منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في نسحة افتراضية على الفايس بوك..
ملاذ عمران
ربيع دمشق آتٍ لامحالة، طالما أنكم تحلمون بالربيع وتترقّبون عودته، مهما حاولت الأيدي العابثة أن تغيّبه وتقصيه.
شيركو بيكاس شاعر الحرية ضرب لنا مثلاً عن الشعور بالحرية حتى وإن عطّلت الأقدار العابثة حواسنا.. فقبل ثلاث سنوات منعت الأجهزة الأمنية آخر معاقل الحرية في سورية.. حينها وجّهت ما ظنّته ضربة قاصمة للحرية بحصارها منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي.
لكن هذه الفسحة الافتراضية التي نستنشق منها عبق الحرية كفيلة بطرح الديمقراطية من جديد.. هنا سنناقش ما يعترينا من أفكار، عبر مواضيع أسبوعية، حيث سنؤازر بعضنا في استنشاق عبق الربيع، كلّ بما تسعفه الظروف..
هنا الجميع محاضرون وفي الوقت ذاته متداخلون ومستمعون.. وإذا ما حال عائق أحدنا عن إبصار بعض الحقائق، عندها سيجد الآخرين بجواره.. فهنا الضرير سيرى عبر عين الأصم، والأصم سيسمع عبر أذن الأبكم، والقابع خلف القضبان سيعرف عبرنا نحن ما يدور في أروقة الحرية.. وسيكون بوسعنا جميعاً أن نستمتع بتنشق الحرية عبر هذه الفسحة الافتراضية..
ورقة نقاش هذا الأسبوع: ملاذ عمران: الشباب والمشاركة بالشأن العام
منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي.. كي نحلم بالربيع.. وورقة النقاش الأولى مع ملاذ عمران: الشباب والمشاركة بالشأن العام..
أولاً مبروك لنا جميعاً عودة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي بهذه الحلّة.. لا أستطيع أن أخفي سعادتي حين أرى بأننا في الأيام الأولى لانطلاقته تمكنا من جمع 149 شخص حول طاولة حواره المستديرة دائماً.
كل الشكر ل سهير الأتاسي التي لم تتوانَ أبداً عن إعادة إشعال هذه الشمعة مرّة بعد مرّة بعد مرّة، بالرغم من رياح السموم التي تعصف في كل مكان.
بعساكرهم….. عذراً……. بأخوتنا وأبناءنا وأصدقائنا الذين عسكروهم، يستطيعون متى شاءوا القضاء على الوجود المادي لنا أو لهذا المنتدى، لكنهم أبداً لن يتمكنوا من قتل الفكرة فينا.. وستتجدّد في كل يوم ومع كل فرصة بأشكال جديدة، متمردةً على كل أدوات القمع المُحدثة.. وما هذه الولادة اليوم بشكلها الإلكتروني الجديد إلا دليل على أن الإرادة والأمل في التغيير نحو الواقع الذي يحق لنا أن نحياه، هي مسيرة ثابتة متنامية لا يمكن للبساطير قمعها.
لا أستطيع اليوم إلا أن أرى نفسي معكم في حديقة المنتدى بمشروع دمر حيث يحيط الياسمين الدمشقي الأبيض بنا من كل صوب.. فاعذروني لا أستطيع إلا أن أكتب كمن يحادثكم وجهاً لوجه.. دعكم من العيون المتربّصة خلف السياج.. فهم اختاروا ذاك المكان بالرغم من أنهم مدعوون للجلوس هنا على هذه الطاولة والحوار.. دعكم منهم ولنحتفل معاً بهذه الوجوه الجديدة والشابة، ولنلقي التحية على كل معتقلي الرأي في السجون.. لن نخصّص أحداً فقد طالت المقدمة ولدينا حوار نكمله هنا.. أعلم بأنهم لن ينزعجوا أبداً، وأستطيع أن أرى الابتسامة والفخر في عيونهم بعد أن يعلموا بأننا معاً وجدنا طريقة أخرى للحوار في منتدى الأتاسي.
موضوع الحوار اليوم في العنوان هو كليشة سمعناها كثيراً “الشباب والمشاركة بالشأن العام”، لكن في مضمونها أرجو أن نسعى معاً للخروج عن تصوراتنا المسبقة لهذه القضية وإعادة دراستها من نقطة الصفر، علّنا نصل إلى حقائق جديدة تفضي إلى حلول أكثر فعالية.
بالرغم من أني سأتكلم بثقة إلا أني لا أدعي أبداً بأني أقدّم من خلال هذه الورقة تحليلاً دقيقاً لمشكلتنا نحن الشباب في سورية، ولا أدعي بأني أمتلك أو سأقترح الحلول الشافية، فأنا أقف اليوم أمام أسماء ووجوه لطالما رغبت في حمل تواقيعهم على دفاتري.. إنما ما أحاوله اليوم من خلال هذا المنتدى، هو تقديم تصوّر من وجهة نظري التي تمثلني كفرد من هذا الجيل الشاب، بغية إيجاد آلية حوارية تمكننا من العمل معاً للوصول إلى فهم أعمق لقضيتنا، والتشارك في وضع رؤية مناسبة لأفاق العمل المستقبلي مع الشباب.
سأتطرّق في هذه الورقة إلى أربع محاور أساسية قد لا تكون جميعاً محط اختلاف أو غموض يتطلب النقاش، لكني أرغب ذكرها للتأكيد عليها أهميتها رغم وضوحها وتوافقنا جميعاً حولها .
لماذا يجب علينا الاهتمام بالشباب وإشراكهم؟
من هم شباب سورية اليوم وما هي المشكلة؟
كيف نتواصل معهم ونعيد لهم الاهتمام في نيل حقهم بالمشاركة؟
عندما يعودون من غربتهم كيف نضمن أن حماسهم لن يقودهم لامتلاك أدوات عنيفة؟ (والعنف من طبع الشباب)..
لماذا نحن الشباب؟
بالرغم من أنها بديهية بالنسبة للكثير وما وقوفي هنا اليوم إلا نتيجة لإدراك أهمية دور الشباب وضرورة إعطائهم الفرصة للمشاركة، إلا أنه وبشكل عام هناك تقصير في الاهتمام بهذه الفئة ولا مشكلة في أن أبدأ بالترويج لنفسنا قليلاً.
فإذاً لماذا إشراك الشباب (المتسرع أو المتهور في بعض الأحيان، المفرط الحماسة والحساسية الذي ينقصه الحكمة والخبرة غالباً)؟
ببساطة لأننا نحن الشباب طوباويون وننزع دائماً نحو المثالية.. لست أنا من يقول هذا، فكل الدراسات التي تناولت الشباب أكّدت ذلك.. والقضية هنا (النشاط والمشاركة في الشأن العام) بأبسط صيغها الممكنة هي نزعة نحو المثالية وتغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل ضمن مجموعة من متناقضات “الخير والشر” (أبيض وأسود، استبداد وديمقراطية، ظلم وعدالة، حرية وعبودية، حق وباطل، ذُل وكرامة، فساد ونزاهة، غنى وفقر، خضوع وعنفوان، إلخ…….).. لذلك وبغضّ النظر عن مستوى اطلاع وثقافة ووعي كل فرد منا، يمكننا الثقة بأن طوباوية الشباب ستقودنا إلى الاصطفاف في المكان الصحيح من هذه المعادلة فيما لو أدركنا ما هو الواقع اليوم وما هو الممكن غداً وصدقوني نحن نعلم.
والقضية بأمس الحاجة لنا كشركاء في هذا التغيير لأننا ببساطة من يمتلك الطاقة والنزعة والحماسة لتغيير العالم من حولنا إلى صيغته المثالية.. ولأننا الشباب فنحن الأكثرية التي تصنع الفرق، بالإضافة لامتلاكنا روح المغامرة والتحدي والمرونة المطلوبة لتقبّل كل جديد، والفضول لاستطلاعه وتبنيه والدفاع عنه.
هل أقنعتكم بضرورة إشراكنا (o_O)؟
المحور الثاني
من هم شباب سورية اليوم وما هي المشكلة؟
لنتمكّن من فهم الشباب دعونا نعود معاً إلى مراحل الطفولة المبكّرة لنلاحظ ما هي الظروف والعوامل الموضوعية التي نشأوا فيها، والتي ساهمت في تكوين شخصيتهم.
معظم شباب اليوم ولدوا في عقد الثمانينيات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وتلك هي الفترة التي بدأت تشهد تقبل حقيقة انتصار النظام الحاكم على المجتمع في سورية، وبداية فترة النكوص والانسحاب من الشأن العام وكل ما يتعلق به من قريب أو بعيد، تحت ضغط أجهزة القمع والاعتقال والتغييب والتعذيب الدموي.. تلك الفترة كانت كابوساً بكل معنى الكلمة للشعب السوري، ففي ذاك المناخ من الرهاب والخوف الشديدين، ولدنا نحن شباب اليوم.. في ذلك الوقت لم نكن نحن الأطفال حينها الخائفون بل من كانوا مسؤولين عن تربيتنا، ولا يخاف الأهل على أنفسهم بقدر خوفهم على أطفالهم لذلك كان هناك مبالغة في حمايتنا، كانوا مستعدين لتغيير قناعاتهم لإنكار الحقيقة وتزويرها، كانوا يربونا على مبادئ هم غير مقتنعين بها، والهدف هو غسل دماغنا بغية حمايتنا إن كان ذلك في البيت أو في المدرسة.. كانوا مؤمنين ومستسلمين بأن القضية هي قضية عين ومخرز، هذا ما ربونا عليه.
كل واحد منا يحمل في ذاكرته قصص تقشعر لها الأبدان، سمعنا بها همساً أو ربما عايشناها.. أذكر جيداً كيف اختلست النظر ورأيت جارنا وهو يري والدي أثار الكرسي الألماني والدولاب على ظهره وجسده.. وأذكر كيف اختفى صديقنا في المدرسة الإعدادية ليعود بعد 3 أشهر وهو يحمل إعاقة رافقته طويلاً، جريمته الوحيدة هو أنه همس في أذن صديقه متذمراً من أشعة الشمس الحارقة في إحدى الاحتفالات القومية “ما خلصنا من عرس حمدي”.. فقد نشأنا على قاعدة أن الحديث في تلك الأمور محرّم تماماً حتى بين أقرب المقربين، فالحيطان لها آذان.. لذلك فنحن نحمل شعوراً بأن البيئة من حولنا هي بيئة معادية وخطرة جداً فيما لو حاولنا فقط مجرد مناقشة أو انتقاد أمور تتعلق بالشأن العام.. وما اندرج على طفولتنا ومراحل الدراسة الإعدادية والثانوية يندرج على الدراسة الجامعية وما بعدها.
كل هذا وقبل أن نبدأ بالحديث عن الخطوات المقصودة والممنهجة التي اتخذها النظام لتغييب هذه الشريحة وإقصائها عن طريق احتكار العمل مع الشباب في الجامعة وحصره بحزب البعث من خلال الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وتدجينهم مبكراً عن طريق منظمات مثل طلائع البعث وشبيبة الثورة.
إذاً أين طاقات الشباب اليوم؟ وما هي المجالات التي تحوز على القسط الأوفر من اهتمامهم ومشاركتهم؟ إذا قضى أي واحد منا وقت قصير في الحرم الجامعي سيجد أن 50% منهم يكتبون الشعر والقصة والخاطرة، و20% يتجهون نحو الاهتمام بالمسرح والسمة الغالبة لمواضيعه تدور حول المذهب الإبداعي بما يحمله من فردية وتمجيد للآلام والبعد عن الواقع المعاش، وقلة قليلة منهم هي التي تتمكن من النشر أو الخروج بعمل مسرحي حقيقي على الواقع (الأرقام هي تقديرية وتعبّر عن ملاحظتي لا أكثر).
قد تبدو الصورة قاتمة جداً حتى أنها قد تبعث على تعزيز مشاعر الخوف لدينا، لكننا فيما لو أردنا إيجاد حلول مناسبة لهذه المشكلة علينا بناء ذلك على الصورة الواقعية بغض النظر عن مدى قتامتها.. للصورة جوانب مشرقة أيضاً سأتطرق إليها في الفقرة اللاحقة.
المحور الثالث
كيف نتواصل معهم ونعيد لهم الاهتمام في نيل حقهم بالمشاركة بالشأن العام؟
طبعاً هناك الكثير من الأفكار أكثر من أن تُعدّ أو تحصى.. وما سأقدمه لا يعدو عن كونه واحدة من الأفكار.
كي نتمكّن من جذب الشباب، علينا أن ندرك أولاً ما الذي يجذب انتباههم.. فهل الشعر والمسرح مثلاً جذابان لهذه الدرجة للاستحواذ على نشاطهم؟ أنا لا أعتقد ذلك وأعرف جيداً من خلال أصدقائي بأنهم ليسوا فعلاً مهتمين، لكن ما يجذبهم فعلاً هو نمط الحياة هذا (life style)..
فلا يمكنكم تخيّل مدى المتعة التي يحققها هذا الطابع لهم، فإن نظرتم في عيون أحدهم وهو يقرأ قصيدة لأصدقائه حول طاولة في مقصف المدينة الجامعية ثم يتلقى الإطراء من الصبايا والشباب حولها، يمكننا أن ندرك بأنه يكتب لأجل هذه اللحظة، فهي تشعره بوجوده وتحقّق له ذاته كشاب ذو مكانة بين أصدقائه.. ثم يكونون هذه الشللية ويعيشون حياتهم بأجواء معينة تدفعهم إلى أقصى حدود الابتكار والإبداع، إن كان ذلك في الأدب أو المسرح أو غيره.
إذاً الشباب يحتاجون لنمط حياة يشعرهم بقيمتهم ووجودهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، وتحديداً الجنس الآخر.. كيف لنا أن نمنحهم ذلك؟ كيف يمكننا إدخال الاهتمام والمشاركة بالسياسة والهمّ المجتمعي إلى هذه الشللية؟ هذا هو التحدي أمامنا.. نريد شلل مهتمة بالشأن العام وتفاخر بنشاطها به كما يفاخرون بالأدب والمسرح.
للجواب على ذلك علينا أن نعرف كيف يعبّر الشباب عن أنفسهم عادةً.. ما هي بوابتهم الأولى لذلك.. أنا شاب، وأقول لكم من خلال الملابس والموضة فهل يمكننا استغلال هذه النقطة بإمكانياتنا المتاحة وبشكل يلقى قبول لدى الشباب.
نعم ذلك ممكن.. لكننا نحتاج أن نبدأ بأشياء بسيطة جداً لا تلعب على وتر الخوف الحساس لديهم أو لدى الجهات الأمنية.. ما هي أبسط قضية تتعلق بالشأن العام، وليس هناك أي مشكلة أمنية في طرحها لدى الشباب؟
جرائم الشرف مثلاً.. يعمل مرصد نساء سورية منذ فترة طويلة على هذه القضية، والحساسية الأمنية حولها منخفضة جداً، فكيف ندخل هذا الهم إلى أوساط الشباب والجامعيين بطريقة تحفزهم وتحفز غيرهم على الانخراط في العمل المجتمعي؟ كيف ندخل هذا الاهتمام من بوابة ثيابهم؟
تخيّلوا لو أن طالب جامعي دخل على المقصف وهو يضع على صدره شعار صغير مثل هذه الشعارات..
مكتوب عليها “لا لجرائم الشرف”.. يمكنكم تخيّل ماذا سيحدث؟؟ سيجلس مع أصدقائه في المقصف أو في الحديقة والسؤال الأول “شو هذا؟” سيجيبهم وسيدور نقاش حول جرائم الشرف.. أغلبهم سيعارض هذه الجرائم وأحدهم سيسأل من أين أتيت به؟ هل معك واحد آخر؟.
بعد يومين أو ثلاثة سيتنقل الحوار إلى المشكلات المتعلقة بتغيير قانون جرائم الشرف، وسيكون هناك شلة تتحدث في هذا الموضوع وتستقطب اهتمام الشلل الأخرى.
بعد فترة قصيرة يمكن لشخص ما من شلة أخرى أن يضع شعاراً صنعه بشكل يدوي لموضوع مختلف تماماَ.
وبعدها يمكن أن يتحوّل الموضوع إلى موضة وصرعة للتعبير عن الآراء والأفكار والشخصية من خلال الملابس.. وستدور حوارات معمّقة ستضطر الكثير من الشباب إلى تخصيص وقت من المحادثات في غرف الدردشة والاطلاع على تلك المشكلة محط الحوار اليوم.
بعد فترة ستقرّر إحدى الشلل عمل شيء لوقف جرائم الشرف.. ولا يمكنكم تخيل الأفكار الخلاقة التي قد تخرج منهم.
لا شك بأن موضوع كهذا يحقق معادلة تحقيق الذات بالنسبة لهم أكثر من قراءة قصيدة.. ولا شك بأن الشلل المهتمة بالشأن العام أكثر جاذبية ومتعة ودينامكية من شلل المسرح.
المحور الرابع
عندما يعودون من غربتهم كيف نضمن أن حماسهم لن يقودهم لامتلاك أدوات عنيفة؟ (والعنف من طبع الشباب)..
ومن يضمن بأن إشراك الشباب لن يقودنا إلى مزيد من التردّي في الوضع الحالي؟ هل تكفي التجارب العالمية الإيجابية لإقناعنا؟ أليست هناك تجارب كارثية لتحفيز الشباب ومشاركتهم.. (أغلب الانتحاريين والإرهابيين شباب مهتمون بالشأن العام)؟
إن هذا التحدّي هو ما سأتركه للصديق العزيز أحمد مولود طيار.. فهو يعمل اليوم على إعداد ورقة عمل عن النضال اللا عنفي ستتم مناقشتها في الأسبوع المقبل في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي.
مودتي لكم جميعاً..
متشوّق للحوار معكم..
ملاذ عمران