صناعة الجماهير الكادحة
خطيب بدلة
الحقيقة التي لا تغرب عنها الشمس، يا حضرات الشباب الكويسين، هي أن أصحاب القرار المتعلق بمعيشة الناس في بلادنا مختصون بتشكيل الزحام في الشوارع وعلى أبواب الدوائر الحكومية.. وبمرتبة لا تقل شأنا عن شهادة (البورد)!
هذه العملية يمكن أن نسميها اصطلاحاً: صناعة الجماهير الكادحة.
وإن كانت ذاكرتكم، أيها الشباب الكويسون، ما تزال تعمل، رغم السمن النباتي الذي تتناولونه، فلا شك أنكم تذكرون أيام قال أصحاب الخطط المستقبلية للناس:
– سنوظفكم في الشركات والمؤسسات والدوائر الحكومية، بالدور، وعن طريق دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل حصراً.
تذكرون كيف هبوا من كل حدب وصوب للتجمهر عند باب مديرية الشؤون، وفجأة قالوا لهم:
– ولكن التسجيل في (الشؤون) يحتاج إلى وثيقة غير موظف، فانتقلت جموعهم الغفيرة من باب مديرية الشؤون إلى باب مديرية البريد للحصول على هذه الوثيقة.
هذا مع أنه لا يوجد أحد في العالم يعتقد أن (الموظف) يمكن أن يسجل في الشؤون وينتظر وظيفة سوف تأتي، غليه بعد أن يصبح حضرته تحت التراب!
وأما جماعة الدعم لأجل المازوت، وهذه الكلمة يلفظها أهل معرتمصرين (ماظوط)، فقد كان حرياً بهم أن يوزعوا دعمهم الماظوطي على الناس في شهر نيسان 2009، وكان الناس حينئذ في عز الدفء والانشراح والفرفشة، ولكنهم لم يوزعوه، وظلوا يفكرون، خلال نيسان وأيار وحزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول، ويمعنون التفكير في أفضل الطرق والوسائل التي تؤدي إلى حرمان مجموعة كبيرة من شرائح الشعب من هذا الدعم،.. دواليك وهلمجراً حتى هجم البرد على الناس هجوم الحرس، (على وزن هجم الصبحُ.. الفيروزية)، وخرجت الجماهير الكادحة من كل حدب وصوب للتجمهر والتدافع والتشاجر والتضارب عند أبواب المصارف والأماكن المخصصة لتوزيع الاستمارات المعقدة التي لم يفهم منها أحد حتى الآن على من تنطبق وعلى من لا تنطبق.
بقي أن أذكر لحضراتكم فكرة مهمة جداً، بعيداً عن المزاح والسخرية، وهي أن الناس في بلدنا متحابون وغير متناحرين، ولكن، حينما نحشرهم في ازدحام بازاري عنيف لساعات طويلة، فلا بد أن يخرج الواحد منهم عن طوره ويعبر بيديه وقدميه عما في داخله من ضيق، ويتشاجر مع أي إنسان يأتي أمامه حتى ولو كان أخاه أو شقيقه!
الثورة