صفحات ثقافية

فرق أخرى للمسرح الخاص في سوريا

null
«الرصيف» «كون» «الشارع» «تياترو» «باب» «الدائرة» «ليش» «تنوين» وفرق أخرى للمسرح الخاص في سوريا
سامر محمد اسماعيل
البيروقراطية لا تعترف والدولة لا تسأل ومن يصمد فبفضل التمويل الخارجي
بعد صدور المرسوم التشريعي رقم /32/ لعام 1973 الذي منح الفنانين السوريين حقوقاً ومزايا تساعدهم على المزيد من الطمأنينة والتفرغ لعملهم الفني تشهد اليوم الثقافة السورية نوعاً جديداً من التجمعات المسرحية التي أسسها خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أصبحت هذه الفرق التي يزيد عددها اليوم على العشرين معلماً بارزاً من معالم الحراك الثقافي والفني، في دأبها لتقديم رؤيتها المعاصرة لمسرح جديد في سورية، فما هو دور مديرية المسارح والموسيقى كمؤسسة مسؤولة عن توفير فرص العرض لهذه الفرق والاعتراف بها كبذور لحداثة مسرحية لاسيما أن الريبرتوار السوري يشكو اليوم من تراجع واضح في عدد العروض المنتجة، خاصة أن المسرح القومي الذي أسسه خيرة مثقفي وكتاب سورية يشهد تقهقراً على مستوى الكم والنوع.
الرصيف
فرقة الرصيف التي تأسست عام 1996 جاءت رداً على ما يقدم في المسرح الرسمي لأنه يعامل الفرق الخاصة وكأنها ابنة الجارية كما يسميها المخرج التونسي /حكيم مرزوقي/.. «ذهنية القطاع العام تعتبر المسرح الرسمي هو الأكثر وطنية، أما الخاص فهو مشبوه دائماً ومحسوب على الامبريالية، في المسرح الرسمي تقدم العروض بالفصحى المترجمة والمعلبة، لذلك كان خيار العامية لأنني لا أرى الفصحى صالحة درامياً كلغة إلا في الأعمال التاريخية».
الصدفة ساعدت الرصيف على نيل فرص لم تخطر على البال حيث قدم /مرزوقي/ باكورة أعماله في عرض «عيشة» وبعد ثلاثة عروض على مسرح القباني بدمشق تلقت الرصيف دعوة للعرض على مسرح البيكاديلي في لندن عام 1996 وهي الأيام التي يصفها (حكيم) بأنها كانت شحيحة على المسرح السوري الذي كان يخرج «يادوب» في عروضه إلى عمان والقاهرة.
قدمت بعدها الرصيف «اسماعيل هاملت» في معظم البلدان الأوروبية ثم كان عرض «ذاكرة الرماد» الذي قدمته الفرقة في عواصم أوروبية، لكن أين الرصيف اليوم؟ يجيب المرزقي: «أقولها بانكسار إن الرصيف ذهبت وبقي المؤسس لقد انفضّ الجميع من حولي لأن المسرح لا يقدم نقوداً لأحد، المسرح اليوم بالنسبة للجميع عبارة عن سفينة تغرق، صحيح أنني مستمر في تجربتي كما في تنفسي وحياتي وقد ضحيت بحياتي الاجتماعية من أجل خياري المسرحي ولم أكتب للتلفزيون لأنني لم أفكر لا بامتياز السلطة ولا بشرف المعارضة وإنما بشرف المسرح، ويكفيني فخراً أن لدي تسعة أعمال مسرحية وبدون أي تواضع كاذب، مع أن كبار المسرحيين ليس لديهم أكثر من ثلاثة أعمال في أحسن الأحوال».
تضم الفرق المسرحية الخاصة مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بأقسامه المختلفة من تمثيل ونقد وسينوغرافيا، مما وطد مناخاً ديمقراطياً في العملية المسرحية سيما بعد ظهور مفاهيم جديدة عن الجيل المسرحي الشاب كمفهوم الدراماتورج الذي بدأ يأخذ شكله الاحترافي، وهذا أبعد سلطة المخرج كمهيمن على صناعة العروض القديمة، مما يساهم في تطوير الشغل على الخشبة وتشجيع بعض الشباب والشابات على الكتابة للمسرح كما يحدث اليوم في ورشة الشارع التي يرعاها المركز الثقافي البريطاني بدمشق، أو كما حدث مؤخراً في عرضي (المرود والمكحلة) لكاتبها عدنان عودة ومخرجها (عمر أبو سعدة) وعرض «الشريط الأخير» لأسامة غنم اللذين أنتجهما المعهد السويدي بدمشق.
يقول الدكتور أسامة غنم مدرّس مادة المسرح الحديث في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق «إن هذه الفرق تجسد مسألة الإحساس الجماعي عند الشباب الذي يشتغل المجتمع ضده، فالناس في سورية بدأت تميل أكثر نحو الفردانية وانعدام الثقة، ومما يزيد الطين بلة هو الهم الاقتصادي الذي يزيد من شراسة السوريين نحو بعضهم البعض، وهذا كما يراه الدكتور غنم يقلص حجم التعاون الجماعي بين أفراد المجتمع، لذلك تأتي تجربة الفرق ديمقراطية من حيث أنهم يقدمون رؤيتهم للجمهور على تباين هذه الرؤية والمستويات الفنية والتقنية عند هؤلاء الشباب».
تميل معظم العروض التي تقدمها الفرق الشبابية السورية نحو تقديم مسرحياتها بالعامية أو الدارجة بينما احتفظت معظم عروض الجيل الأول (سعد الله ونوس، فواز الساجر، نائلة الأطرش، ممدوح عدوان، مانويل جيجي، وليد قوتلي) والجيل الثاني (غسان مسعود، فايز قزق، جهاد سعد، حسن عويتي، فارس الحلو) عموماً بخيار اللغة الفصحى عن نصوص عالمية مترجمة أو مُعدة للخشبة، فهل كان ذلك نوعاً من الرد على موت المسرح القديم بمعناه الشكلي؟
المسرح في كل بلدان العالم يعيش بفضل دعم الدولة له حتى في فرنسا وألمانيا تخصص الدولة ميزانيات كبيرة لدعم التجارب الجديدة، ومن المفروض أن تقوم وزارة الثقافة بهذا الدور وهذا حق للمواطنين وليس منةً على أحد، «هذا حقنا نحن المسرحيين» يقول غنم، «حقنا أن توفر لنا الدولة البنية التحتية ودخلاً كافياً كي نشتغل ونعيش من هذا المسرح، المسؤولون يقولون كيف للدولة أن تقدم نقوداً للمسرح ولديها أعباء الصرف الصحي والجسور والمخابز» لكن بحسب غنم «المسرح ليس ترفاً، والدولة تقدم النقود والدعم الكبير للتلفزيون السوري وتنفق ملايين الليرات على المسلسلات، وحين تصل الحكاية إلى المسرح تتحجج بعدم وجود التمويل لأنه يذهب إلى الصرف الصحي، يا أخي المسرح ليس ترفاً، فإذا كان المسرح ترفاً فالكتاب ترف أيضاً، وسيخرج عليكَ من يقول أن تعليم البنات ترف أيضاً، هذا حاجة والإنسان أغلى شيء في الكون، بريطانيا بلد متقدم حضارياً، لكنها عندما تتكلم عن نفسها تقول عندنا شكسبير وليس عندنا (روزرايز)».
وزارة الثقافة تقيم المهرجانات وتنفق عليها أموالاً طائلة، في حين أنها لو خصصت هذا المال لإنتاج مسرحي كانت النتائج أهم بكثير، يستذكر هنا الدكتور غنم تجربته كمبرمج لعروض احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية «استطعنا أن نستقدم عروضاً عالمية ذات شهرة وتقنية فنية عالية، وهذا أمر غير مكلف، واستطاع الجمهور السوري أن يتفاعل مع هذه العروض من بيتر بروك وحتى فيليب جانتيه، الأمر الآخر هو الريبرتوار الذي استطاعت الاحتفالية أن توفره في دمشق بوجود عدة عروض من مدارس ومشارب فنية متعددة في الوقت نفسه في العاصمة السورية (المهاجران لسامر عمران، تكتيك لعبد المنعم عمايري، عربة اسمها الرغبة لغسان مسعود)، لدينا البنية التحتية التي تستطيع أن تستقبل أهم العروض العالمية وأكثرها إبهاراً في العالم.
ويتساءل غنم أين الموسم المسرحي السوري لعام 2009 أين الريبرتوار المسرحي في دمشق وغيرها من المحافظات السورية، يقولون لا توجد ميزانية، بغض النظر عن أسباب غياب هذه الميزانية نريد مسرحاً، فليمد المسرح القومي يده للتجارب الجديدة وليجد صيغة للشراكة مع الفرق الشابة، ليعمل الجميع في المسرح القومي، فإذا لم يتحقق ذلك سيلجأ الشباب الجدد إلى التمويل الخارجي من جهات أوروبية وغيرها من الشركات التجارية الخاصة، لكن ما يؤكد عليه غنم أن التمويل الأجنبي ليس جنة، فهناك شروط عديدة على الفرق التي تريد أن تأخذ هذا الدعم».
من تربية عسكرية إلى معهد مسرحي..
لم تتوقف «مي سكاف» مديرة معهد تياترو لفنون الأداء عن مشروعها المسرحي منذ أن أسسته في حي القنوات بدمشق؛ حيث استأجرت المكان الذي كان مخصصاً لمكاتب التربية العسكرية من اتحاد شبيبة الثورة وتمكنت من إبرام عقد مع المنظمة، وبعد سنة من الفعاليات التي قدمها «تياترو» من حفلات موسيقية وفنية وعروض مسرحية ودورات في التمثيل والرقص للشباب والأطفال تقول سكاف «حلي المكان بعينن» فعاد اتحاد الشبيبة وطالب بالمكان متسائلاً: من هي مي سكاف هذه لتأخذ هذا المكان؟..تتذكر سكاف ذلك وتقول: «بدأت الشبيبة تطالب بالمكان وأخذت الإنذارات تهبط عليّ بإخلاء المعهد متحججة بمخالفة بنود العقد، فالتجأتُ إلى صديقتي «رحاب ناصر» كي تساعدني في إدارة المشروع وفي شؤون التسويق والعلاقات العامة التي لا أتقنها».
انضمت «ناصر» إلى المشروع مع صديقتها وبدأ المكان يزدهر ويستقطب عروضاً سورية وعربية وورشات عمل وحفلات فنية، وأصبحت هي من يخاطب الجهات الرسمية في إدارة شؤون تياترو، «وهذه كانت غلطتي» تعلق سكاف «رحاب غير معنية بمشروع ثقافي.. إنها تريد أن تربح، لذلك بدأ الخلاف بيني وبينها، وبعد ذلك بحوالي السنة استخدمت (رحاب) سلطتها لتصبح مديرة لدار الفنون، وأخذت المفاتيح مني، فقررت أن يكون تياترو ذا استقلالية كاملة ولذلك انسحبت بقراري، فاتهمتني بالجنون والسرقة وأنني (لطشت) منحة ورشة لتعليم الإضاءة تبلغ أربعين مليون ليرة سورية، وكأنني كنتُ أُدير مشروع تجارة أسلحة وليس مشروعاً ثقافياً».
تتابع «سكاف» مشروعها اليوم في حي جرمانا، حيث انتقلت بمعهدها الذي أسسته بدايةً في ساحة الشهبندر إلى حي القنوات، وبعدها إلى حي جرمانا بدمشق، وتجري العديد من الورش وتعمل على تدريب مجموعة من الأطفال على عرض مسرحي بعنوان (جلجامش).. تحكي سكاف عن شغفها بمشروعها الذي تكمله دون انتظار شكرٍ من أحد «أنا فخورة بالمشرفين والمدربين الذين يعملون مع الأطفال والشباب، وفي مقدمتهم «أمل عمران» و«أمل حويجة» نحن نعمل وحسب مع أننا في مكاننا الجديد نفتقد إلى الخشبة، إلا أن ذلك لم يمنعنا من الشغل على مسرحيتنا التي يقوم الصغار بتقديمها للصغار، دون حتى أن نفكر بفرصة عرض واحدة»
مي سكاف الفنانة التي لمعت بداية التسعينيات في بطولة فيلم «صهيل الجهات» لـ«ماهر كدو» لفتت الأنظار إليها من خلال أدوار عديدة قدمتها في التلفزيون والمسرح كان آخرها دورها في مسرحية (الموت والعذراء) عام 2005 حيث وقفت إلى جانب (فايز قزق) و(زيناتي قدسية) على مسرح القباني بدمشق تسعى اليوم لتطوير مشروعها المسرحي الخاص وأن يكون لمعهد تياترو فضاء مستقل للعروض».
رجل الثلج على المسرح..
فرقة «كون» المسرحية تأسست عام 2002 وقدمت أول عرض شارع في ساحة باب توما بعنوان «ع طريقك» ثم أعقبته بعرض فقاعة سنة 2003 و«حكاية علاء الدين» 2006 كما قدمت عام 2007 عملاً بعنوان «جثة على الرصيف» في نفق ساحة العباسيين بدمشق وفي مدرسة بحصين البحر ضمن احتفالية دمشق بالكاتب المسرحي السوري «سعد الله ونوس».
يقول أسامة حلال مدير الفرقة أنه اعتمد في تمويله على شركات تجارية خاصة لكنه في عرض «جثة على الرصيف» تعاون مع المركز الثقافي البريطاني وفي عرض «الدونكيشوت» الذي نال مؤخراً جائزة أفضل عرض في مهرجان القاهرة التجريبي تعاونت كون مع الأمانة العامة لدمشق عاصمة الثقافة العربية لكنه أعاد عرضه مؤخراً على حسابه الشخصي، وقدمت له مديرية المسارح والموسيقى تذكرة السفر إلى مهرجان القاهرة التجريبي فهم غير قادرين كفرقة على تمويل العرض، أما برامج المراكز الثقافية الأجنبية فهي غير مسؤولة عن تمويل العروض المسرحية، والشركات الخاصة ليس لديها دائماً الرغبة في دعم مشاريع الشباب فلديهم إستراتيجية خاصة بهم «لكن المسؤول الأول عن هذا الأمر هو وزارة الثقافة ومديرية المسارح» يقول مدير فرقة كون «المديرية لديها وجهة نظر خاصة في الفرق الجديدة ويعتقدون أن هذه الفرق تجد النقود على قارعة الطريق لذلك رفضوا التعامل معنا» ولا يعرف حلال لماذا يعتقدون ذلك، ويقول: «نحن كفرقة كون نشتغل مسرحا من أجل تقديم وجهة نظر نستمتع بها مع المتلقي والشيء الوحيد الذي نريده هو دعم بسيط لعروضنا» ويطالب بتشكيل صندوق لدعم الفرق وليس لعرض واحد فقط بل لمدة سنة أو سنتين إضافة إلى إقامة ورشات عمل تستفيد من وجود المراكز الثقافية العربية التابعة للوزارة، فهذه المراكز تستطيع أن تؤمن أماكن جيدة للتدريبات والبروفات للفرق الخاصة، لكن هذه المراكز تغلق مسارحها عند الساعة الثانية بعد الظهر ولذلك لا تستطيع الفرق الشابة الإفادة من وجود كل هذا الكم الكبير من المراكز الثقافية التي يصل عددها في سورية الى أكثر من أربعمئة مركز، يعلق أسامة «لا يهمني أن نتحارب مع الوزارة أو المديرية نحن شباب سوريون وخريجو جامعات سورية وحققنا جوائز هامة في مهرجانات دولية والمفروض أن يتجاوبوا معنا كشباب سوريين فنحن لا نطمح إلى أرباح مالية بل إلى خطة لإدارة المشاريع الثقافية» يروي «حلال» قصته مع مديرية المسارح في عام 2008 عندما قدمت فرقته مشروع نص بعنوان «ثنائيات» للكاتب المسرحي «عدنان عودة» فخيرت كون بين أن تقدم العرض للمسرح القومي أو أن تكتفي بمشاركتها بعرض الدونكيشوت لصالح احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية.
عام 2007 قدمت كون بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني «جثة على الرصيف» وأخذت موافقة عبر كتاب خطي رفعته إلى وزير الثقافة ووافق عليه بأن تساعدهم المديرية بتقديم العرض على مسارحها لكن عندما ذهبوا إلى المديرية وطلبوا مسرحاً أجابهم «نضال سيجري» مدير المسرح القومي آنذاك بأننا «لا نستطيع أن نقدم لكم المسرح لأنكم فرقة خاصة، نحن لا ندعم سوى العروض التابعة للمديرية» وعندما طالبوه بتنفيذ قرار الوزير قال مدير المسرح القومي «خلي الوزير يعطيكن مصاري».
الحكاية لم تختلف مع تجمع لفنون الأداء حيث قام «رأفت الزاقوت» مدير ومؤسس الفرقة بتقديم عرضه «الجمعية الأدبية» على مسرح القباني مؤخراً، وقدمت له المديرية المسرح لعرض وُصف بالمتقشف لكن الزاقوت لم يأخذ مقابلاً مادياً واكتفى بمنحة المكان على حساب أي شيء آخر فمشكلة الفرق المسرحية الشابة في سورية كما يقول مدير فرقة باب يعود إلى غياب التمويل، المشكلة وبلا أية مواربة تكمن في المال، المال ولاشيء آخر، صحيح أن المشروع المسرحي مشروع خاسر مادياً، لكنه على المستوى الاستراتيجي الجمعي مشروع رابح ومن المفروض أن تهتم الحكومة به، المسؤولية تقع على عاتق وزارة الثقافة».
وإذا كان المال هو ما يريده الزاقوت وتمكن من أخذ المسرح لعدة أيام فإن «باسم عيسى» مؤسس فرقة مسرح الدائرة لم يعط تلك الخشبة إلا في الوقت الضائع من مديرية المسارح حيث تنتهي عروض الموسم المسرحي في عدة شهور من شتاء السنة وتقفل هذه المسارح أبوابها إلى أن يأتي شتاء آخر، فالموسم المسرحي في سورية يبدو شتوياً وهو أقرب إلى رجل ثلج يذوب عند أول نسمات الصيف،
يسرد عيسى قصته للسفير الثقافي: «رغم أن المديرية لم تقدم لنا أي نوع من الدعم، بعد أن رفع مدير المسرح القومي وقتها (كميل أبو صعب) تقريراً يقول فيه أن عرضنا غير لائق فنياً ولا يحق لنا المشاركة مع أن (صعب) كان نائماً في العرض ولم يشاهده، رغم ذلك حزمنا أمرنا وسافرنا إلى القاهرة على حسابنا الشخصي وأخذ العرض جائزة أفضل ممثلة للفنانة (راما العيسى)».
من مسرحي إلى بائع أحذية..
لا يمكن تصديق ما حصل مع الفنان محمد شيخ الزور الذي ساهم على مدى أربعين عاماً في تأسيس مهرجان حماة المسرحي، وكان مديراً للمسرح القومي في مدينة حماة، إلا أنه لم يتقاض راتباً من مديريته لأكثر من سنتين فانتهى به المطاف إلى بيع الأحذية على باب كراج طرابلس في حماة، وعندما سمع وزير الإدارة المحلية بقصة الزور أعطاه رخصة كشك «سوبرماركت صغير»، لكن الزور رفضها وعاد إلى الشارقة لتدريس المسرح هناك من جديد.
الفنان بسام داود مدير فرقة (خطا وركشوب) تكاتف مع زميله الممثل المسرحي (شادي مقرش) بعد أن أعلن هذا الأخير على موقع الفيس بوك دعوة مجايليه من الفنانين الشباب بمقاطعة المديرية التي حذفت ما يقارب أربعين بالمئة من أجور الممثلين المشتغلين في الموسم الماضي، وكانت ذريعة المديرية هذه المرة هي العجز الذي تعاني منه في ميزانيتها والذي وصل إلى خمسة عشر مليوناً سورية.
