صفحات ثقافية

معرض مسابقة الفنانين السوريين الشباب 2010

null
”: القسوة والعنف والجنس والطبيعة عناوين لأعمال نضجت مبكراً
ناظم السيد
دمشق ـ ‘القدس العربي’ ‘معرض مسابقة الفنانين السوريين الشباب 2010 ‘هو عنوان النشاط الذي تقيمه وزارة الثقافة السورية بالتعاون مع شركة ‘بترو- كندا’ في ‘ دار الأسد للثقافة والفنون’ في دمشق. المعرض الذي يضم أعمالاً لستة وثلاثين فناناً (ثلاث لوحات لكل فنان وفنانة)، هو حصيلة مسابقة نظمتها الشركة المذكورة لنحو 90 فناناً شاباً. وبعد اختيار 36 فائزاً طلب إليهم إنتاج ثلاثة أعمال في سبيل عرضها في المعرض. هنا مقال عن المعرض الذي شاهدته أثناء زيارتي سورية الأسبوع الفائت.
لا تتعدى مفردة ‘ شباب’ التحديد العمري لغالبية الفنانين المشاركين. ذلك أن مفردة كهذه لا تحيل إلى التقييم الفني أو المعيار القيمي. هذه أولى الملاحظات التي تفاجئ زائري هذا المعرض على ما أرى وأحدس. نحن أمام تجارب شبابية ناضجة في غالبيتها، خلاقة في معظمها، وإن كان ثمة فنانون مشاركون لا يزالون يبحثون عن أساليبهم وطرقهم لتكوين لوحة فنية. ربما ذهب بعضهم لاحقاً إلى تلمس أسلوب آخر، واكتشاف مرحلة أخرى في مسيرته الفنية، واجتراح طرق وأدوات تعبيرية جديدة، لكن حتى يحدث مثل هذا الافتراض لا يسعنا سوى التعامل مع نتاج بعض المشاركين على أنهم وجدوا هوية فنية يعبّرون من خلالها عن توجهاتهم. هذه الملاحظة الخارجية لا تقدّم ولا تؤخر للحديث عن معرض تشكيلي. لندع هذه الملاحظة ـ إذاً – وندخل مباشرة إلى المعرض.
تقاطعات وافتراقات
لا شك في أن الكتابة عن 36 فناناً معاً تؤدي إلى شيء من التعسّف. هذا التعسف مردّه إلى إيجاد تقاطعات قسرية بين أشخاص ينتمون إلى المرحلة العمرية نفسها ويعيشون في البلد نفسه، لكنهم يتوزّعون في طريقة التعبير على مدارس واتجاهات وحساسيات. مع ذلك يمكن القول إن ثمة تقاطعات في الشغل على موضوعات متقاربة مثل العنف والقسوة والجنس (الجندر) والطبيعة. على أن هذا التقاطع في الموضوع لا يلبث أن تزيحه المعالجة الفنية. فمن الشغل على تعبيرية مباشرة إلى غنائية عاطفية إلى تمسك بكلاسيكية تبرز حرفة هذا الفنان أو ذاك في مسعى إلى إثبات الإلمام بالأدوات والحرفة التقنية إلى ملامح نضج لدى البعض من خلال خلق أسلوب يتجاوز سطح اللوحة إلى عمقها عبر الخطوط والألوان وتوزيع الكتل اللونية والشكلية. والحال، يشترك في العمل على الطبيعة كل من عزة حيدر، الياس أيوب وفادي مراد، في حين يشترك في معالجة موضوعات العنف والقسوة والسلطة كل من ربيع كيوان، آزاد حموي وخالد فاضل، بينما يشكل الجنس بمعنى الأنوثة والذكورة خلفية لأعمال سمير الصفدي، ماسة أبو جيب، ندى علي، هبة العقاد، عزية الشريف وضحى الخطيب.
أكثر من 100 لوحة ضمّها المعرض تعكس غنى جيل تشكيلي جديد في سورية موضوعاتٍ وأساليبَ وطرقاً تعبيرية وأدوات مستخدمة وتقنيات في التنفيذ. من العمل على سطح اللوحة إلى تعميق الشغل إلى استخدام مواد كالأحجار والصور الفوتوغرافية، ومن غنائية رخوة إلى وحشية قاسية، ومن حروفية وزخرفة إلى قدرة على الاختزال، ثمة تنوعات في الأعمال المعروضة تشير إلى خصوبة الحركة التشكيلية في سورية لدى الجيل الشاب.
إذا كان محيي الدين ملك فضل اللجوء إلى حروفية تعكس ثقافة عربية وإسلامية، فإن مي ريشي استعانت بدورها بالكلمة. وفي حين بدت الكلمة ذات دلالة مباشرة لدى ريشي، فإن هذه الكلمة أخذت بعداً تشكيلياً (بصرياً) لدى ملك. الكلمة لدى ريشي معجمية أو اجتماعية. لكنها لدى ملك ترد إلى جذور بدائية، إلى ما قبل الدلالة الاجتماعية أو المعجمية لها. إنها شكل أكثر منها صوتاً، مادة أكثر منها معنى، كتلة أكثر منها دلالة.
يأخذ العنف أبعاداً لدى ربيع كيوان. لوحاته تصوّر الصمت والقسوة. أجساد مقيدة ومرمية على الأرض محاولة فك قيودها في إحدى اللوحات. في لوحة أخرى نساء واقفات مغمضات العيون. ثمة من قيّد النساء. ثمة من جعلهن يغمضن عيونهن. الأشخاص في لوحاته، رغم الأساس الكلاسيكي الواضح المخفف بشيء من الانطباعية، هؤلاء الأشخاص يبدون أمواتاً على حركتهن. يصوّر كيوان الموت من خلال الأيدي المقيدة والعيون المغلقة، مستخدماً في كل الحالات لون اللحم سواء كان بنياً كلون البشرة أم أحمر كلون ما تحت البشرة. العنف أيضاً موضوع لوحات آزاد حموي الثلاث. إنها لوحات تصوّر صراع الديكة حيث يتطاير الدم والتراب والريش. ثلاث لوحات مؤثرة يبرز فيها الفنان تلك الحركات العنيفة والسريعة والقاتلة لديكين يتصارعان. ثمة قدرة مدهشة على تصوير الحركة. الحركة في حد ذاتها تزيد من قسوة اللوحة. ويزيد من هذه القسوة لون الدم الأحمر الذي يعكسه مضخّماً لون الريش الأبيض. لوحات حمي تعكس ما هو أعمق وأبعد من صراع الديكة. ثمة من يدير هذه المعركة في خارج الكادر. ثمة من يصنع العنف ولم تلتقطه ريشة الفنان لكنها أشارت إليه. وبالطريقة نفسها لجأ خالد فاضل إلى الحيوان لرسم العنف والقسوة. رسم فاضل ثلاث لوحات لثور يتم نحره (تذكر اللوحات برسومات بيكاسو لمصارعة الثيران كموضوع وليس كأسلوب). ليس هناك مصارع ثيران، ليس هناك جمهور. فقط رأسٌ دامٍ، غرزت في رقبته سهام، مرة يستعد للمواجهة وأخرى يرفع رأسه في حركة مؤثرة هي مزيج من الألم والدعاء. لا يصور لنا فاضل جسم الثور. إنه يركز على رأسه فقط. الرأس هنا يغدو حيزاً لتصوير الألم وتكثيف الإحساس به. الرأس أكثر الأماكن تعبيراً في هذا الكائن المنحور من أجل المتعة. على المتلقي أن يقدّر من نحره. على المتلقي أن يستنتج الذين يستمتعون بهذه الرياضة. ما يلفت في لوحات فاضل تلك القدرة على التعبير عن الوحشية من خلال حجم الكتلة (رأس الثور) مع حركة الريشة القاسية والجبّارة التي تعكس قوة هذا الحيوان وهشاشته أمام قاتله الإنسان. إن تضخيم هذه القوة عبر الضربات الكبيرة للريشة (تذكر هذه الضربات بأسلوب الفنان السوري الذي يعيش في ألمانيا مروان قصّاب باشي والملقب ببيكاسو سورية) ليس سوى مقدمة لنحرها. في عالم البشر يحدث أمر مشابه: تضخيم شرور العدو تمهيداً لإبادته.
بحثاً عن الشريك
الجندر أو النوع الاجتماعي بدا موضوعاً لدى عدد من المشاركين في المعرض. في حين استلهمت عزية الشريف رجالاً ونساء من الريف (رسم ثنائي بشري)، فإن ندى علي اختارت رسم ثنائي كتعبير عن حالة الحب. لكن علي طوّرت هذه العاطفة عبر إدخال أجواء عائلية عليها، أي لم تكتفِ برسم ثنائي فحسب بل ما ينتج عن هذا الثنائي. بدورها تهجس لوحات ضحى الخطيب بالجنس من خلال رسم رجل وامرأة. وقد عملت الخطيب على إبراز ثديي المرأة في اللوحات الثلاث التي قدّمتها ما يتيح لها قراءة سيكولوجية للوحة إذ تحيل الأثداء على الأمومة والطفولة. هذه الطفولة أيضاً شكلت مضمون أعمال هبة العقاد التي رسمت صبياناً وبناتاً. وقد تداخل موضوع العقاد مع الأسلوب، إذ بدت لوحاتها أشبه بلوحات أطفال من خلال اللعب بالأبعاد والأحجام كتكبير الرأس أو الجسد بطريقة غير واقعية. وقد عكست لوحات العقاد أجواء عائلية دافئة سواء عبر رسم أشخاص داخل المنزل قربهم هرة ممددة أم عبر ألوان تبرز هذا الدفء. أيضاً تندرج لوحات موسى نعنع في هذا الاتجاه العاطفي، من خلال رسم امرأة. لكن نظرة إلى هذه المرأة تكشف لنا عن رجل محذوف من اللوحة لكنه موجود في تعابير المرأة. على الأقل هذا ما تبديه لوحة ‘النصف الآخر’ التي تصور امرأة تجلس إلى طاولة وفي يدها سكين وأمامها برتقالتان ونصف برتقالة. الصمت والانتظار والترقب هو ما تقوله لوحات موسى نعنع التي كشفت متانة كلاسيكية وإن كانت تنتمي أكثر إلى المدرسة الانطباعية. ورغم برودة ملامح النساء في لوحاته فإن الألوان الترابية إضافة إلى الألوان الحارة كالأحمر والبرتقالي تخبئ أحاسيس متوقدة. أيضاً تعالج ماسة أبو جيب موضوع الجنس لكن من زاوية مختلفة. ثمة امرأتان في كل لوحة. إحداهما بثديين واضحين والأخرى بلا ثديين. ثمة شغل إذاً على الذكورة والأنوثة داخل المرأة الواحدة. ثمة إحالة على مثلية ما. أما سمير صفدي فقد رسم لوحات لثنائي لكنه بدل أن يخفي ثديي المرأة كما فعلت أبو جيب أخفى ملامح الرجل والمرأة في لوحاته. لوحات تعكس غنائية عاطفية، على النقيض من لوحات محمد مختار التي تصوّر امرأة تحمل سيكارة، عبر خطوط رفيعة وحادة، تعكس لنا أنوثة مجهدة.
تشكل الطبيعة محوراً أساسياً آخر لعدد من الفنانين المشاركين. ربما كان الياس أيوب أفضل من يعكس هذا الموضوع عبر ثلاث لوحات تصور مناظر طبيعية (في إحدى اللوحات حوريات أمام طبيعة، وفي أخرى امرأة مستلقية). وربما كان أيوب أكثر الفنانين المشاركين تأثراً بالمدرسة الانطباعية في أعماله التي تذكر بأعمال رامبرانت وغوغان وفان غوغ. أما عزة حيدر فترسم مشاهد طبيعية عبر لوحات امتازت بالإنسيابية والخفة والرشاقة. أما فادي مراد فيرسم الطبيعة عبر ألوان وأشكال وحركات تظهر القدرة على التأليف. هذه القدرة على التأليف، أي العمل داخل اللوحة وعدم الاكتفاء بالسطح تتبدى لدى التشكيلات اللونية لعبد اللطيف الجيمو، وتشكيلات الأشخاص لدى زياد العبو، والتشكيلات اللونية والشكلية لدى شادي العيسمي، والتشكيلات اللونية التي تبدو مزيجاً من احتفالية غنائية وبراءة طفولية لدى دانة النفوري، والتوزيع الهندسي واللوني لدى مفيدة ديوب.
من تكعيبية قاسية وحادة تذكر بأعمال بيكاسو لدى علاء حسون، إلى تجسيمات رياضية تبلغ حد الهوس الهندسي أو الاستلهام المعماري لدى فادي عطورة، إلى استخدام وسائط متنوعة كالرسم على القماش وإلصاق صور فوتوغرافية والاستعانة بالخرز لدى محمد كوتي (تعكس ألوانه الترابية بيئة الحسكة مسقط رأس الفنان)، إلى استعمال الأحجار لإعادة تكوين المدينة وبالتالي إنشاء لوحة غير مستوية السطح لدى حنان سيف، بدا هؤلاء الفنانون متنوعين في خياراتهم، تجمعهم البدايات ويفرّق بينهم الاحتراف الذاهبون إليه.
يبقى أن أشير إلى أن المجال لا يتسع للحديث عن جميع المشاركين ومن بينهم إيمان صبح (الوحيدة التي جسّدت الموضوع الديني عبر لوحة ‘موسى وسمكة الهلال’ والتي نالت الجائزة الأولى، وقد رسمت الفنانة ما يمكن الحدس بأنه قديس في داخله شيطان، وعلى جانبيه امرأتان. يستطيع المتلقي أن يؤول هذا العمل على أن الشخص في الوسط هو المسيح تحيط به مريم العذراء ومريم المجدلية، لكن تأويلاً كهذا سيكون مغامرة بلا طائل). أيضاً هناك مشاركون آخرون لم أستطع إدراجهم في سياق هذه التغطية وفي سياق التقسيمات التي أردتها لها ومن بينهم ريم درويش، أسامة هابيل، طارق عربي، أنس كحال، مرام معتوق، وسام الشعبي، فادي الحموي، شادي أبو سعدة (تعكس لوحاته حرفة كلاسيكية)، أنس الرداوي (قدّم لوحات ذات خصوصية من بينها لوحة أشبه بالمنمنات، ولوحتان فيهما استخدام للخيش مع استلهام فنون يدوية كصناعة القلادات والأساور والعقود وسواها وبعض التعاويذ).
36 فناناً يملأون المستقبل القادم منذ الآن.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى