهاتهم ، أو يكون خارج السرب ، أو يخرج عن محيط القطيع في مرعى الراعي الواهب الحامي ، فمن قبيل الخوف عليه ان يضيع في متاهة الرفض والتمرد ، يعزل ، ويجلد ، ويعطى دروسا في التربية الوطنية وطرق الانتماء وسبل الوصول اليها . ليصار له بعد حين من الزمن أن يقتنع ، ويعود الى القطيع ، ويمكن الاعتماد عليه في انه قادر على حماية نفسه والاعتماد عليها .. بل ربما يبادر الى أعطاء الدروس المجانية في سبل الوطنية . والانتماء للوطن والقيادة المظفرة المبجلة .
ولتدريب الخارجين عن القطيع في متاهات الرفض ، يصار إلى انشاء سجونا ومعتقلات ، منها العلني والسري ، ومنها الصحراوي والمدني ، القريب والبعيد ، يطلق عليها تخفيفا لوقع اسم السجن لما يحمله من معاني سامية ونبيلة ، يطلق عليها مراكز اصلاح ( حيث ان المتمرد (خربان ) وهو بحاجة إلى أصلاح ) كما نصلح بابور كاز خرب رأسه ، أو سيارة صدمها جرار على الطريق الزراعي .
ثم يوفر لتلك المدارس والمراكز ، من يقوم على خدمة النزلاء ( يطلق على من دخل نزيلا) تكاد تشبه كلمة ضيف ، وسيكون من مهمة الافراد ذوي الزي العسكري أن يعلموا النزلاء دروسا في التربية الوطنية ، ودروسا اخرى في كيفية التعبير عن الولاء لهي الطلعة الفريد النتفرد ، وربما يجعلونه يحفظ عن ظهر قلب بعض الأسماء والالقاب الخاصة ببهي الطلعة ، ثم بعض الطرق التي تمكنه من الاحتفال أو المشاركة في الاحتفالات ( الوطنية ) مثل عيد ميلاد بهي الطلعة أو عيد زواجه أو عيد ميلاد أحد اولاده ، فالتخلف عن المشاركة في الاحتفالات ( يعد خروجا عن القطيع ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى