إلا إذلال المواطنين!
رزان زيتونة
ليته صمت، ولم يقل الأمور كما هي. حياة النعامة مدفونة الرأس في بعض الأحيان أكرم من عيشة الطاووس منتوف الريش! لم يكن من داع لأن يطالب الأبرش بتوزيع البدل النقدي لمادة المازوت “من غير إذلال”؛ لم يكن من داع لفضح الحقيقة التي يعيشها الآلاف يوميا، وهي أن دفئهم أو شيئا ضئيلا منه، يمنح على حساب كرامتهم.
وكأن الأمر يقتصر على آلية التوزيع والمشكلة تكمن في تجاهل “الخطوات اللازمة” لضمان سير عملية التوزيع “بشكل لائق”؛ وهو ما يقتضي من المواطنين التزاحم أو الوقوف في طوابير لساعات أو أيام، كما لو رجع بنا الزمن إلى أيام توزيع السمن والزيت والمناديل الورقية وربطة الخبز. وكأن شروط استحقاق الدعم بحد ذاتها غير مذلة؛ وهو ماجعل الدولة تبدو على حد قول البعض كجمعية خيرية توزع الصدقات على الفقراء واليتامى، شرط إبراز ما يثبت عوزهم ويتمهم. على الأقل في الجمعية الخيرية، يأخذ الفقير صدقته بصمت وهدوء وبعيدا عن كاميرات الصحافة وتعليقات رئيس مجلس الشعب.
وكأن التأخر في توزيع الدعم حتى الآن لا ينطوي على إذلال؛ وكأن تشرين وكانون كانا ربيعا دافئا بل وأقرب إلى الصيف؛ والشتاء السوري يبدأ فقط في كانون الثاني حسب توقيت توزيع الدعم.
دليل آخر على احترام الناس وعقولهم وكراماتهم، هي خدمة الثواني التي طرحت مؤخرا من قبل شركات الموبايل؛ ولمن لا يعلم، فقد أتت هذه “المنحة” بعد حملات وحملات قام بها سوريون وسوريات، تضمنت مقاطعة وعرائض وتواقيع، من أجل تخفيض نسبة نهب المواطنين من قبل شركات الخليوي والمؤسسة العامة للاتصالات.
خدمة الثواني جاءت “استجابة” جزئية لمطالب الشعب، لتجعل قيمة الفاتورة أكبر مما كانت، كلما ازداد عدد دقائق المكالمة! ويذكرني ذلك – على اختلاف الموضوع – بمطالبات المنظمات الحقوقية المكرورة لوقف استخدام القضاء الاستثنائي، فكان أن تمت “الاستجابة” –جزئيا- بإحالة العديد من معتقلي الرأي إلى القضاء العادي ولكن بالتهم نفسها والأحكام نفسها والعبث نفسه بالقانون.
صار المرء يخشى البوح بأمنياته أمام مارد “الإبريق السحري”؛ فإن تمنى قصرا جرى وصمه قاصرا مدى الحياة؛ وإن تمنى الحصول على الدفء جرى إمطاره بالحطب الجاف.. لا بد أن يكون سوء تفاهم ما يؤدي إلى ذلك كله، ومن ضمنه، حرص مجلس الشعب على كرامة المواطنين المصونة.
يصح التساؤل بعد ذلك، إن كان كل ما يجري تخطيطه وتنفيذه على أرض الواقع هو فقط بهدف إذلال المواطن “وكسر عينه”؛ وتعزيز الشعور لديه بالامتنان فقط لأنه على قيد الحياة؛ ومن ثم أن يحجر ذاتيا على صوته فلا حاجة بعدها إلى رقيب ورقباء.
ويبقى مع ذلك صحيحا أنه..إلا إذلال المواطن.. حيث لا أحد تماما يعلم مصير من يجبر على ابتلاع حنجرته!