الطموحات السورية
حازم الأمين
في وثائق أرشيف الاستخبارات البريطانية التي كُشف عنها نهاية هذا العام ما هو متصل بهمومنا في الأيام الراهنة على رغم ان وقائعه جرت في العقد السابع من القرن الفائت. فإحدى الوثائق هي عبارة عن تقرير مرسل الى الحكومة البريطانية في لندن يشير الى ان وحدات الجيش السوري التي دخلت الى لبنان عام 1976، تم سحبها من مناطق في الجولان محاذية لمناطق انتشار الجيش الإسرائيلي في التلال التي احتلها الأخير هناك.
ويضيف التقرير ان قيادة الجيش السوري خلفت فراغاً كبيراً في المناطق التي انسحبت منها على خطوط “المواجهة مع اسرائيل” وانها تحاول ملأ الفراغ عبر استدعاء الاحتياط.
يعتبر هذا الكلام مؤشراً مبكراً على أولوية لبنان في الحسابات السورية، وتقدمه على الجولان، وهذا الواقع اذا كان استنتاجاً في السنوات السابقة فهو اليوم موثق بمعلومات. أما راهنية هذا الاستنتاج فمردها الى تساؤل من المفترض ان يشغل كل من يُفكر في العلاقة اللبنانية السورية في الوقت الراهن.
ثمة متغير كبير طرأ على هذه العلاقات قبل خمس سنوات، ويتمثل في الانسحاب العسكري السوري من لبنان. وهذا المتغير ليس هامشياً من دون شك، ثم ان عودة عسكرية سورية الى لبنان لا تبدو ممكنة في المدى المنظور على الأقل. لكن السؤال ما زال ملحاً، ويتمثل في طبيعة الطموحات السورية في لبنان في ضوء حدث الانسحاب.
واقعياً، يبدو نفي أية طموحات أمراً غير منطقي، والنظام في سورية لا ينفي وجودها، والمهم بالنسبة للبنانيين هو تقصي طبيعة هذه الطموحات واستجابتها أو عدم استجابتها لما يأمل اللبنانيون، حتى الواقعيون منهم، بشروط ممكنة في العلاقة بين البلدين. فاختبار الكلام الذي رافق زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري دمشق لجهة الرغبة في حصر العلاقة بين الحكومتين ليس طموحاً ممكناً في الوقت الراهن، خصوصاً ان ثمة قوى لبنانية موجودة في السلطة وفي المجلس النيابي لن تكون ملتزمة بهذا السقف، ناهيك عن انعدام واقعية هذا التطلب من المنظور السوري، اذ لم يجر عملياً ما هو كاف لإقناع النظام في سورية في احترام هذه المعادلة. فلبنان ما زال متقدماً في الحسابات السورية على الجولان، وحتى على العراق، وطبعاً على الأردن. وتركيا وهي الجار الخامس لسورية فهي ما لا ترقى اليه الطموحات السورية.
اذاً ما زلنا الحلقة الأضعف مناعة حيال الطموحات السورية. ولكن ثمة متغيراً أكيداً يتمثل في انسحاب الجيش السوري من لبنان، فيما قنوات النفوذ البديلة تتمثل بقوى لبنانية تملك علاقات متفاوتة مع النظام في سورية.
التوهم بإنهاء الطموحات أمر غير واقعي وسيصيب أصحابه بخيبات أمل مشابهة لتلك التي رافقتهم أثناء زيارة الحريري دمشق. لكن الواقعية لا تعني على الإطلاق ترك الطموحات على غاربها، فالاعتراف بالمصالح السورية في لبنان يجب ألاّ يتم على حساب شروط دقيقة في العلاقة أرساها الانسحاب العسكري، وأثمرت انخفاضاً ملحوظاً في الزيارات غير الرسمية للمسؤولين اللبنانيين الى دمشق.
ستكون مهمة “الواقعيين” صعبة في الموازنة بين ما يتحمله لبنان، وبين الطموحات السورية المستمرة، والتي لا سبب منطقياً لانتهائها.