يقول بسام داود «الأجور ليست المشكلة الأساس، بل هو القانون الذي يعوض لنا عن أجر نستحقه بمكافأة، هذا كان سارياً منذ سنين طويلة على الممثلين الموظفين في مديرية المسارح، أما نحن لسنا موظفين ولا نتقاضى راتباً».
البيروقراطية والفن لا يتفقان
تأسست فرقة «ليش» عام 1999 وكانت أول فرقة خاصة بالمسرح الحركي واليوم بعد عشر سنوات يتابع تجمع «ليش» المرخص من نقابة الفنانين في سورية خياره في العمل بشكل مستقل تقول مراد مديرة الفرقة: «لا أريد أبداً التعامل مع المؤسسة الرسمية، فالبيروقراطية والفن لا يتفقان مطلقاً…. الاحتياجات الفنية.. أماكن التمرين.. الساعات المخصصة للعمل.. كلها آلية من المفروض ألا تتدخل بها المؤسسة الرسمية عند التعامل مع الفرق الخاصة. وهذا غير متوفر عند الجهات الحكومية لأن هذه الجهات تحاول أن تنفذ سياسة المؤسسة الرسمية. تضيف مراد: أنت تدخل في النظام الذي تريد من خلاله أن تقدم فناً جيداً فتفاجأ بأنهم خصصوا لك ثلاث ساعات للتمرين في حين أن هذا الوقت لا يكفي حتى للإحماء ناهيك عن أن المديرية غير ملزمة بتنفيذ الديكور والإضاءة وهي لا تتعامل مع مطابع واستوديوهات تسجيل الموسيقى الجيدة لأنهم يعتمدون على التوفير ولا يقدمون عملاً احترافياً».
مراد كان خيارها التعامل مع المراكز الثقافية الأجنبية إلا أن هذه المراكز محكومة بميزانيات صغيرة لذا كان على فرقة ليش أن تقدم اعمالها عبر مشاريع مسرحية كبرى حيث قدمت مسرحية «مومو» للأطفال المأخوذة عن رواية الألماني «مايكل إيندي» مع معهد غوته بدمشق 2003-2005 حيث أنتج غوته هذا العمل إضافة إلى فيلم كرتون ضمن مشروع حوار «مع العالم العربي» لغوته لكنه ليس مشروع المركز الثقافي الألماني بل هو مشروع ألماني كبير.
تقول مراد: «الدخول في هكذا مشروع سيوفر مبلغاً أكبر لدعم عملك المسرحي فالمراكز الثقافية ليست جهات منتجة للمسرح، بل هي تشارك في نشاطات ثقافية».
اليوم دخلت «ليش» مشروعاً كبيراً مع مؤسسة الإليزيه الألمانية الفرنسية وهو مشروع ثقافي بين فرنسا وألمانيا ودول الشرق الأوسط تقول مراد: الميزانية هنا جيدة وعندما نسألها عن الأجندة تقول ما المانع كل تمويل وراءه أجندة، فنحن ليس أمامنا خيارات مع المؤسسات الحكومية التي تتبع نظاماً بيروقراطياً معيناً فكل آلية رسمية هي آلية غير محترفة في العمل على العروض وتستذكر مديرة فرقة ليش تعاونها الوحيد مع المؤسسة الرسمية وتصفها بأنها كانت تجربة قاسية حيث أبرم اتفاق بين مديرية المسارح والموسيقى و«ليش» لإنتاج عمل مسرحي حركي بعنوان «إذا ماتوا انتبهوا» وكانت الفترة المحددة للتعاون شهرين وبعد دراسة الميزانية والشغل لمدة شهرين انسحبت مديرية المسارح قبل يومين من العرض بلا أي سبب يذكر وكانت الحجة كما أوردها المدير العام للمسارح والموسيقى الدكتور عجاج سليم بأن المديرية ليس لديها قانون للشراكة مع الفرق الخاصة.
