لا ديمقراطية في الإسلام
ثائر الناشف
ليست الديمقراطية ، بما تعني حكم الشعب أو صوت الشعب ( ديموكراسيا) من اختصاص الإسلام كحركات أو مذاهب ، كما أنها ليست من اختصاص العلمانية وحدها ، وكي لا نربط بينها وبين العلمانية ربطاً نهائياً ، فإننا ندلل على حضورها التاريخي العريق في العاصمة الإغريقية أثينا ، التي كانت أول مدينة عرفت الديمقراطية ومارستها كنظام حكم ، قبل أن تعرف أوروبا المسيحية ، وقبل أن يعرف الغرب العلمانية ، وهو ما يؤكد أن لا صلة بين الديمقراطية كنظام حكم ، وبين الدين كعقيدة ، مهما احتوى تراثه من دعاوى التحرر ، ومهما بلغت درجة تسامحه مع الآخر .
لعل التصور السابق ، يقودنا إلى السؤال الذي ظل يدور في أذهان الكثير من المسلمين دونما إجابة محددة ، وهو أنه لطالما كانت الديمقراطية بعيدة عن جوهر الدين ، فلماذا وجدت في الغرب ، وبذات الوقت انتفى حضورها في الشرق ، هل لأن المسيحية أكثر تقبلاً وتطبيقاً لها من الإسلام ؟.
إذا كان الجواب تأكيداً على صحة ما جرى طرحه من تساؤلات ، فإن حركيي الإسلام السياسي ، الذين يغرسون في أذهانهم يوتيبا دولة الخلافة ، سيحاججون مرة أخرى ، لتبرير منطقهم وتأكيد قناعاتهم ، بأن الإسلام والديمقراطية صنوان ، وأن تحقيق الديمقراطية في الإسلام ، يتأتى من خلال ثلاثة مقاصد وهي ، الحرية ، والتشاور ، والحوار مع الآخر ، ولكل مقصد منها ما يدعمه من النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة المسندة .
كما لا يمكن بأي حال ، أن نقدم نفياً لما سبق طرحه ، لأن العلمانية كما هي حاضرة في الغرب ، فإنها حاضرة أيضاً في بعض بقاع الشرق ، كحضورها القوي في تركيا ، آخر دول الخلافة الإسلامية ، هنا تبرز المفارقة الكبرى ، بين إسلامها المتأصل وديمقراطيتها الحديثة ، وهنا أيضاً تتأكد الصلة غير المباشرة بين العلمانية والديمقراطية .
ولعل ما يفسر شيوع مظاهر الاستبداد والديكتاتورية في أكثر من بلد إسلامي أو عربي ، أن علمانيتها ليست سوى شعاراً سياسياً ، أي علمانية غير ناضجة بالمعنى السياسي والقانوني وحتى العقلي ، أو لنقل علمانية صورية ، في ظل تعنت الحركات الإسلامية ورفضها الاحتكام لقواعدها ، وتهديد كل ما يتصل بها ، بما فيها الديمقراطية .
وما يدعو إلى الغرابة ، أنه ورغم رفض بعض الإسلاميين الحركيين ، سواء كانوا سلفيين أو شيعة ، للنظام الديمقراطي ، باعتباره بدعة من بدع العلمانية ، فإن أقرانهم من ذوي الاتجاه السياسي ، كحركة الإخوان المسلمين ، ينادون به ، بل ويدعون إليه ، وإن كان في سبيل الوصول إلى السلطة .
