الصفحة الجديدة بين لبنان وسوريا تحدّد وصفاً حقيقياً للعلاقات
اميل خوري
هل يمكن القول إنه بمجرد تبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية بين لبنان وسوريا تطوى صفحة الماضي الأليمة وتفتح صفحة جديدة وتعود العلاقات طبيعية او ممتازة ومميزة؟
اوساط سياسية ونيابية لها خبرة طويلة وتجارب في موضوع العلاقات بين لبنان وسوريا ترى ان هذه العلاقات لن تصبح ممتازة ومميزة ما لم تحترم اولا مبدأ “لبنان لا يُحكم من سوريا، ولا سوريا تُحكم من لبنان”. وهذا المبدأ لم تحترمه سوريا مدى عقود وعهود، فقبل وصايتها على لبنان كانت تتدخل في شؤونه عبر قوى سياسية وحزبية حليفة لها وتعامل لبنان معاملة الولد القاصر فتلومه او تعاقبه اذا بادر الى عمل داخلي او خارجي من دون الرجوع اليها، وكانت حتى مع العهد الصديق والحليف في لبنان تعاقبه اذا أخطأ بانزال الخشبة في المصنع عند الحدود بين البلدين او تعرقل حركة الترانزيت خلافا للقوانين الدولية بغية التضييق على لبنان. اما في زمن الوصاية السورية على لبنان فحدّث ولا حرج…
وبعدما انتهت هذه الوصاية وخرجت القوات السورية من كل لبنان، فان سوريا تحاول ان تبقى سياسيا فيه ولا تخرج منه، بدليل انها ربطت وجودها السياسي فيه ليس بحكم صديق او حليف لها فحسب، بل بأحزاب وشخصيات لبنانية تتحرك وفق توجيهاتها واشاراتها بحيث تستطيع من خلالها ان تتحكم بارادة هذا الحكم كي يبقى خاضعا لها. والتجربة الاخيرة في العهد الحالي كانت اكبر برهان مع انه يقف على مسافة واحدة من الجميع، موالين ومعارضين، اكثرية واقلية، فعوض ان تكون العلاقة مع هذا العهد من دولة الى دولة، فانها كانت مع سياسيين واحزاب اصدقاء وحلفاء لها تضغط بواسطتهم على الدولة عندما تشاء. وتشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة الحريري عوض ان يتم بارادة لبنانية صرفة ومن دون اي تدخل لعرقلة عملية التشكيل، فان ذلك تم بتدخل سوري مكشوف جعل النائب سليمان فرنجيه نفسه يقول بصراحة إنه لولا هذا التدخل لما كانت تشكلت هذه الحكومة… وعوض ان تمر “كلمة السر” السورية عبر رئيس الجمهورية فيسمعها هو الى اصدقائها وحلفائها في لبنان، فان هذه الكلمة اسمعتها سوريا بالذات لهم لتثبت للداخل والخارج ان لا حل في لبنان لاي مشكلة من دون سوريا، وان هذا البلد لا يزال قاصرا وعاجزا عن ان يحكم نفسه بنفسه.
اما الآن، فاذا صحّ ان صفحة الماضي الاليمة طويت وفتحت صفحة جديدة بين لبنان وسوريا، فان الصفحة الجديدة ينبغي ان تفتح على الصدق والصراحة والاخلاص كي تقوم بين البلدين علاقات توصف حقيقة بأنها ممتازة ومميزة، ولا شيء يجعلها كذلك الا اذا ساعدت سوريا لبنان على تحقيق الآتي:
اولا: تفعيل دور السفارتين في كل من دمشق وبيروت وتنشيطه فلا تظلان مجرد مبنى وعلم لتقوم بدورهما شخصيات سياسية وحزبية من فوق رأس السلطة اللبنانية ومن دون علمها. وهذا يطرح مصير المجلس اللبناني – السوري الاعلى واذا كان ينبغي ان يستمر الى جانب السفارة بداعي ان له مهمات غير مهمتها ام لا.
ثانيا: ان يصير البحث في الاتفاقات العديدة المعقودة بين لبنان وسوريا في شتى المجالات ومراجعتها بغية اعادة النظر في بعضها اذا كان لا بد من ذلك وبما ينسجم مع التطورات وخصوصا “معاهدة الاخوة والتعاون” واتفاق الامن والدفاع بحيث ان تطبيقهما قد يغني عن وضع استراتيجية دفاعية لمواجهة خطر اسرائيل، فيصبح هذا الاتفاق بعد تعديله هو البديل منها فتقرر سوريا ولبنان معا الذهاب الى الحرب مع اسرائيل او الذهاب الى مفاوضات سلام، فاذا تقرر الذهاب الى الحرب، فان السلطتين اللبنانية والسورية وبتنسيق عربي تحددان الدور الذي ينبغي اعطاؤه للمقاومة ليس في لبنان فحسب بل في سوريا وفلسطين لأن اسرائيل لا تزال تحتل اراضيها. واذا تقرر الذهاب الى مفاوضات السلام مع اسرائيل، فان لبنان بالاتفاق مع سوريا يحدد المرحلة التي يشارك فيها. واذا رأت سوريا ان توصّل لبنان الى اتفاق على تحرير بقية اراضيه كونه اقرب واسهل من التوصل الى اتفاق مع اسرائيل على موضوع الجولان، فما على سوريا الا ان تقدم الوثائق المطلوبة الى الامم المتحدة والتي تثبت ملكية لبنان لمزارع شبعا، كي يصير عندئذ ترسيم حدودها ووضعها في عهدة الامم المتحدة، ويعود لبنان عندئذ الى تطبيق احكام اتفاق الهدنة مع اسرائيل ريثما يتم التوصل الى اتفاق سلام شامل في المنطقة.
ثالثا: المساعدة على ازالة الاسلحة الفلسطينية خارج المخيمات وان تعمل السلطة اللبنانية على ضبطها داخلها، وهو ما اتفق عليه اللبنانيون بالاجماع على طاولة الحوار، خصوصا اذا تقرر الذهاب الى مفاوضات سلام مع اسرائيل وليس الى الحرب.
رابعا: المساعدة على تنفيذ القرار 1701 لان لا قيام لدولة قوية في لبنان قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها من دون تنفيذ هذا القرار تنفيذا دقيقا كاملا، وهذا يتطلب بادئ ذي بدء القيام بعمل مشترك من اجل ضبط الحدود ومكافحة التهريب والاعمال المخالفة للقانون وذلك بتنسيق الاجراءات على جانبي الحدود حتى اذا ما تم ذلك بدقة تسقط ذريعة اسرائيل في انتهاك الاجواء اللبنانية بحجة ان هذه الحدود مفتوحة لدخول الاسلحة الى لبنان.
خامسا: تفعيل اعمال اللجنة المشتركة المتعلقة بالمفقودين من الطرفين وتكثيفها واعتماد الآليات الكفيلة بالوصول الى نتائج نهائية بالسرعة الممكنة، والعمل على تفعيل التبادل التجاري بين البلدين.
إن تحقيق هذه الامور وغيرها هو الذي يجعل العلاقات بين البلدين ممتازة ومميزة لذا فالمطلوب من لبنان وسوريا ليس لقاءات حوارات بل لقاءات قرارات.
النهار