صفحات ثقافية

ستون ناقداً يختارون أفضل عشرة أفلام خلال العام 2009

null
حضور نسائي بارز .. فرنسا مركز السينما العالمية.. والأميركية مازالت بخير
ريما المسمار
في عددها الصادر مؤخراً لشهر كانون الثاني/يناير، نشرت مجلة “سايت أند ساوند” السينمائية استفتاءها السنوي حول أفضل أفلام العام 2009. شارك في الاستفتاء ستون ناقداً من حول العالم، انتخب كل منهم خمسة أفلام مفضلة، ووصل مجموع الأفلام الى مئة وأربعين (بعد احتساب الاختيارات المشتركة)، خرجت منها لائحة الافلام العشرة الاولى للعام 2009.
على الرغم من الجدل الذي يثيره هذا النوع من الاستفتاءات، الا انه لا ينفك يثير الدهشة بتعزيزه أكثر فأكثر: الإختلاف الواضح في الميل السينمائي بين النقاد المشاركين؛ خصوصية الذائقة السينمائية للبعض؛ تخصص البعض الآخر في أنواع وصناعات سينمائية غير متاحة للجميع؛ التعاطف مع الأفلام “اليتيمة” التي لم تستفد من حركة المهرجانات وسقطت في النسيان. وأخيرا وليس آخراً، تؤكد هذه الاستفتاءات مرة بعد أخرى، بابرازها عناوين أفلام مجهولة بالنسبة الى كثيرين حتى من النقاد، استحالة الاحاطة الكاملة بالنتاج السينمائي في العالم، حتى في الدول التي تتمتع بشبكات عرض وتوزيع سينمائية كبيرة وناشطة. ذلك ان المهرجانات التي تُعد صلة الوصل الابرز مع ما يتحقق من انتاج سينمائي في العالم ليست في المتناول دائماً كما ان اعدادها تتكاثر بجنون، يغدو معه مستحيلاً مواكبتها. هل يقودنا كل ذلك الى القول ان ثمة حاجة الى أخذ الأفلام أبعد من المياه التي يسبح المحترفون فيها، الى عالم أوسع؟ نقول ذلك انما بحذر ذلك ان هوس الوصول الى العالم آخذ في فرز قنوات تواصل (الانترنت، الهواتف الخليوية…) وأنواع سينمائية (تقنية الابعاد الثلاثة وغيرها) لا تعود بالضرورة بالفائدة على السينما وتميل الى الانخراط في الحرب الأبدية بين السينما والتلفزيون التي تحتم على الاولى اعادة اختراع نفسها مراراً وتكراراً قبل أن تفقد جمهورها. ولكن- ولئن يبدو هذا نقاشا كبيرا ليست مساحته هنا الآن- ثمة ما تفقده السينما خلال تلك الحرب، انه الايمان بالنص كأساس للسينما بعيداً من أية مؤثرات وتقنيات، تبدو على ابتكارها، وكأنها تقرّب السينما من الواقع أكثر مما تذهب بها الى الخيال. مع بقاء هذا النقاش مفتوحاً خلال الفترة المقبلة، نعود الى استفتاء “سايت أند ساوند” الذي على الرغم من تنوع آراء مستفتيه واختلافها، انتهى الى خلاصة معبرة (لائحة أفضل عشرة أفلام)، تحتمل التحليل والاستنتاج مع بقائها بعيدة من التوقعات. انتهت اللائحة الى الشكل التالي بترتيب يبدأ من الافضل:
“نبي” A Prophet (جاك أوديار، فرنسا/ايطاليا)
“خزانة الألم” The Hurt Locker (كاثرين بيغالو، الولايات المتحدة الأميركية)
2- “35 شفة من الرام” 35 Shots of Rhum (كلير دوني، فرنسا/المانيا)
4- “الشريط الابيض” The White Ribbon (ميكايل هانيكي، المانيا/النمسا/فرنسا/ايطاليا)
5- “دع المحق يدخل” Let the Right One In (توماس الفردسن، سويد/نروج)
6- “فوق” Up (بيتر دوكتر/ الولايات المتحدة الاميركية)
6- “المادة البيضاء” White material (كلير دوني، فرنسا)
8- “نجمة ساطعة” Bright Star (جاين كامبيون، المملكة المتحدة/اوستراليا)
8- “المسيح الدجّال” Antichrist (لارس فون ترير، دانمارك/المانيا/فرنسا/سويد/ايطاليا/بولندا/بلجيكا)
10- “أوغاد شائنون”Inglorious Basterds (كوينتن تارانتينو، الولايات المتحدة الاميركية/المانيا)
اللافت في اللائحة ان ستة من الافلام العشرة المختارة قُدمت في عرضها الأول في مهرجان كان السينمائي في أيار/مايو 2009 (نبي، الشريط الابيض، فوق، المسيح الدجال، اوغاد شائنون ونجمة ساطعة)، بما يؤكد، ربما، ان هذا المهرجان مازال ابرز المهرجانات السينمائية وأهم منصة عرض في عالم المهرجانات. فيلم جاك اوديار الذي احتل المرتبة الاولى في الاستفتاء، تقدم “الشريط الابيض” لهانيكي الذي حاز سعفة المهرجان الذهب. بخلاف “كان”، لم تتضمن اختيارات النقاد الافلام الفائزة في المهرجانات الكبرى الأخرى مثل البندقية وبرلين. حتى الاختيارات الخمسة لكل ناقد، غاب عنها الفيلمان الفائزان في البندقية وبرلين اي “لبنان” Lebanon و”حليب الأسى” The Milk of Sorrow تباعاً.