إن رفض الديمقراطية من قبل أنصار الإسلام السياسي أو الحركي ، بشقيه السني أو الشيعي ، هو في حقيقته رفض غير معلن ، لأنه تكتيكي مرحلي ، غايته امتطاء صهوة السلطة بأي ثمن ، وفي لحظة الوصول إلى السلطة ، يتحول رفضهم لها إلى رفض معلن ، باعتبارها ” الفيروس” الذي حملوه معهم إلى السلطة ، رغم عدم اعترافهم بواقعها ، ولسنا نحوم في سماء التصورات المسبقة ، فالثورة الإسلامية التي قادها في إيران ، رجل الدين المعارض علي الخميني ، ضد سلطة الشاه ، سرعان ما انقلبت على ديمقراطيتها التي نادت بها قبيل وصولها إلى سدة الحكم ، وأخيراً عمدت إلى وأدها ، كما جرى مع الاحتجاجات التي أعقبت عملية الانتخابات الرئاسية عام 2009 وما شابها من عمليات تزوير أثارت سخط الشارع وأججت غضبه من نظام الثورة الإسلامية .
هذا ” الفيروس” ، أي الديمقراطية ، بحسب قناعات معظم الإسلاميين ، لابد من محوه من أجندتهم ، لأنه هو الذي سيزيحهم عن السلطة ، إذا ما ركنوا إلى قواعده السليمة التي كفلها الدستور .
أما الحل ، فهو ضمن خيارين لا ثالث لها ، فإما أن يكون بتكريس واقع تسلطهم ، وفق ما يسمى بأسلمة الديمقراطية ، كما هو حاصل في إيران ، أو بشل الحياة السياسية ورهنها بهم ، كما في باكستان وأفغانستان والصومال واليمن والعراق .
أين تقع المشكلة إذن ؟ هل هي في تراث الإسلام الذي يخلو من روح التعدد والمشاركة ، أم أن التسلط طبيعة ملازمة للإنسان الشرقي ، سواء كان متديناً أو غير متدين ؟.
إن المشكلة تكمن في شقين متلازمين، الشق الأول: تعارض الإسلام مع العلمانية، وتفسيرها تفسيراً مجافيا للمنطق، ليس باعتبارها بدعة، بل لأنها مجرد سلعة مستوردة من خارج المحيط الإسلامي.
الشق الثاني : الموروث الديني الموجود لدى الإسلام ، كما كان موجوداً لدى المسيحية قبل حركة الإصلاح الديني ، والقائم على تقديس الفرد وعدم الخروج عليه ، سواء كان ولياً أو إماماً ، فطاعته من طاعة الله والرسول ” وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ” وهو ما ينقض عرى الشورى ” وشاورهم في الأمر ” كما ينقض عرى الحرية الفردية ” لا إكراه في الدين ” .
دون أن نقول أيضاً ، إنها تنقض عرى الديمقراطية ، لأنها غير موجودة أصلاً في الإسلام ، ولا يمكن لها أن توجد في محيط تسود فيه روح العبودية المطلقة لله ، وروح التبعية المطلقة للفرد ، فالمسافة بين العبودية والتبعية ، لا تسمح بوجود الديمقراطية ، لأنها في الأساس ، مسافة ضيقة ، يحار المرء في أي اتجاه يسلك .
وكلما بعدت المسافة بين العبودية والتبعية، صار ممكناً التفكير بعيداً عن وصاية الدين، وهو إذا ما تحقق، فإنه يفسح المجال للتفكير في الديمقراطية، دون أن يعني تحقيقها.
تحقيق الديمقراطية يحتاج أولاً ، إلغاء إحدى الروحين ، أما روح العبودية ، أو روح التبعية ، ولأنه من الصعب إلغاءهما دفعة واحدة ، كما هو حاصل عند الغرب ، فإن إلغاء روح التبعية ( السلطنة ) كما جرى في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك ، كفيل بإفساح المجال للديمقراطية ، دون إلغاء روح العبودية .
رغم ما يشاع عن التلازم الوثيق بين الديمقراطية والشورى ، كأحد مقاصد الديمقراطية في الإسلام ، إلا أن تكريس العبودية التي لا يكتمل إيمان المرء دونها
” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” وتبعية المرء لمن هو أعلى منه علماً
” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” وأكثر نفوذاً وجاهاً ( إطاعة ولي الأمر ) حال دون ترسيخ الديمقراطية كنظام سياسي مدني ، يتساوى فيه الجميع حكاماً ومحكومين أمام سلطة القانون .
الحوار المتمدن