وزير للبيع بسعر مغر
عيسى بريك
اثناء استعراضي لبعض المواضيع على شبكة الانترنت، شدني موقع يستعرض بعض المقابلات التلفزيونية التي اجريت مع بعض المسؤلين العرب ومنهم بعض المسؤلين في السلطة السورية. وكون دمشق عاصمة للثقافة للعام 2008 كانت احدى المقابلات مع وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان اغا على محطة الحوار الفضائية التي تبث من المملكة البريطانية بتاريخ19 نيسان الماضي.في برنامج اسمه حوار الثقافة والادب.
استعرض معكم بعض المقاطع من هذه المقابلة(حرفيا)
…* سؤال: دمشق عاصمة الثقافة، لماذا يقبع المثقفون والكتاب في سجونها؟
ج- هناك احيانا تحدث اخطاء من السلطة مع بعض الجهات المعارضية، واحيانا تشك اجهزة الامن ان هؤلاء لهم صلات مع جهات اجنبية، وقد يكون وراء هذه الامور ما ورائها، وقد يدركها رجل الامن… انا انا لا اعرف اذا كان هذا الكلام صحيح او غير صحيح! انا اعرف ان هناك الان كتاب يعرضون على المحاكمات. وبعضهم اصدقائي واعرفهم انهم معارضة انا اعرفهم منذ سنين طويلة وهم معارضة. وانا لا اشك بوطنيتهم؟!
قلت في نفسي الرجل يحاول ان ينأى بنفسه عن مفاسد السلطة وتجاوزاتها على حقوق الناس! ويحاول جاهدا ان يفصل بين دوره كمثقف وكرجل سلطة! لا بل رفعت سقف توقعاتي وقلت قد يكون هذا اتجاه اصلاحي من داخل السلطة. ويبدو انني كنت افكر بما اتمناه وليس بما هو واقع.
نعود للسؤال الثاني: سالته المذيعة بلكنة جزائرية بعد ان اعتقدت انه وقع بين يديها وانها سوف تحرجه وتابعت…
* انت كرجل ثقافة ووزيرا للثقافة، هل تقبل ان يسجن هؤلاء الناس؟ هل تقبل بمحاكمتهم؟
حاول الرجل ان يعدل من جلسته ويرجع كرسيه قليلا ثم يعيده الى المكان الاول لقد كان الوضع محرجا وظننت ان الرجل سوف ينتصر فيه المثقف على رجل الامن. وسوف تنتابه صحوة الضمير المخدر بكرسي الوزارة وسيارات المارسيدس ومفاتن السلطة واغرائتها، ليسجل التاريخ ان رجلا في هذا النظام انحاز الى شعبه وهو لا زال على كرسي الوزارة. وجاء جوابه العاري من ذرة ضمير.
– طبعا.. طبعا اقبل بمحاكمتهم (وغابت البسمة عن وجه الوزير)
طبعا اقبل بسجنهم… يصمت برهة يبدو انه تذكر انه قال قبل قليل انه لا يشك بوطنية المعارضين فيحاول استدراك ذلك ليقول:
كل من يحاول السير بمشروع الشرق الاوسط الكبير اقبل بسجنه.
كل من يحاول… كل من يريد ان يثير القلاقل في المجتمع السوري اقبل بسجنه.
انا اقبل بسجن كل من يشكك بوطنيتنا وبهويتنا الوطنية.
ماذا حدث للرجل؟ فقد بدأ بداية هادئة ومعقولة نسبيا! الى ان بدأت عيناه تتجولان صعودا ونزولا على جدران الاستديو والكاميرات المحيطة به. وادرك انه لا يستطيع الاستمرار بتقمص دور المثقف. ولا بد من العودة الى دوره الحقيقي في ماكينة اجهزة الامن دون قناع او روتوش.
طبعا هذا الكلام لا يثير الاستهجان بل الاشمئزاز، لأنه يصدر عن شخص محكوم بثقافة الديكتاتورية من الداخل، وهو يفاخر بتبنيها لدرجة أنه لا يخجل ولا يشعر بالعار حين يقول كوزير ثقافة هذا الكلام والمطلوب فقط من الجماهير (الغفورة) أن نتبنى ما يقوله “السيد الوزير“ المثقف وإلا أصبحت في دائرة المتصهينين والمتأمركين والمحافظين الجدد والموساد. ما أطرفها ماكنة إنتاج الألفاظ هذه، ويا لخيالها الواسع، وما أضخم هذا الجهد المبذول لابتكار مصطلحات الإقصاء والتخوين.
لاحظ السيد الوزير على وجه السيدة التي تحاوره علامات الاستهجان فقد رفعت حاجبيها واتسعت عيناها في اشارة تعجب ساخرة!
حاولت ان تساله فقاطعها، رافعا اصبع السبابة.
– انا اسف ان اتحول من مثقف الى رجل سلطة… نعم ساسجنهم لاني اخاف على امتي من هؤلاء!
* سؤال: لكن هل تكرهون الناس كي يكونوا مثلكم يا اخي انا لا اريد ان اكون عروبية بعد ان راينا ماذا فعل العروبيون…
ويجيب السيد الوزيرقائلا:
– …اذكرك بقول معاوية لا نحول بين الناس والسنتهم ان لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا.
انا وزير في هذه السلطة لانني مقتنع باولوياتها ولو دفع لي في غيرها 100الف دولار (صمت واستدرك ان السعر الذي وضعه للبيع يبدو قليلا وخاصة اذا فهم منه ان سعره في السنة او الشهر.!)
وتابع: لو دفعوا مئة الف بالساعة لما قبلت!
وانهال بعد ذلك سعادة الوزير بشعارات التخوين والصمود والممانعة الى اخر هذه الاسطوانة المشروخة.
فالمختلف خائن وعميل، بل و”يقبض” من المخابرات الأميركية، والمبادئ التي يدعي سيادة الوزير تمسكه بها هي مالكة الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من امامها ولا من ورائها!
عن اي مبادئ وهوية وطنية يتحدث سعادة الوزير؟ عن سلطة فيها راتب العسكري الذي يدافع عن حياض الوطن(من العامة وليس الخاصة) 17 دولار في الشهر! عن أي شعب يتحدث واي وطن يخاف عليه؟! وعن اي مشروع يتصدى وعن اي صمود يتبجح سعادة الوزير؟! فكلاهما دعامته الأساسية شعب حر يتمتع بشروط الحياة الكريمة التي جعلها النظام حلماً في حياة السوريين. عندما تصبح حياة المواطن السوري زنزانة والركض وراء رغيف لا يستطيع الامساك به… وعندما يصبح حلمه كهرباء وماء وفرصة عمل.
عندما سيصيح الشعب بأعلى صوته نعيش ونموت فداء لكرامة المواطن في العيش الكريم وحق السوري بالعدالة والحرية وليس فداء للصوص والفاسدين الممانعين الصامدين في وجه شعوبهم عند ذلك فقط يتحرر المواطن والوطن.
من المؤكد أن هناك خلل في البنية الثقافية والتربوية للطبقة السياسية والثقافية في بلادنا، وخلل في الجمهور الذي أعطى لممارسات هذه الفئة الحياة لتمعن في نهبنا وابتزاز شعبنا .
لا بد من محاربة ثقافة الكذب والجبن، ثقافة النفاق، لأنها ثقافة تدميرية تمس المجتمع في الصميم، إذ تأتي من فئات يفترض فيها أن تكون إلى جانب المجتمع لا عالة عليه وعبئاً يتحمله، وإذا كان هناك من تبرير لأي نظام سياسي في سعيه لحشد المناصرين والمؤيدين، فليس من حق المثقف الذي يحترم نفسه قبل ان يحترم شعبه ان ينحدر الى هذا المستوى، لأنها ثقافة لا تصلح لبناء الأمم وتقدم الشعوب.