من يصنع القرار في سورية؟
زين الشامي
منذ أعوام عدة وأنا أسعى إلى محاولة فهم كيفية وآلية صنع القرار في سورية، فرغم أنني مواطن سوري إلا أنني كثيراً ما كنت أشعر بالإحباط والخجل،حين كان أحد الزائرين لدمشق من دولة عربية شقيقة أو دولة أجنبية بعيدة ومهتمة في شؤون المنطقة، يسألني عن كيفية صناعة القرار في بلدنا، وسبب شعوري بالإحباط والخجل، هو أنني لا أعرف شيئاً عن ذلك وليست لدي أي فكرة أو خبرة أو معرفة، فما نعلمه كله في ما يتعلق بالقرارات العليا والتوجهات السياسية هو ذاته ما نسمعه من وسائل الإعلام الحكومية التي بدورها لا تعرف شيئاً عن القيادة في سورية، ولا يملك أي صحافي يعمل بها أي نوع من العلاقة مع أصحاب القرار. أما كيف يعكس الاعلام الرسمي التوجهات السياسية العليا وما تود القيادة إيصاله من رسائل ومواقف، فكان ينحصر برئيس التحرير أو مدير عام المؤسسة الذي يصله كتاب ما من مسؤول ما عبر جهاز الفاكس أو بالبريد العادي أو عن طريق مراسل ما. وفي غالب الأحيان، يتم استدعاء رئيس التحرير إلى مكتب ذلك المسؤول لتلقينه بما يجب أن يكتب في اليوم التالي. أما بقية الجسم الصحافي فهم مجرد موظفين لا يعرفون ما يدور حولهم ولا يحاولون حتى التفكير بذلك.
لكن بين الحين والآخر، كان سهلاً أن نعرف من يعطي الأوامر لتغطية حدث ما أو توجيه النقد إلى دولة عربية أو نظام ما، من خلال اللغة الواحدة والكلمات ذاتها التي نقرأها في أكثر من موقع إلكتروني وصحيفة حكومية حين تصدر حرفياً في اليوم التالي، وحين نعرف أن المسؤول عن الموقع الإلكتروني الفلاني يحتفظ بعلاقة ما مع أحد رؤساء الأجهزة الأمنية، فنعلم جميعنا من يقف وراء هذا الخبر أو النقد الذي نشر في أكثر من وسيلة إعلامية.
لكن هذا في ما يخص موقف ما أو رغبة من قبل القيادة السياسية في لفت الأنظار إلى قضية ما أو توجيه النقد لجهة أو دولة أو نظام. أما كيف يصنع القرار السياسي في ما يخص القضايا الكبرى، فهذا ما سنسعى إلى فهمه وتفكيكه. نقول ذلك، لأن المسألة وحين تتعلق بدولة يحكمها حزب واحد ونظامها غير ديموقراطي على عكس الدول التي تتمتع بالديموقراطية وتمتلك شفافية وحرية في وسائل اعلامها، فإننا بحاجة حقاً إلى عملية تحليل وبحث طويلة ومعقدة. إنها عملية تشبه التنجيم، لأننا نعلم جميعاً أن ما يقال كله عن الحكومة والوزراء ومجلس الشعب و«حزب البعث» الحاكم أنها ليست إلا مؤسسات متلقية للقرار السياسي والتوجهات العليا، وليست مشاركة في عملية صنع القرار في حد ذاتها.
وعلى سبيل المثال، وإذا ما كان دور البرلمان في دول العالم الديموقراطي كلها يعتبر دوراً حاسماً وضرورياً في صنع القرار، فإن ذلك لا ينطبق على سورية، رغم وجود برلمان يدعي أنه يمثل «شرائح المجتمع كلها من مستقلين وعمال وفلاحين وصغار كسبة»، لأنه، ومنذ تسلم «حزب البعث» الحكم في سورية عام 1963، تم تحييد البرلمان، أو ما صار يُعرف بمجلس الشعب لاحقاً، وتم مع الوقت كف يده عن التدخل في الشأن السياسي، وتحول إلى مجرد ديكور يحاكي التجارب البرلمانية في دول العالم من دون أن يستلهم روحيتها أو الغاية التي وجدت لأجلها، لذلك ليس غريباً أن تكون دائماً نسبة المشاركة في الانتخابات متدينة جداً، إذ يعكس ذلك عدم قناعة السوريين بأهمية أو ضرورة هذه المؤسسة.
أما الحكومة التي يُقال عنها إنها ممثلة للسلطة التنفيذية فلا يتعدى دورها الأداء الإداري والخدمي، وهي فوق ذلك لا تأتي عن طريق عملية ديموقراطية أو تنافس حزبي مثلما يجري في غالبية دول العالم، بل إن موقعاً واحداً هو من يقوم باختيار رئيسها ويسمي وزراءها، وهي مسؤولة أمامه وليس أمام الشعب أو ممثلي الشعب في مجلس الشعب.
وعليه، وإذا كان مجلس الشعب ومجلس الوزراء لا يتدخلان في عملية صنع القرار أو يتحكمان به، فمن هي الجهات التي تساهم في ذلك، وهل يعقل أن يكون موقع لوحده هو من يقرر كل شيء في ما يخص السياسة الداخلية والخارجية والدولية وقضايا الأمن الدولي والإقليمي وغيرها؟ لقد منح الدستور السوري الذي تمت المصادقة عليه عام 1973 هذا الموقع هيمنة بصفته الأمين العام لـ«حزب البعث»، ما يعني إعطاؤه سلطة رسم سياسات الحزب واتخاذ قرارات حتى مصيرية من دون الرجوع الى أي مؤسسة أو أحد.
صحيح أن هناك الكثير مما يُسمى بالمنظمات الشعبية مثل اتحاد الفلاحين والطلبة والعمال والشبيبة والاتحاد العام النسائي وغيرها، إلا أنها جميعاً منبثقة عن «حزب البعث» الذي هو بدوره خاضع لتوجهات ورؤى أمينه العام، وبالتالي يمكن القول إن كل شيء وكل قرار يبدأ وينتهي من وعند مقام هذا الموقع وليس غيره.
أما ما يُحكى عن دور وحضور للمؤسسات الأمنية فهذا صحيح، لكنها جميعاً تتنافس في ما بينها خدمة لذلك الموقع وتنفيذاً لتوجيهاته… وهذا يعني في النهاية أن هذه المؤسسات ربما تمتلك يداً طولى في أمن النظام وفي ما يخص التوجهات الأمنية الداخلية، لكن وحين اتخاذ القرارات العليا، فليس لها من دور سوى تقديم التقارير إلى موقع واحد يعود إليه وحده القرار النهائي.
الراي