صفحات الناسنبيل الملحم

اعفونا من دعمكم.. الصقيع أرحم من مازوتكم

null
نبيل الملحم
لم تنشغل سوريا، كما انشغلت (ببون) المازوت المدعوم، فبعد قائمة الطلبات والأسئلة التي تحاسب السوري على تفاصيل تفاصيله، يأخذ الحق ببون المازوت المدعوم ، هذا ان تناسبت شروط طوله وعرضه ومواصفاته مع شرط المواطن (المدعوم)، واذا ما تناسبت فبعدها كارثة الكوارث.
طوابير البشر على بنوك سوريا والمهجر وبنك بيبلوس والبنوك العامة، وكل واحد من (المدعومين) يحمل شيكا بقيمة (5000) ليرة، أي بمايساوي، أردأ علبة عطر من العطور التي تباع على أرصفة أي من فنادق النجوم الخمسة للعاصمة.. أو ربطة عنق متوسطة الجودة لأي من مرافقات السوبر موديل من أصحاب الشأن والبحبوحة.
مازوت مدعوم، يعني شحشطة وبهدلة للمواطن.. شحشطة تسمح لموظف في بنك بأن يطارد الناس المكومين وهو يلوح بعصاه، ومازوت بلا دعم يعني استنزاف الفئات من أصحاب الدخل المتدني، وفي كلا الحالين اهانة.
من يقف على طوابير الحاصلين على المازوت المدعوم، يتذكر طوابير الواقفين على الاعانات الدولية في البلدان المنكوبة، ومن يعبر دون أن يتفرج، تضيع عليه فرجة تكشف له حقيقة حياة الناس، ومستوى الحال اذي يكذب كل التصريحات الحكومية التي تتحدث عن (الشعب السعيد) والبحبوحة، والخطط الاقتصادية الموقعة بتواقيع المقربين من البنك الدولي، واقتصاد السوق المخلوط باقتصاد الدولة، والمشهد، هو اكثر من درس التراجيديا وأقل من مسرحية كوميدية، ولكنه وبكل حالاته يستلزم اعادة النظر بما نفكر وما نخطط ومانعمل ومانبرمج وبالكفية التي (نتبرمج) بها.
من حق الحكومة أن ترفع الدعم عن المازوت وعن سواه، ومن حقها أن تعيد الاعتبار لكل أشكال السلعة المدعومة، وفي كلا الخيارين ثمة خيار يجب أن يكون واضحا:
-ندعم او لاندعم.
ان دعمت الحكومة السلع الاساسية، تكون قد استمرت في السياسة الاقتصادية المعمول بها منذ 40 عاما، وان رفعت الدعم تكون قد خطت نحو سياسة اقتصادية أخرى.. ان اختارت الطريق الأول فلا نقاش حوله لأنه نوقش بما يكفي، وان اختارت الثاني، فهذا يستلزم النقاش، ومن أولوياته أنها تكون قد ذهبت وبالمطلق الى اقتصاد السوق وهو مايستلزم منها احترام معطيات السوق، وقوى السوق، وثقافة السوق، وبالتالي السياسات العامة بمجملها المرتبطة باقتصاد السوق بدءا من رفع هيمنة البيرقراط على المشروع الاقتصادي وصولا الى اطلاق (دعه يعمل دعه يمر) وصولا الى فتح التنافس ورفع احتكار رساميل النفوذ عن المشروع الاقتصادي السوري، ونكون بذلك قد أصبحنا دولة تأخذ طريق التطور الرأسمالي ولا عيب في ذلك، وعندها، سيكون بوسع المواطن ان يحتكم لقوانين السوق، وأن يدفع اثمان هذا الاحتكام، وبالمقابل لابد وأن يأخذ هذا المواطن من السوق كما يعطيه، وعندها سنرى :
نقابات تطالب بربط الأسعار بالأجور.
وعندها سنرى عقود عمل صريحة طرفا العقد فيها ارادتان صريحتان.
وعندها يهبط الانفاق الحكومي الفظيع الذي يسمح لسيارة واحدة من سيارات مسؤولي الدرجة الثالثة أن تستهلك شهريا مايستهلكه مواطن (مدعوم بالمازوت)، طيلة سنة من التدفئة.
وعندها لانعود الى رؤية بشر متكومين منذ فجر كل يوم لصرف (شيك) المازوت الأقرب الى اعلان النعوة منه الى طلب التدفئة.
اعفونا من الدعم أرحم من هذا الدعم الجارح.
شاكو ماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى