شهادة من السجون السورية:تعذيب من نوع فريد في القسوة لم يمارسه حتى النازيون
عبدالوهاب طالباني
يكثر الكلام عن اساليب القهر والتعذيب الوحشي في سجون وسراديب الدول الفاشية والدكتاتورية ومن بينها قلاع الموت السورية حيث يمارس بحق الانسان السوري المعارض وغير السوري الذي يقع في ايدى جلاوزة الامن هناك اقذر واقسى واشد عمليات التعذيب والاهانة التي لم يفكر بها حتى العقل النازي في كرهه للانسان وقتله لملايين البشر.
وهنا انقل لكم صورة رهيبة عن مذكرات شاعر كوردي شاب ، كان قد عاش في سوريا بين عامي 2000 الى 2002 ، وكان يبحث اثناء تلك الفترة عن فرصة للخروج الى اوربا او اي بلد يمكن ان يحترم انسانيته ، وبعد ان تعب من االبحث والاستقصاء سافر الى ايران ومن هناك استطاع ان يرتب سفره الى استراليا بطريق قانونية ودون اشكالات ، وبعد ان وصل الى استراليا في شهر تشرين الثاني عام 2003 ، وقضائه حوالي الثلاث سنوات ، اراد ان يسافر الى كوردستان لزيارة الاهل والاقارب ، ومن هناك رغب في زيارة سوريا ليلتقي باصدقائه الذين كان التقى بهم اثناء مكوثه هناك سابقا ، يقول الشاعر الكوردي فريد مخموري عن سبب اختياره المرور عبر سوريا:
” حقيقة خلال الفترة التي قضيتها في سوريا قبل ذهابي الى ايران ، احببت سوريا كشعب وتاريخ ، وكنت قد بنيت علاقات جيدة وواسعة مع العديد من الادباء السوريين وخصوصا الكورد منهم ، وخلال السنتين تكونت لدي ذكريات حبيبة عن ذلك المجتمع الجميل بكل شئ فيه عدا نظامه القاسي ، لذلك احببت ان اعود الى الاماكن التي عشت فيها سابقا والتقي بأصدقائي هناك ، واصور بعض المناطق والمواقع الاثرية والتراثية التي تزخر بها سوريا”
كاميرته ارسلته الى الاعتقال
ويقول مخموري وهو شاب في مقتبل العمر من مدينة اربيل في جنوب كوردستان ، مثقف وله تجارب في الصحافة الكوردية ، ويعتبر صوتا شعريا شابا من الجيل الجديد:
” عندما وصلت الى دمشق يوم 1 مايس 2007 قررت البقاء هناك لايام قلائل كي اصور بعض المناطق التراثية والاسواق ، وفي يوم 3 مايس 2007 ذهبت الى سوق الحميدية واطرافها ، وكنت احمل كاميرا ، وبدأت اصور بعض المشاهد التي تعجب كل سائح ، وما هي الا فترة قصيرة الا واقترب مني رجلان مدنيان ، وامراني بحدة ان ارافقهما ، وعندما سألت من انتم ، وما السبب كي ارافقكما ، قالا نحن من الامن السياسي ، وهناك ستعرف لماذا رافقتنا. ولم يكن امامي خيار اخر ، ومطمئنا الى انني لم ارتكب اي خطأ واوراقي الثبوتية لا غبار عليها ، ولم اعتد على احد ، وليس لي علاقة بالسياسة السورية ، وعندما اوصلاني الى الامن السياسي بدأت اكتشف ظلمات النظام السوري ، وحقيقة شراسة ووحشية هذا النظام الذي لا يولي اية اهمية للقيمة الانسانية ، وهو النظام الذي يتفنن في انواع من التعذيب الرهيب الذي لا اعتقد ان كبرى الفاشيات في العالم لم تستطع حتى تخيلها.”
واضاف فريد مخموري انه خلال اعتقاله الذي استغرق حوالي خمسة عشر يوما مر بثلاث معتقلات كل واحد مها امر من الاخر ، والمعتقلات التي مر بها هي شعبة الامن السياسي ، امن الدولة ، المخابرات فرع فلسطين ، وانه حينما افرج عنه كان في دائرة الهجرة والجوازات حيث لم يتعرض الى التعذيب هناك ولكنه تعرض الى الابتزاز حيث دفع مئات الدولارات من اجل ان يسفر عن طريق ربيعة الى العراق ، ولكنهم اخذوا منه المبالغ ، ولكنهم مع ذلك سفروه عبر الطريق الذي يمر بالرمادي حيث كان يسيطر عليه في بعض مناطقه الارهابيون ، حيث نجى منهم بأعجوبة عندا اعترضوا السيارة التي كانت تنقلهم الى بغداد.
اجبار المعتقلين للنوم فوق بعضهم البعض من فنون التعذيب (العربي السوري!)
يقول مخموري:
“عدا الضرب المبرح بالكيبلات واللكمات والتعليق من الارجل والسب والشتم والتجويع ، والتي كان جلاوزة المخابرات والامن السياسي السوري يتفننون حقا في ممارسته بكل حقد وكراهية ، وعدا تقديم الطعام المليء بالحصى ونشارة الخشب او الملح الزائد او بدون ملح اساسا ، فقد عشت طريقة تعذيب فريدة في وحشيتها وقذارتها ، و التي لم اقرأ عنه في اي كتاب ، اذ كانوا يحشروننا ونحن حوالي 70 شخصا في غرفة صغيرة مساحتها لا تتجاوز (4*4)م2 لها شباك صغير مشبك بالحديد في الاعلى ، حيث كنا نلتصق ببعضنا ولا مجال للحركة الا بصعوبة ، وفي الليل كانوا يجبروننا ان ننام فوق بعضنا البعض ، اي الطبقة الاولى تتمدد على الارض ، والبقية تتمدد على الطبقة الاولى لتكون طبقة ثانية ، وعندما كان الشخص الذي في الطبقة الاولى يريد ان يغير من وضعه كان لابد للذي فوقه ان يغير هو الاخر وضعه ، حيث كنا نتعرض الى ضيق مرعب في التنفس وروائح العرق المتصبب من اجسامنا ، وعذاب نفسي جهنمي مميت ، كنت اعاني كثيرا من قهر لانسانيتي ، وعدم اعتبارهم لنا كوننا بشرا وادميين ،كنا معزولين عن العالم ، واية اشارة اعتراض كانت يجابه بسيل من الشتائم البذيئة السوقية التي لا يمكن ان تسمعها حتى من اسوأ الناس ، ويبدو انهم تمرنوا عليها “.
الكوردي غير جدير بالحياة وغلام عربي محشور بين الكبار
ويقول مخموري :
” في تلك المعتقلات التي مررت بها التقيت بمعتقلين كثيرين من كورد سوريا على الاخص ، ومنهم الشاب الكوردي (غاندي) الذي اعتقل لاسباب تافهة جدا وهي التظاهر ، وكان قابعا في السجن منذ 12 شهرا دون محاكمة ، وكان هناك ايضا ايضا الشاب الكوردي (راكان) من الجزيرة وقد سجن بتهمة التهريب ، اضافة الى حوالي اربعين خمسين شخصا كورديا ، تحدثوا لي عن المرارات التي اذاقوها في بعض مراحل حبسهم ، اذ قالوا انهم حشروا لفترات طويلة تحت الارض في سراديب عميقة ، كانوا لا يرون فيها الشمس لفترة لاتقل عن الثلاثة اشهر ، كانوا قد ضعفوا جسديا ، و فقدوا لونهم الطبيعي منهكين الى اقصى درجات الانهاك النفسي والجسدي ، وطال شعرهم ، ورائحة العرق كانت تفوح منهم بشدة حيث لم يسمح لهم بالاغتسال لفترة طويلة ، كما التقيت بشاب كوردي فنان سينمائي من جنوب كوردستان هو الاخر اسمه ( رزكار) كان معتقلا مع شاب اخر بأسم (هه لكه وت) ، لاحظت انه عندما تكون كورديا في سجون سوريا فمعاناتك تزداد ، وتعرضك للاهانة يكون اكثر ، البوليس السوري يعتبرون الكوردي انسانا غير جدير بالحياة ” . ولكن من الغرائب التي رأيتها في تلك الفترة ايضا هو وجود غلام عمره ما كان يتجاوز الخمسة عشر عاما ، كان عربيا ، ومعتقلا محشورا مع المعتقلين الكبار”.
لانه كان يصور فهو اذن جاسوس!
ويضيف مخموري:
” وكانت تهمتي خطيرة جدا ، وهي التجسس ، هكذا وبكل بساطة ، اذ ضبطت وانا اصور، لكن كنت اصور السوق والمنائر ، وطبعا لم استطع ان اقول لهم بانني عشت سابقا في سوريا ، اذ ان ذلك ربما كان يجرني الى مشاكل اخرى ، كانوا اثناء التحقيق ينهالون علي ضربا مبرحا ، وسبا وشتما لا اعرف كيف كانوا يخترعونها. ولكنهم في الاخير ، وبعد ضغوطات مورست عليهم من الخارج ، وعدم ثبوت اي شئ ضدي ، لم يستطيعوا ان يبقوني عندهم مدة اطول سوى اطلاق سراحي”
ولكن وللحقيقة ، يجب ان اقول ، انني خلال تلك الفترة ، رأيت اثنين من العاملين في تلك الاجهزة ، كان لديهم شيئا من الاحساس الانساني ، ولكن كان يبدو عليهم الخوف من اظهار مشاعرهم تلك علانية ، ولكن في الممارسة العملية كنا نحس انهما كانا غير راضيين عما يفعلانه ، وانني احتفظ بأسم احدهم ولا استطيع ان اذكره هنا خوفا على سلامته.
ويقول مخموري:
” الرشوة ، والابتزاز هما من الشرائع الثابتة في العرف الامني السوري ، تدفع مبلغا من المال يمكن ان يحسنوا قليلا من وضعك ، ولكن ان تنجو من الاهانة والضرب المبرح المجاني نهائيا فهذا محال ، تدفع مائتي دولار مثلا ، فيقصرون مدة التعذيب من ساعتين الى ساعة وخمسة واربعين دقيقة وهكذا ، ولكن هذا ليس ثابتا ، فكل ضابط او شرطي له ثمنه في التعامل ، وتبقى القسوة والوحشية هما التعريف الوحيد الذي يمكن ان يعرف به النظام البوليسي الرهيب هناك”.
شاعر عراقي عربي ينظم قصيد عن الاسد فيطلقون سراحه!
ويضيف الشاعر فريد مخموري:
“ومن المفارقات ان شاعرا عراقيا عربيا معروفا ( احتفظ باسمه الكامل ) كان ايضا معتقلا معنا ، ولكنه كتب قصيدة مديح حول بشار الاسد ، اعطاها لضابط في المخابرات ، ففصلوه عنا واطلقوا سراحه”
اذن هذا هو نظام الصمود والتصدي ، وبهذه الادوات والعقليات اللاانسانية المدمرة يريد ان يحقق اهدافه القومية المزعومة ، وهو في الوقت نفسه يسجن شعبه ، ويحارب حرية الناس بكل وسائل الغدر والاغتيال.
الحوار المتمدن