صفحات ثقافية

كاتب زوربا: عندما تحتفل إيران بنيكوس كازانتزاكيس

null

ميكاليس فيريلاس

لا شيء تتصاعد منه رائحة “صدام الحضارات” أكثر من المواجهة اليونانية-الفارسية الكلاسيكية في الزمن الغابر. هذا ما يقولونه لنا بأي حال. لأنه سرعان ما تحول هذا الصدام بعد وقوعه شيئاً أشبه بمزيج من الحضارات مع بروز بيئة جديدة ومتعددة الثقافة مارست تأثيراً، إذا لم نقل سيطرت بصورة مباشرة على معظم العالم الأورومتوسطي إلى أن أصبحت الكنيسة والمسيحية هيئتين رسميتين في الأمبراطورية.

لننتقل مباشرة إلى 13 نيسان 2008: نظّمت المكتبة الوطنية في إيران احتفالاً لتدشين القسم اليوناني وتكريم نيكوس كازانتزاكيس – صاحب الرواية الشهيرة “زوربا اليوناني” – الذي توفّي قبل خمسين عاماً. وحضر الحفل الذي شاركت السفارة اليونانية في طهران برعايته، عدد من المسؤولين الإيرانيين. قال لي إفانجلوس فنتيس، وهو باحث يوناني حول إيران قدّم ورقة عن كازانتزاكيس في الحفل “يعتبر الإيرانيون عمله ثروة في أدب الحرية، ولهذا يحظى باحترام واسع ليس فقط في أوساط النخبة الأكاديمية في إيران إنما أيضاً لدى الفئات الأخرى في المجتمع الإيراني، بما في ذلك السياسيون والبيروقراطيون“.

لا شك في أن كازانتزاكيس يعني أشياء مختلفة لقرّاء مختلفين نظراً إلى اتّساع أعماله وتعطّشه لإيجاد أجوبة عن الأسئلة الوجودية. ولذلك ليس مفاجئاً أن هناك إيرانيين معجبين بأعماله. لكن هناك فارق بين أن يعتبر إيرانيون أفراد رسالة معيّنة في أعمال كازانتزاكيس مهمة وأن تقرّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية رسمياً بشخصية مثيرة للجدل كشخصيته.

بالفعل، اختيار كازانتزاكيس بين كل الكتّاب اليونانيين الآخرين مثير للاستغراب، لكن لعله يعكس أيضاً المفارقة التي تشكّلها إيران. فكازانتزاكيس ليس مجرّد كاتب عادي – لا في اليونان، وبالتأكيد ليس بالنسبة إلى ثيوقراطية مثل إيران. أسقطت لجنة اختيار المرشحين لجائزة نوبل اسمه عام 1956 بسبب الجدل الذي أثارته أعماله، ولا سيما لدى المحافظين وعناصر الكنيسة. ولعله واحد من حفنة قليلة من الكتاب الذين دخلوا “الكتب السوداء” لدى الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية – حتى إن الكنيسة الأرثوذكسية ذهبت إلى حد إصدار حرم كنسي بحقه. داعب الشيوعية لكنه كان يتمتّع بوعي ذاتي كافٍ ليرى الوجه الحقيقي للثورة البولشفية، وأدار ظهره لها في العشرينات مع أنه لم يتخلَّ قط عن تعاطفه مع الإنسان العادي.

وبينما كان يستكشف الفلسفات السياسية، غاص كازانتزاكيس في الأديان – فتحدّى رجال الدين وآمن بالإنسان أكثر من إيمانه بأي إله. بالفعل، تواجه مع الله إلى درجة أنه لم يتردد في وضعه في مرتبة الإنسان معتبراً أنه يتعرّض للإغراءات والمعاناة والقلق شأنه في ذلك شأن الإنسان. وكان كازانتزاكيس مهووساً في شكل خاص بالحرية، وإذ أدرك السلاسل الكثيرة التي تقيّد البشرية، سواء كانت في شكل الحاجيات الأساسية اليومية أو العادات الاجتماعية أو السلطة الدينية، سعى جاهداً لإيجاد حلول لها. إذاً كان كازانتزاكيس ينتمي إلى الآداب الإنسانية أكثر من أي شيء آخر – وقد حظي بالمديح من أمثال ألبر كامو وتوماس مان وألبرت شوايتزر.

من السهل انتقاد الدولة الإيرانية بسبب سياساتها القمعية. لم يتمتع الشعب الإيراني قط بالكثير من الحرية، سواء في ظل الشاهات أو الملالي. ولذلك فإن قرار تكريم كازانتزاكيس ليس مثيراً للاستغراب وحسب بل ربما يدعو للتفاؤل أيضاً. كتب محمود فاضلي، القائم بالأعمال الإيراني في أثينا، مقدّمة للحفل تداولتها بكثرة وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة الإنكليزية. فالديبلوماسي الذي يعي جيداً المفارقة التي يشكّلها تكريم كازانتزاكيس، حاول بشجاعة أن يتجنّب أن يشرح كيف أنّ دولة يحكمها رجال دين تقبل رسمياً بكاتب يشتهر بانتقاده لرجال الدين. على الرغم من أن فنتيس يصف عداء كازانتزاكيس لرجال الدين بأنه غير مطلق، يقرّ أن “تنظيم هذا الحدث في ظل الرعاية الأكاديمية الإيرانية الأكثر رسمية يظهر أن الحقيقة أكثر تعقيداً بكثير في إيران“.

اختار فاضلي أن ينسب إلى كازانتزاكيس أوسع خصائص ثقافية وفلسفية ممكنة. كتب “على الرغم من أن كثيرين يتذكّرون كازانتزاكيس من خلال كتابه ’تجربة المسيح الأخيرة‘، لا يقتصر عالمه على كتاب أو خط تفكير معيّن”. ووصفه بأنه يؤمن بأن الإنسان هو “في سفر دائم” بحثاً عن الله. ويقول فاضلي لمن “يعتبرونه مسيحياً” إنهم لا يعون تعقيدات المؤلف: “كان في الوقت نفسه أو على التتابع، مسيحياً وغير متديّن وفوضوياً ومن أتباع الحركة الإنسانية والرواقية“.

هل من رسالة هنا عن إيران ربما فاتتنا جميعنا؟ فكما حاول فاضلي أن يشرح عن كازانتزاكيس الذي قال عن أعماله إنها “تناقض بعضها بعضاً أحياناً”، إيران هي مفارقة أيضاً. في مقال صدر له مؤخراً عن الانتخابات الإيرانية، يقول عالم الاجتماع المقيم في الولايات المتحدة، أحمد صدري، إنه على الرغم من أن إيران قد لا تكون ديموقراطية ليبرالية، إنها “ديموقراطية تمثيلية مطعَّمة في شكل ثيوقراطية”. وإذ يشير إلى الجمهورية الإسلامية بأنها “عيّنة فريدة من نوعها”، يتوقّع ظهور ديموقراطية أقوى في إيران، ومن خلال سيناريو “الاحتفالية المتزايدة للثيوقراطية” الذي يعتبره مرجّحاً لتفادي زعزعة الاستقرار الراديكالية الطابع في البلاد.

بحلول ذلك الوقت فإن القوى التي تكون في الحكم في إيران قد تنتبه أيضاً للجواب الذي رد به كازانتزاكيس على منتقديه في الكنيسة “أعطيتموني لعنة أيها الآباء المبجّلون، وأنا أعطيكم بركة: عسى أن يكون ضميركم مرتاحاً مثل ضميري، وعسى أن تكونوا أخلاقيين ومتديّنين بقدري“.

عن “هآرتس

ترجمة نسرين ناضر

(نص إسرائيلي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى