الفقير يزداد فقراً في سوريا 2010م
نوري بريمو
مع بداية العام الجديد 2010م، لا يختلف اثنان بأن صفوة حياة الإنسان السوري قد باتت معكَّرة وربما يزداد تعكرها شيئا فشيئا لجهة فقدان الآدمي للحال والحيلة، فالشتاء ببرده القارص صار قاب قوسين أو أدنى، وأسعار المحروقات والسلع الرئيسية ترتفع يوما بعد آخر، والأجور مازالت متدنية وتراوح في مكانها، وفرص العمل نادرة لا بل معدومة، ولسان حال المواطن السوري المُثقل بالأعباء والديون يقول: بين أسعارهم المرتفعة وأجورنا المنخفضة التعن أبو فطاسنا!!، ولعلَّ في هذا القول استئناس واقعي بحكمة رواها أهلنا الأولين بصدد ضياع المرء بين هذا الأمر المرّ وذاك الأكثر مرارة، حيث يُروى أنَّ شيخاً عجوزا تزوج للمرة الثانية من امرأة اسمها حانة على زوجته الأولى مانا، وكان حينما يزور الصغرى تجامله وتنتف الشيب من لحيته ليبدو أكثر شبابا، في حين كانت الكبرى تنتف من وجهه الشعر الأسود ليظهر أكثر شيبا ووقاراً، وما بين تصرفات زوجتيه المتناقضتين بمزاجهما وبتعاملهما ضاق الزرع بالرجل وخرج عن طباعه وجُنَّ جنونه وخرج إلى الناس مستغيثاً وصائحاً: ما بين حانة ومانا ضاعت لحانا.
في الحقيقة..إنّ هذا الاستئناس بمثل شعبي وربطه بواقع الحال الموصوف بالرداءة ليس ضربا من ضروب الخيال الصحفي وليس تجنياً سياسياً على أية جهة، وإنما هي تعبير حقيقي عما آلت إليه أحوال جموع السوريين الذين باتوا جياعا وضحايا للخلل الفاضح والحاصل في معادلة التوازن بين الأسعار والأجور، فما بين مطرقة الأسعار المتصاعدة وسندان الأجور المتدنية يعاني المواطن العادي من أبشع أشكال الحرمان والفقر والفاقة، في الوقت الذي لا تكترث فيه السلطات بأحوال الناس لأنَّ جلَّ ما يهم المتربعين على مفاصل الحكم هو الاحتفاظ بالسلطة وتحقيق مصالحهم الشخصية عبر البحث عن الجاه والوجاهة والإمساك بزمام الأمور والمبادرة من خلال تشديد القبضة الأمنية التي تطلق يد أجهزتها طولا وعرضا لفرض هيبة الدولة على العباد في بلادنا المحكومة بسطوة حالتي الطوارئ والأحكام العرفية القابضة على الرقاب والتي لا تأبه بمقولة: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
إنَّ ظاهرة الفقر في سوريا تبدو أكثر عمقا عندما نخوض في التفاصيل وحينما نتعرَّف على ملامحها ومسبباتها وتداعياتها على سكان الأرياف بدرجة أكبر من قاطني الأحياء الشعبية في كبريات المدن التي باتت مطوقة بأحزمة الفقر المسماة بأحياء المخالفات العمرانية!!، ولعلَّ اعتبارات التفرقة السياسية (القومية والدينية والطائفية) تعتبر واحدة من المسببات الرئيسية لاستشراء آفة الفقر في معظم المناطق المنكوبة تمييزياً لصالح بعض المناطق الأخرى المنتفعة سلطوياً، لكنَّ العامل الأبرز الذي يمكن اعتباره بؤرة إفقار الإنسان السوري يتعلق بمدى عقم السياسات الاقتصادية والمالية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة وفشل الخطط التنموية التي تطبقها السلطة الحالية لجهة غض نظرها عن ظاهرتي الفساد والإفساد وعجزها عن محاسبة ناهبي قوت الشعب وتلكؤها في إيجاد الحلول ورداءة توزيع الموارد واستئثار قلة قليلة من السكان بالحصة الأكبر من الموارد الوطنية العامة، مما أدى ويؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وازدياد أعداد الفقراء القابعين تحت خط الفقر الخانق والفارض لأنماط حياتية عدمية وتفتقر لأبسط حاجات ومستلزمات ومعايير حقوق الإنسان.
وحتى لا يتهمنا أحداً بأننا نبالغ في الأمر ونفاقم المشكلة ونعطي المسألة أكثر من حجمها الحقيقي حينما نقول بأنَّ البؤس بات سيد الموقف وأنَّ ظاهرتي الفقر والبطالة قد أصبحتا متفاقمتان وتنذران بمختلف المخاطر المعيشية في ظل التوسع المخيف لدائرتيهما على أرض الواقع المضبوط أمنيا، لا بد من الدخول في بعض التفاصيل الرقمية المتعلقة بالفقر المرتبط بدوره بنسبة البطالة التي باتت تثقل كاهل نصف سكان سوريا الموزَّعين بين فلاحين يعانون من الجفاف وعمال عاطلين عن العمل وفعالة مياومين بشكل متقطع وآخرون يبحثون عن فرص التشغيل النادرة و..الخ، وتشير بعض الإحصائيات إلى أنَّ عدد العاطلين عن العمل يفوق ثلث السكان وأنَّ هنالك حوالي خمسة ملايين يعيشون حياة بدائية ويعانون من المحرومية المدقعة، وبموجب استبيانات بنكية دولية مختلفة فإنَّ متوسط دخل الفرد قد بات زهيدا جداً ويعادل 72000 ليرة سورية سنويا، أي بمعدل وسطي للراتب الشهري 0600 ليرة!!، في حين لا يسد هكذا راتب رمق أية أسرة مهما كانت صغيرة العدد والعدَّة، خاصة وأن حساب صناديق أرباب الأسر الفقيرة قد أضحى لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع الارتفاع الجنوني لأسواق سوريا التي تحوَّل مجتمعها من منتج بامتياز إلى مستهلك بلا حول ولا قوة.
وإنْ جئنا للواقع فإنَّ التعداد الحقيقي لفقراء سوريا قد يكون أكبر بكثير من الأرقام الواردة في هذه الدراسة أو تلك، وبالقياس على ذلك ونظرا لرداءة واقع الحال فإنَّ من حق أي مواطن سوري فقير ويزداد فقراً أن يرفع صوته عاليا ويقول: بين أسعارهم المجنونة وأجورنا المسحوقة أصبحنا أناسا مدينين ومقبورين أحياءً ولا حياة فيمن تنادي.