قصة الهجرة والتهجير.. مهاجرون نحو خراب
لافا خالد
لا يمكن توصيف الحالة التي تعيشها الكثير من العائلات في الجزيرة السورية خاصة في الأشهر الخمسة الأخيرة, فهاجس الهجرة لم يفارق مخيلتهم ذات لحظة، والآن تتفاقم الصورة لحظة بعد أخرى بعد أن وجد المهربون وتجار البشر المنافذ الآمنة والغير الآمنة لهذه التجارة المربحة والمربحة جدا بالنسبة لهم
مئات العائلات من نساء وشباب وأطفال تركوا كل شيء خلفهم واتجهوا صوب تاريخ جديد وزمن مختلف وحضارة لا يعرفون عنها سوى أنها أوربا الاسم الكبير ولا يعرفون ابعد من ذلك, ترد المعلومات تباعا عن الأرقام المخيفة لهذه الجماعات العالقة إما في أزمير تركيا أو في اليونان وبعضهم ظل عالقا فقد حياته وكل شيء وأصبح طعما لحيوانات البحر وحيتانها, حقيقة الصورة قاتمة ومأساوية, حينما استمع إلى الكثير من هؤلاء كيف يغامرون بكل شيء وحينما أسمع آلامهم والفقر الذي يقاسونه ابحث لهم في قرارة ذاتي عن مبرر ولكني أتساءل ثانية هؤلاء الذين يحرقون مراكبهم وهم في عمق الوطن هل يدركون تماما أنهم متجهين صوب اللاتاريخ؟ ولكني اسمعهم يصرخون في وجه من دفعهم إلى هذا النزوح سنحرق تاريخنا ونتجه صوب اللاتاريخ، يدفعنا الوطن الذي يسكننا ولا نسكنه لكل ذلك ولا يستقبلنا الغرب فنبقى معلقين على أطراف جزرهم ليلتقط لنا الهواة والصحفيين تلك الصورة المؤلمة لهؤلاء الحالمين بمكان أفضل نسميها وطناً ويسمينا مواطن.
قصة الهجرة لا تبدأ بأسئلة لان المهاجرون هم إجاباتها، بعضهم هاجر بعد أن هُجِرَ في وطنه وآخر هاجر بعد أن فقد الهوية ليكتسب هوية جديدة للضياع، وآخرون يتحدثون عن حقوق الإنسان والجوع والبطالة والرغبة بحياة أفضل، نراهم في الحسكة كما ترونهم في مدنكم، يعرضون للبيع كد سنوات العرق الذي لم يجف على جباههم بعد، يعلن احدهم انه شاهد أطنان الأغذية التي رميت في البحر خلف البحار ونام ليلتها وأولاده بمنتصفات الجوع وآخر يتحدث عن حديث مغترب وبطالته المدفوعة الأجر لحين حصوله على عمل جديد وآخر يتحدث عن الجنسية التي حصل عليها ولم يتأخر عن موعده يوما وغريب الحديث لمن هاجر انه سمع إن كلاب بلاد الكفر لها بطاقة وجنسية سفر وان لقططهم أطباء للأسنان وعلم النفس بينما ولد وعاش ومات في وطنه يحلم بهوية وجواز سفر.
يبدو المشهد غاية في الألم حينما نراهم وهم يعرضون كل ما يملكونه للبيع و يتركون أطفالهم وزوجاتهم وأمهاتهم في اكبر عملية هجرة جماعية شهدتها مدننا، بعضهم يحتال عليه المهرب فيعود مهزوماً قبل دخول المعركة وآخرون يبتلعهم البحر أو يمسكهم الشرطي على الحدود والبقية تنجح بالوصول، فهل هي اليوتيبيا التي تحققت أم تكملة لحلقات الألم الذي دفعهم صوب المجهول؟
قد تكون لدوافع الهجرة عوامل مشتركة، يردها البعض لتفرعات الفقر، والفرق بين البلدان التي تصدر البشر والتي تستوردها، الفرق على صعيد مفردات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولكن هناك مدن وخيم تطرح نفسها بقوة كي نعيد قراءتنا لقضية الهجرة وأسبابها، فمدينة ستالينغراد قاومت الحصار لأشهر ولم تسجل في تلك المدينة المحاصرة بحراب النازية أزمات اجتماعية وأخلاقية أو هروبا من خلف أسوار الحصار…إن مسألة الهجرة تتعلق بشعور الإنسان بالانتماء، ولا يمكن للانتماء أن تكون هوية أن كانت في المدينة مدينتان على حد قول عبقري العصور شكسبير.
وجيز الكلام… هؤلاء الراحلون في كل مكان من خراب صوب خراب عيون المخبر السري طارد حلمه في الوطن وعيون أهل الغرب تقتنص إنسانيته بعد هجرته ونقرا في عيون المهاجرين بعد أن احرقوا مراكبهم مرتين: إنهم المهزومين الذين هزموا تاريخ الإنسان وحضارة الإنسان في أهم فقراته.
موقع ثرى