قد يدفع التأمل في هذه الافلام بعضهم الى اعتبار ان الافلام الجيدة تفرض نفسها في نهاية المطاف على الرغم من الاختلافات الشاسعة بين اختيارات النقاد الستين. ولكن المسألة أعقد من ذلك وأكثر عشوائية. فالمجلة تدعو النقاد الى اختيار خمسة أفلام أثرت فيهم خلال العام. والسؤال هنا: اي أفلام شاهدوا ومتى واين؟ فالافلام التي شوهدت في مطلع العام قد يخبو تأثيرها مع نهايته باستثناء تلك المتميزة جداً. وبالمنطق عينه، الافلام التي حظيت بفرصة المشاهدة قبل وقت قصير من اجراء الاستفتاء، قد يكون تأثيرها مازال قائماً بحكم الوقت ربما وليس التميز والجودة. ولعل مثال الفيلم السويدي let the Right One In المثال الابرز على ذلك. الفيلم نفسه احتل المرتبة التاسعة مع فيلم آخر في استفتاء العام الفائت الذي أجرته المجلة نفسها وكان اكتشاف المهرجانات الحديث. اما اليوم، فتقدم الى المرتبة الخامسة في سنة اطلاقه في صالات المملكة المتحدة وغيرها. وذلك يعني ان عدداً كبيراً من النقاد لم تتسنَ له مشاهدة الفيلم في عروضه المهرجانية وقبل اطلاق عروضه التجارية بما قلب النتيجة لصالحه. في الواقع، تبدو القطبة المخفية لعملية الاستفتاء حول الأفلام هي كيفية حصول الافلام على فرص المشاهدة وجهود موزعيها ومنتجيها في المهرجانات وخارجها.
بالنظر الى لائحة الافلام النهائية والاختيارات التي أفرزتها، يبدو جلياً ان حظوظ بعض السينمات يتفاوت بين عام وآخر وبشكل كبير. فالسينما الآسيوية التي تمتعت خلال السنوات الفائتة بالكثير من اهتمام النقاد وهواة السينما، تتراجع هذا العام بحسب اختيارات النقاد. فباستثناء فيلم بونغ جون-هو “أم” Mother الذي حظي بعدد من الاصوات، لم يبرز فيلم آسيوي آخر يبرهن عن اجماع نقدي حوله. من جهة ثانية، أطاحت نتائج الاستفتاء بالرأي المتداول منذ بعض الوقت من ان لا طائل من انتظار مفاجآت من السينما الأميركية، لاسيما التجارية. ولكن حضور ثلاثة أفلام أميركية في لائحة افضل عشرة افلام للعام 2009 (خزانة الألم وفوق وأوغاد شائنون) لا يدعم الرأي القائل بنهاية السينما الأميركية. حتى شريط تارانتينو الذي اثار الكثير من الجدل وتحديداً على صفحات مجلة “سايت أند ساوند”، وجد مكانه على اللائحة وإن في آخرها وكأن سحراً غامضاً يمارسه هذا المخرج على مشاهديه كما على النقاد، يصعب أمر إقصائه ويمنح أفلامه قيمة الترفيه والذكاء والجنون مجتمعة. الى اللائحة، تحضر في اختيارات النقاد أفلام أميركية أخرى وان بنسبة غير كبيرة مثل Synecdoche, New York لتشارلي كوفمن وA Serious Man للأخوين كوين وPublic Enemies لمايكل مان وThe Wrestler لدارن أرونوفسكي.
ولكن العام 2009 لم يكن عاماً مميزاً للسينما البريطانية بحسب استفتاء النقاد. ففي حين حضرت ثلاثة أفلام بريطانية في لائحة أفضل عشرة أفلام العام الماضي من ضمنها “جوع” Hunger أنتوني ماكوين، تتمثل هذا العام بفيلم يتيم هو Bright Star من انتاج بريطاني-اوسترالي مشترك واخراج نيوزيلندية هي جاين كامبيون. اما الفيلم البريطاني الذي حاز الكثير من الاعجاب خلال العام، Fish tank لأندريا أرنولد، فخرج من لائحة افضل عشرة افلام بفارق بسيط في الاصوات، بينما غاب فيلم كين لوتش Looking for Eric عن الاختيارات الاولية.
عالمياً، تبدو فرنسا الرابح الاكبر هذا العام مع ثلاثة أفلام في اللائحة، اثنان منهما من توقيع كلير دوني وبالطبع Un Prophete في المرتبة الأولى. ولكن المسألة تتعدى ذلك الى نواح أخرى اذ يبدو ان فرنسا استعادت دورها في المشاركة في انتاجات سينمائية عالمية ودعمها من مثل استقطابها لسينمائيين كبار من طراز تساي مينغ-ليانغ الذي أنجز خلال العام فيلمه الثاني في فرنسا Visage وعباس كياروستامي وسواهما.
في قراءة نتائج الاستفتاء ايضاً، نلحظ الحضور القوي للمخرجات النساء: دوني بفيلمين وكاثرين بيغالو وجاين كامبيون، كل بفيلم، فضلاً عن بروز اسماء اخرى في الاختيارات الاولية مثل أنييس فاردا واندريا ارنولد والمخرجة للمرة الاولى مارين آد الالمانية.
النصر الأكبر حازه بالطبع جاك اوديار باحتلال فيلمه “نبي” المرتبة الاولى. فهذا السينمائي الذي يشرع في مغامرة سينمائية جديدة ومختلفة كل بضعة أعوام، قدم في شريطه عملاً يجمع بين النوع والقيمة البحثية والسيناريو المحكم والأداء البارز للممثلين. والى كل ذلك الترفيه الذي هو سمة معظم أفلام اللائحة هذا العام.
وإذا كان لا بد من قول كلمة في ما يخص حضور السينما العربية في المشهد السينمائي العالمي، فلا بد من الاشارة اولاً الى ان عدد الافلام العربية التي حظيت بعروض في مهرجانات عالمية خلال العام قليل جداً. ويمكن ان نسمي تلك الافلام التي تراوحت بين التجربة الاولى لأحمد ماهر “المسافر” الذي عرض في مهرجان البندقية ومثله عرض شريط يسري نصر الله “إحكِ يا شهرزاد” وكاملة ابو ذكري “واحد- صفر” و”دواحة” رجاء عماري الى فيلمين آخرين من المغرب. العرض الابرز كان لشريط ايليا سليمان “الزمن الباقي” في مسابقة مهرجان كان وقد ورد الفيلم من بين الاختيارات الخمسة للناقدة شارلوت غارسن من مجلة “دفاتر السينما” الفرنسية. كذلك سمى احد النقاد فيلم رشيد مشهراوي “عيد ميلاد ليلى” من بين اختياراته. على صعيد النقاد، غابت بالطبع مشاركة اي ناقد عربي عن الاستفتاء.
في المحصلة، تبدو اختيارات النقاد الاولية بتنوعها واختلافها أكثر اثارة للاهتمام من لائحة افضل عشرة أفلام لاسيما انها تؤكد وجود أفلام لم نسمع عنها ولكنها ألهمت من شاهدها، ويبقى سؤال امكانية مشاهدتها أمرا تراجيديا اذا ما فهمنا ان ما تتيحه قاعات السينما حتى في البلدان ذات الثقافة السينمائية، محدود بشكل مخيف قياساً على ما ينتج في العالم.

(عن مجلة “سايت أند ساوند”)
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى