مملة.. و”نص”!
بسام القاضي
إنها مملة حقاً! هذه التفاصيل الهائلة العدد التي تتحفنا بها الحكومة كل يوم فلا تترك لنا فرصة التنفس بين الضحك سخرية، والضحك قرفا، والضحك موتاً! رغم أن موتنا هو أكثر ما تستمع به!
فهو القادر دائما على إشعار أثرياءها الجدد والقدامى بما تمكنت من تحقيقه تحت ستار “اقتصاد السوق الاجتماعي”، هذه الخدعة الكبرى التي شاركت في صياغتها وترويجها والضحك على ذقوننا بها كل الأحزاب والقوى والمنظمات والنقابات! وخرقت آذاننا وحولت عيوننا وهي تشرح وتشرح ما لا يشرح لأنه لا معنى له! فلا يتفق “سوق” و”اجتماعي” إلا في عقلين: خادع، ومخدوع. وأنا هو المخدوع.. فتفكروا من خدعني!
تحفة الحكومة اليوم، هو.. النص..!
لكن، طبعا، ليس أغنية الجميلة نوال الزغبي وهي تغني: نص القلب ارسمتلو.. ولا اسطوانة المسؤولين وقادة الأحزاب (المسؤولين أيضا) عن “نص الكأس الملآن”.. وبالتأكيد هو ليس “نص” العمر الفائت والذي بتنا نتحسر حتى على أحلك أيامه!
بل هو، ببساطة، “نص ليرة“!
ولا تفكروا بالبحث في جيوبكم عنه. فلن تجدوه. لأنه غير موجود أصلاً! فقد انقرض انقراض الربع، وقبله العشرة قروش، وقبله القرش، وقبله نصف القرش الأبيض (أتذكرونه؟)، في رحلة الانقراض التي قادتها سياسة حكومتنا الاقتصادية فحولت به “ازدهار” السبيعينيات إلى “خراب” الألفية الثالثة إرضاء للمعشوق (البنك الدولي الجنتلمان!) تحت ستار ورود الزيادات الوهمية والمكرمات المسحوبة أصلا من جيوبنا!
“نص ليرة” الذي لن يجده السيد الدردري في أي من أبواب خزانته (الصغيرة بالتأكيد!) في غرفة النوم.. ولا، بكل تأكيد ولا في أي من أدراج مكتبه الكبير.. وأيضا، بكل كل تأكيد لن يجده السيد العطري في جيب بنطاله الصغير الذي لم يعد موضة دارجة بعد أن صارت جيوب البناطيل المستوردة كلها… كبيرة.. كما لن يجده، ولكم أن تضعوا ما شئتم من تأكيدات، اي مسؤول مهما صغر أو كبر.. بل حتى أنتم، الفقراء (وبعضكم، طبعا ليس بفقير! بل إن بعضكم شريك لا يستغنى عنه في هذه اللعبة الفاسدة التي تدور كل لحظة! وقبل أن تتهموني امسحوا وجه المرآة كما لا تمسحون وجوهكم، وتأملوا!)، حتى أنتم لن تجدوا هذا الـ”نص ليرة” المفقود!
مع ذلك، ورغم ذلك، وفوق ذلك.. سوف تجدونه معلقاً، كرقم، في ورقة قررت بها سلطة تنفيذية (وهي، وفق قواعد الديمقراطية، سلطة فاسدة بالضرورة، بغض النظر عن أفرادها، لأن السلطة التنفيذية فاسدة بجوهرها) أن على المواطن ملعون السلف الذي يسوق “سرفيس” أن يتقاضاه من مواطن ملعون السلف والخلف يجلس خلف مقعد السائق المهرهر (أقصد بالمهرهر المقعد طبعا، وليست المقعدة ولا صاحبها، فاقتضى التنويه!)، ذاهباً وآيباً من عمله، أو من حيث يذل كما لا يذل كائن بحثا عن عمل..
هكذا.. من مكان كذا إلى مكان كذا.. التسعيرة هي: “12،5” ليرة سورية! ولمن لا يعرف قراءة الأرقام (وهي مهمة مستحيلة في ظل أرقام تتضارب كل يوم يخرج علينا بها فريق(نا) الاقتصادي حسب احتياجاته الترويجية) فإن هذه تعني: اثنتي عشرة ليرة سورية ونصف الليرة السورية. أي، بالضبط، وبكل تأكيد، ودون أدنى شلك، وبما لا يقبل اللبس: تلك القطعة المفقودة غير الموجودة في جيب أي مواطن أو مواطنة (بالمناسبة: هذه الكلمة “مواطنة” لا ترد في الدستور السوري ولا لمرة واحدة! بل إنها لا ترد اليوم إلا في بعض الإعلانات التلفزيونية “الموجهة” حين يخرج صوت مجهول ليقول لنا: اخي المواطن، أختي المواطنة.. كذا وكذا تحت طائلة الغرامة المالية!!)!
إنها “نص ليرة” يا جماعة! هل تستحق كل هذا العناء؟! بالتأكيد لا.. إنها نصف الليرة التي لا تستحق أي عناء، بما في ذلك عناء أن يتوقف من بدأ إدخالنا نفق البنك الدولي عن مسيرته المدمرة.. قبل أن يؤكل اليابس الذي تبقى..
بسام القاضي ـ النزاهة نيوز