النوايا الحسنة عند مديرية المسارح تبقى مجرد نوايا حسنة ولا تثمر في التعاون والمبالغ التي كانت مترتبة على المديرية دفعتها نورا من جيبها الخاص، واللجوء إلى الراعي «السبونسر» يكون دائماً كما تقول مراد بشكل شخصي، والمطلوب من المديرية اليوم أن يكون المسرح جزءا كبيرا من التنمية على الأقل هي ليس لديها مانع من فرض الشروط لكن هناك تجارب مريرة تمنعها اليوم من التعامل مع المؤسسة الرسمية.
فرقة «ليش» أخذت جائزة أفضل سينوغرافيا في مهرجان القاهرة التجريبي عن عرض «بعد كل ها الوقت» 2000 تأليف وإخراج «نورا مراد» ومع أن الفرقة سافرت وقتذاك على حسابها الشخصي ومع أن العرض طلب من إدارة المهرجان شخصياً للمشاركة إلا أن المديرية اعتذرت وقالت وقتها أنه لا يوجد فرقة بهذا الاسم ولولا متابعة نورا للموضوع بشكل شخصي لذهبت على «ليش» فرصة المشاركة بالمهرجان.
تقول مراد: أن «ليش» لا يؤتى على ذكرها رسمياً مع أنها شاركت مؤخراً في مهرجان ربيع الطفل الذي تنظمه المديرية وتصف ما حدث وقتها بالكارثة حيث وصلت إلى المركز الثقافي العربي بالمزة لتقديم العرض، وكانت المفاجأة أن المركز لم يسمع لا بالمهرجان ولا بالفرقة وعند سؤال مدير مهرجان الطفل «عدنان سلوم» قال أنه غير مسؤول عن هذا العرض. تقول مراد: في المديرية هناك ألفا موظف لكنهم وقعوا في هذا الخطأ وقالوا بصريح العبارة المسرح لا يعلم باسم العرض الذي تشارك به ليش.
رقص الباليه أوالتبرع بالدم
بعد مشاركتها في تأسيس فرقة «ميوسوتس» للمسرح الراقص في مدينة نورنبرغ بألمانيا وتقديمها عبر شراكة ألمانية سورية عرض «عواقب» على مسرح دار الأوبرا السورية عام 2006 عادت مي سعيفان إلى سورية بعد سنوات من الدراسة والتدريس هناك تقول سعيفان: إنه بعد هذه السنوات من الشغل كراقص أول في فرقة ميوسوتس التي تعاونت مع الكريوغراف الألماني «إنغو شفايغر» على تأسيسها طمحت إلى تأسيس مشروعها الخاص ومن هنا بدأت فكرة الفرقة الخاصة حيث عمدت مي إلى تأسيس فرقتها بعد سنوات من الغياب عن سورية شعرت من خلالها أنها أشد ارتباطاً بالمجتمع والثقافة السوريين، تقول سعيفان: لم أشعر في أي لحظة أثناء وجودي في ألمانيا أن سورية لا تعنيني وكنت مصرة على أن تكون هناك فرقة ألمانية سورية تقدم عروضها في ألمانيا وفي سورية في الوقت ذاته، وبعد عرض «عواقب» قدمت ميوسوتس مسرحية كونتراكت مع الراقصة الألمانية «بيترا يافورسكي» وشاركت في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية بعد شغلها على قصائد للشاعر أدونيس من ديوانه (تاريخ يتمزق في جسد امرأة). حاولت سعيفان بعد عودتها إلى سورية أن تستفيد من التجربة التي زاولتها في ألمانيا في تدريس الرقص في مدرسة بنورنبرغ أسستها مع الكريوغراف الألماني (إنغو شفاير).
تقول خريجة المعهد العالي للباليه في فرانكفورت 2003 بأن توقعاتها عن العمل في سورية كانت مطابقة للواقع إلى حد كبير، لكن كان لديها الأمل في أن تقدم عرضاً بدعم من دار الأوبرا السورية لتشكيل فرقة صغيرة تابعة لتلك الدار، لكن ذلك لم يتحقق لأنه غير وارد حتى الآن في خطة دار الأوبرا إذ أن في أولويات الدار إنشاء فرقة موسيقية خاصة بها ومن ثم التطلع إلى فرق أخرى.
تروي سعيفان قصتها مع مديرية المسارح وتقول التعاون مع المديرية لم يكن ضمن توقعاتي بسبب الروتين والبيروقراطية التي تحكم قوانينها وعدم الوضوح في التعاون مع الفرق الخاصة، إضافة إلى عدم وجود هامش من الحرية الفنية لها كمصممة للرقص. ما فوجئت به أن موظفي المديرية لا يعرفون مسؤولياتهم وعلي أن أعيد إرسال الكتاب الذي أخاطب به المديرية أكثر من ثلاث مرات حيث تضيع الأوراق بين موظف وآخر، وتتوه طلبات لجان المشاهدة مع طلبات استقبال الوفود وطباعة الأفيشات والبطاقات، وتضيع أوراق المكافآت ورعاية الوزارة بين هؤلاء الموظفين الصغار الذين لا يعرفون حجم الفوضى التي يشكلونها بتصرفاتهم غير المسؤولة. ورغم عشرات الأوراق التي خاطبت بها مديرية المسارح لتنظيم الملتقى الأول للرقص المعاصر بدمشق خرجت أنا لاستقبال الوفود على الحدود السورية اللبنانية وقمت بطباعة أفيشات الملتقى والبروشورات على حسابي الخاص، وذلك بسبب سوء التنظيم وليس سوء النية. «النية حاضرة ولكن ماذا نفعل بها» تقول سعيفان وقبل يومين فقط اكتشفت أن جميع مطبوعات الملتقى لم تقم المديرية بطباعتها بحجة أنها لا تملك التقنية اللازمة لذلك، وعزا أحد مسؤولي المديرية إلى أنهم في خلاف مع المطبعة، وحتى عندما طبعت بروشورات ملتقى دمشق وحملتها إلى المديرية قال لي معاون المدير العام «عماد جلول» أنصحك إذا أردت أن توزعي هذه البوسترات والملصقات الإعلانية أن تنشر بألا تسلميها للمديرية فالموظف سيرميها في أول حاوية. وتشكو سعيفان من عدم توفير المديرية لوسائط النقل التي وعدت بها لتنقل الوفود من الفندق إلى دار الأوبرا، فدخلت بمتاهة من روتين متعب ليس له نهاية، حيث وجدت نفسها أسيرة الأهواء والأمزجة الخاصة للموظفين لدرجة جعلتها تفكر اليوم بعدم إبرام أي اتفاقية مع مديرية المسارح بسبب ما لاقته من تنظيم الملتقى الأول للرقص المعاصر، وهي الآن تبحث عن شريك آخر لتنظيم الملتقى الثاني.
تعتقد «سعيفان» أن المشكلة ليست في القائمين ضمن وزارة الثقافة فمعاون الوزير الدكتور علي القيم ومدير مكتب الوزير نزيه الخوري كانا متعاونين لأبعد حد ولطفاء لكن المشكلة في الذهنية التي تحكم العمل في مديرية المسارح.
أنشأت سعيفان تجمع تنوين للمسرح الراقص عام 2008 لكنها لم تحصل حتى اليوم على ترخيص من نقابة الفنانين تقول مي: «لم يعطوني ترخيصاً لأنهم لم يعترفوا بشهادتي التي أخذتها من أهم المعاهد العالمية في تدريس الرقص وطلبوا مني أن أجري فحصاً في اللغة العربية ومادتي الثقافة القومية واللغة الإنكليزية، وبعد عشر سنوات من العمل كراقصة باليه محترفة على المسارح الأوروبية طلبوا مني عشرات الأوراق الثبوتية إضافة إلى وثيقة تبرع بالدم، ورغم ذلك قمت بمحاولة لتعديل شهادتي وإعادة تقديم بعض المواد الدراسية رغم أن معظم المواد التي درستها في ألمانيا غير موجودة في منهاج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وبعد عجز «سعيفان» عن معادلة شهادتها قالوا لها في نقابة الفنانين «يمكنك أن تقدمي فحصاً لقبولك كراقصة في فرقة الفنون الشعبية والدبكة، وبعد سنة تحصلين على شهادتك كنقابية متمرنة»، فشكرتهم على حسن استقبالهم وذهبت في حال سبيلها.
(دمشق)
السفير الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى