صفحات الشبابصفحات مختارة

شباب الحياة لا شباب العمر

علي محمد فخرو
أوضحنا في مقالة الأسبوع الماضي استحالة فصل مشكلات الشباب عن مشكلات مجتمعاتهم العامة، إذ يستحيل فصل قضايا الإدمان والمخدرات والبطالة العالية في صفوف الشباب وممارسات العنف غير المبررة والابتعاد عن الانخراط في الحياة المدنية والضياع الثقافي، فصلها عن قضايا الاستبداد السياسي والقمع الأمني وعدم عدالة توزيع الثروة والجاه والسلطة وغياب الاستقلال الوطني والسير في بناء تنمية مشوهة، والتي تنخر جسد المجتمع العربي .
ومع ذلك فهناك قطاعات وخدمات تتحمل مسؤوليات خاصة في تأجيج مشكلات الشباب وفي ضياعه الثقافي والنفسي والخلقي . من هذه القطاعات وسائل الإعلام العربية، وعلى الأخص البصرية منها، فمع أن فئة الشباب تصل الى حوالي نصف الأمة إلا أن الفضائيات التلفزيونية العربية التي تختص بفئة الشباب لا تزيد على بضع محطات لا تزيد على الواحد في المائة من تلك الفضائيات .
وحتى تلك المحطات التي تدعي اهتمامها بالشباب تقدم له برامج ثقافية سطحية هابطة، وتركز على برامج التسلية الغريزية، وبالكاد تلامس الجوانب العقلية الرفيعة أو الإشراقات الروحية العميقة، وتنأى بنفسها عن قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تصطدم بتوجهات السلطة الحاكمة، بل وتبتعد عن كل ما قد يخلق إشكالية مع شركات الإعلان .
وعندما تجرؤ على طرح قضايا الشباب للنقاش والحوار فإنها تأتي بالكبار والمسنين لإلقاء المواعظ ووضع اللوم على الشباب، وذلك بدلاً من إفساح المجال للشباب أنفسهم لكي يتحاوروا في ما بين أنفسهم من جهة ولكي يعلموا مجتمعاتهم بصراحة تامة عما يعانون من مشكلات أسرية ومجتمعية .
وكنتيجة لكل ذلك يتوجه الشباب لمشاهدة المحطات الفضائية الأجنبية لتدخلهم في عالم هو غير عالمهم وفي ثقافة لا ارتباط بينها وبين هويتهم، بل ولتسهم في اندماج غالبيتهم في الثقافة العولمية الاستهلاكية الفردية التي تعزلهم عن مجتمعاتهم وتاريخهم وذاتهم الاجتماعية . وهكذا تنتهي بمشهد تكوين إعلامي مركب: داخلي عربي مختلف وخارجي أجنبي مضلل مدمر .
حصيلة ذلك التكوين الإعلامي، الذي لا تواجه سلبياته أسرة متماسكة مثقفة ولا مدرسة محفزة لاستعمال العقل التحليلي الناقد المستقل المبدع، شباب غير ملتزم تجاه محن وأوجاع مجتمعاته، منخرط الى حدود الخطر في المتع الحسية، هارب بكل الوسائل عن تحمل مسؤوليات جيله، حامل أمراض الحاضر وأوبئته الى المستقبل . فهل يمكن تصوّر كارثة حضارية أكبر من كارثة فقدان الأمل، لا في الحاضر فقط وإنما في المستقبل أيضاً؟ وفي وجود هوّة عميقة تفصل أجيال الأمة عن بعضها بعضاً بحيث تنعدم الاستمرارية الطبيعية بين الماضي والحاضر والمستقبل؟ وعند ذاك ألن تصبح حضارة الأمة عبارة عن جزر تفصلها المحيطات؟
بالرغم من كل ما سبق، وفي عام الشباب الذي أعلنته الأمم المتحدة، عامنا هذا، دعنا نذكر أن اعتماد العمر، كمقياس وحيد لتعريف الشباب، هو خطأ فادح . فالمطلوب أيضاً هو أن يعي الكبار أيضاً بأن تعريف الشباب في عصرنا هذا يشملهم هم أيضاً . كيف؟ عندما نقتنع بأن الشباب ليس عملية حسابية بالسنين وإنما ظاهرة حياتية مرتبطة بالطاقة الإنسانية المستعملة وبالإرادة في الابقاء على الحيوية النفسية والعقلية والعاطفية بالرغم من التراجعات البيولوجية في الجسد، والتاريخ مليء بالإنجازات الكبرى وبالإبداعات الفكرية والفنية وبالاختراعات التي تفجرت في آخر العمر . وقديماً قالها شاعر بولندي: “رب لا تدعني أموت في الفراش، بل أموت في ساحات الدفاع عن الحرية” . وهناك قول للمناضل المغربي علال الفاسي: “لن أموت قبل أن أموت” .
من هنا فلتكن سنة الشباب هذه سنة بناء الطاقة والحيوية والعقل والفكر والالتزام في صغار العمر وفي كبار العمر على حد سواء، فالشباب هو شباب الحياة لا شباب العمر .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى