يا للبراعة !
راجح الخوري
الاكتشاف العظيم الذي توصل اليه بعض المسؤولين والسياسيين في هذا البلد السعيد، هو ان الانفجار الذي حصل مساء السبت في الضاحية الجنوبية، كان “عملاً تخريبياً” فيا للبراعة! وانه يهدد الاستقرار والامن في البلاد، وان الاصابع او البصمات او الايدي الاسرائيلية الخبيثة هي التي تقف وراءه… ويا لليقظة!
امام هذا النوع من الكلام الخشبي المتكرر دائماً، وقد صدر مرة اخرى عن بعض المسؤولين والسياسيين، ليس على المواطن، الا ان يترحّم فعلاً على الاوضاع “السارحة والرب راعيها” كما يُقال، مع ان هناك شكوكاً فعلية ان يكون لدى الرب سبحانه وتعالى وقت لرعاية الغافلين عن بلدهم ومستقبلهم.
كل الكلام الذي سمعه الناس او قرأوه يقول ان الانفجار “عمل تخريبي”، ولكأنه يمكن ان يكون عملاً بنّاءً أو خلاّقاً مثل افكار بعض السياسيين وعقولهم المستنيرة مثلاً.
وإضافة الى هذا الاكتشاف العظيم لم يقصّر السياسيون في استحضار عدة الوعظ وتفصيل النظريات وإسداء النصائح، وخصوصاً في مجال شحذ همة الأجهزة الأمنية وحضّها على السهر والتنبّه، ودعوتها الى تفعيل عملها في مراقبة شبكات التجسس. ولكأن هذه الأجهزة في حاجة أصلاً الى مثل هذه النصائح، وهي أي الأجهزة، التي سبق لها أن اكتشفت عشرات الشبكات المعششة حتى في داخل المربعات الأمنية المقفلة، وحيث لا يجرؤ أحد على الدخول، ولم تطلب منّة أو شكوراً كما يقال، رغم انها كانت عرضة لمظالم الحملات والادعاءات التي استهدفتها، وخصوصاً منها “فرع المعلومات” الذي كسر الرقم القياسي في اكتشاف الشبكات، بعدما كان قد حطّم الرقم القياسي في التعرّض للتجنيات!
لكن القصة في جوهرها وعمقها ليست قصة نباهة المسؤولين واكتشافهم المدهش. القصة في عمقها الذي يستحق التأمّل، لا بل يستحق التفجّع، ان هؤلاء المسؤولين لم يكتشفوا كم ان الدولة مُهانة مثلاً وكم ان السلطة منتهكة، وكم ان الهيبة الوطنية مشرشحة، حيث اكتشف اللبنانيون مرة جديدة أيضاً، أن القوى المسؤولة عن الأمن ممنوعة من دخول المنطقة التي حصل فيها الانفجار.
كذلك ان المراجع الأمنية ليست على دراية ربما، بأن حركة “حماس” وكذلك “الجهاد الاسلامي” لهما مراكز ناشطة خارج المخيمات الفلسطينية، وان لبنان الذي كان مشاعاً مفتوحاً لـ”النضال” و”الكفاح المسلّح”، لكل من ظنّ انه يحرر فلسطين عبر عيون السيمان وجونيه، وهو ما أدى عملياً كما هو معروف الى ضياع لبنان زمناً وعدم استرجاع فلسطين، هذا اللبنان يبقى الآن في بعض جزره الأمنية المغلقة في وجه الدولة، مشاعاً مفتوحاً ليس مسموحاً للدولة فيه، أكثر من ذرف الدموع وإصدار البيانات المضحكة – المبكية، بعد الانفجارات وهذا ليس أولها، أو الاكتشافات التي تستدعي الخجل عندما يقولون ان ما جرى عمل تخريبي، بينما المطلوب منهم جميعاً ومن دون استثناء الامساك بالبلاد كلها ومنع قيام أي عمل من هذا النوع.
وحده الوزير طارق متري وبكثير من التهذيب الأرثوذكسي، قال ان القوى الأمنية لم تتمكن من القيام بالحد الادنى من واجبها اثر الانفجار في الضاحية الجنوبية.
ولماذا لم تتمكن؟
لأن “حزب الله” منع القوى الأمنية بداية من الدخول، رغم أن الأمن كما يقول متري “كل لا يتجزأ ولا يمكن فصل مهمة أمنية عن اخرى”. وان على “حزب الله” أن يثبت الاقوال بالأفعال، حين يقول انه يريد ان تقوم الدولة بواجبها وان ما من منطقة مغلقة في وجهها!
ملخص القول، ليس المطلوب من المسؤولين اصدار بيانات مفعمة بـ “اللامعنى” سواء عندما يقال ان الانفجار عمل تخريبي، وهو ليس بالتأكيد عملاً بنّاءً، أو عندما تُدعى الأجهزة الامنية الى تكثيف عملها ومضاعفة نشاطها في اكتشاف شبكات التجسس وفي التحقيق في ملابسات الانفجار، في حين ان المطلوب من الدولة ان تكون دولة.
ويا أيها السادة،
لا دولة في غياب المعادلة البسيطة التي تقول: لا معنى للمسؤولية في غياب الصلاحية.
النهار